لمن بلغوا الـ50 .. العمل لا يزال بحاجة إليك

لمن بلغوا الـ50 .. العمل لا يزال بحاجة إليك

"دولتك بحاجة إليك" هكذا تحدث وزير المالية البريطاني، جيريمي هانت، مناشدا من تزيد أعمارهم على 50 عاما، ومرددا مخاوف جاي باول، في الاحتياطي الفيدرالي، بشأن "حالات التقاعد الزائدة" التي كلفت أمريكا خسارة مليوني عامل. لا يزال صانعو السياسات في حيرة من أمرهم بسبب الاستقالة العظمى، في الدول التي تواجه نقصا في العمالة. لكن ليس العاملون من يجب أن يناشدوا: بل أرباب العمل.
قبل عيد الميلاد، توقعت "عودة عظيمة بعد التقاعد"، بمجرد أن تتلاشى روعة البستنة وتنفد المدخرات. لكني اضطررت إلى تغيير رأيي بعد أن أثرت رد فعل قويا من قراء "فاينانشيال تايمز"، حيث شرح كثيرون سبب تقاعدهم وعدم عودتهم أبدا. انتهز بعضهم الفرصة وقبضوا معاشات الشركات بعد ارتفاع قيم التحويل في الجائحة. قلة منهم لم يكونوا بخير. لكن ما فاجأني هو الكراهية الشديدة التي أعربوا عنها تجاه عديد من الوظائف. كتب رجل: "إذا كان في إمكانك الضغط على زر وحذف كل ما قدمته في كل وظيفة شغلتها في شركة، فلن أشعر بأي شيء على الإطلاق".
لأني استمتعت بمعظم وظائفي، فزعت من انهمار خيبة الأمل. شعر القراء الذين قاسوا أعواما من الكد في مختلف الصناعات باضطهاد بسبب البيروقراطية، والتدريب غير المجدي، و"المبادرات" التافهة التي فرضها مديرون انتقلوا إلى أماكن أفضل، في شركات لم تظهر أي ولاء بعد أعوام من الخدمة. كتب أحدهم: "حتى مع أني أبرمج الآن أفضل من أي فترة سابقة في حياتي، إذا عدت إلى قسم تكنولوجيا المعلومات، فسيأكلونني حيا، ليس الشباب (فهم لطفاء)، بل مديرو الإدارات الوسطى التنافسيون العدوانيون، الذين وصلوا إلى حد الجنون من أجل زيادة الإنتاجية".
هل هذا تذمر المتعنتين الذين تخلفوا عن مواكبة الزمن؟ هذه بالتأكيد الصورة التي يظهر بها كبار العاملين غالبا. ربما نصبح أقل سماحة مع تقدمنا في العمر، مع تعليقاتنا المزعجة عن كيف أنه "لم ينجح في المرة الأخيرة التي حاولنا فيها". لكن ربما الذين عفى عليهم الزمن حقا هم المديرون الذين يرون أن عمر 50 عاما "كبير" حين يمثل أكثر من منتصف بعض الأعمار بقليل.
الصور النمطية متطابقة بشكل مدهش في جميع أنحاء العالم. وجد استطلاع أجرته "جينيريشن"، منظمة عالمية غير ربحية، عام 2021، أن أرباب العمل في البرازيل والهند وإيطاليا وسنغافورة وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة قالوا إنهم يفضلون الموظفين الذين تقل أعمارهم عن 45 عاما، والذين هم "أكثر ملاءمة" لثقافة شركتهم. اتفق أرباب العمل هؤلاء على أن أداء العاملين الأكبر سنا مثل جودة أداء الشباب، هم فقط لا يريدون توظيفهم. يتماشى هذا مع أبحاث أمريكية تشير إلى أن وباء كورونا أعطى الشركات ذريعة لطرد العمال الأكبر سنا - بعضهم للأبد. من بين 3.8 مليون أمريكي تراوح أعمارهم بين 55 و74 عاما خسروا وظائفهم بعد آذار (مارس) 2020، كان نحو 400 ألف منهم لا يزالون عاطلين عن العمل بعد عام، حسب شوارتز سنتر الأمريكي.
أظن أن الذين أحبطهم العمل الشاق –وميسوري الحال ماديا بما يكفي ليودعوه- يمكن أن يعودوا. لكن هناك آخرين خسروا وظائف ولا يمكنهم الرجوع الآن. في حين تركز الشركات على التمييز العنصري والجنساني، واحتياجات الجيل زد، يبدو أن التمييز على أساس السن في مكان العمل آخذ في الازدياد. ادعى 78 في المائة من العاملين الأمريكيين الأكبر سنا أنهم رأوه أو مروا به في 2020 ، أعلى مستوى منذ 2003. في المملكة المتحدة، وجد معهد تشارترد للإدارة أن أربعة فقط من كل عشرة مديرين منفتحون إلى حد كبير على توظيف أي شخص يراوح عمره بين 50 و64 عاما.
من غير الصائب أن نزعم أن كل رئيس هو أحد متعصبي جيل الألفية ويمقت ديف ذو الشعر الرمادي في قسم الحسابات. كما قد يكون العاملون الأكبر سنا مكلفين. استبدال عامل يبلغ من العمر 55 عاما بمؤهل بعمر 25 عاما يقلل من فاتورة الأجور والتزامات المعاشات التقاعدية. كتب عديد من القراء الذين لديهم معاشات تقاعدية مرتبطة بمؤشر من شركات كبرى في المملكة المتحدة قائلين إن أصحاب العمل رحبوا بتقاعدهم المبكر.
ما العمل؟ يجب على كل دولة مسنة إبقاء الناس يعملون فترة أطول. من الواضح أن الصور النمطية العمرية تحتاج إلى تصد. لكن لعلنا نحتاج أيضا إلى تحديث الجدول الزمني الوظيفي التقليدي في رؤوسنا: نتوقع أن نبلغ المراتب العليا قرابة عمر 30، بالضبط عندما قد نرغب في إنشاء أسرة، ونبدأ ذهنيا في الخروج بعد 50. نحن أيضا محبوسون في فكرة أن العمر يساوي الأقدمية والأجر الأعلى. إذا عملنا حتى عمر الـ70، فقد لا نتمكن من المطالبة بأجر أعلى من السابق أو الاستئثار بأفضل مكتب في المبنى. يجب أن نغتنم الفرص لتوجيه الشباب، ونتركهم يوجهوننا أيضا.
من خلال العمل في منظمات مختلفة على مر الأعوام، انخرطت في عدد من المحادثات المؤلمة حول ما يجب فعله حيال كبير السن المسكين الذي يترقى لأقدميته لا جدارته عندما يبلغ سن التقاعد. إذا بقي، فقد يشغل وظيفة على حساب شاب أصغر. إذا غادر، فسيأخذ ذكريات وخبرة المؤسسة. لقد شاهدت نهايات وحشية لمن أعطوا قلوبهم وأرواحهم لأماكن لا تأبه لهم. استمر آخرون في إضافة قيمة على سبعينياتهم، بعقود أكثر مرونة.
هذه العقود صعبة التفاوض. من المحتمل أن تكون فكرة "فحص القدرة على العمل في منتصف العمر" طريقة فاعلة لمساعدة أصحاب العمل على التحدث إلى الموظفين بصراحة وإيجابية حول خططهم المستقبلية، دون مسؤولية قانونية.
قد نحتاج جميعا إلى فرصة للتوقف وإعادة النظر، لكن ليس هجران العمل إلى الأبد. في الولايات المتحدة، تقدم منظمة تسمى إنكور للمهنيين المتقاعدين فرصة للعمل في منظمة غير ربحية. في ألمانيا، يمكن لكبار السن شغل "وظائف صغيرة" بدوام جزئي معفاة من الضرائب، حيث يدفع أرباب العمل تأمينا وطنيا أقل من غيرهم.
لا ينبغي أن يبدو العمل مثل كدح أبدي، لكنه كذلك غالبا. ومما أرى، يجب أن يسترعي هذا انتباه أرباب العمل.

الأكثر قراءة