الإفراط في تولي المناصب الإدارية .. عمل مربح محفوف بالمخاطر
العام الماضي، تعلمت إحدى أكبر شركات رأس المال الاستثماري في وادي السيليكون بطريقة صعبة، حدود قبول المستثمرين للمدى الضيق الذي يستطيع من خلاله مديرو الشركات تمديد وقتهم.
في أيار (مايو)، قرر أغلب المساهمين في "تويتر" أن إيجون ديربان، الرئيس التنفيذي لشركة سيلفر ليك، الذي راهن على شركات مثل "علي بابا" و"أير بي إن بي"، كان يتولى مناصب عديدة باعتباره مديرا تنفيذيا إضافة إلى وظيفته اليومية وصوتوا ضد إعادة تعيينه.
كانت علامة على أن "الإفراط في تولي مناصب إدارية"، كما يعبر عن ذلك في لغة حوكمة الشركات، أصبح مشكلة متنامية تواجهها الشركات. لكن ما حد الإفراط في تولي مقاعد في مجالس الإدارة؟ الجواب يعتمد على الشخص الذي تسأله.
حتى إن ذكر الإفراط في تولي المناصب الإدارية يسبب عدم الارتياح. لدرجة أن أحد قادة الأعمال في المملكة المتحدة الذين تحدثت إليهم قد ارتجف عندما استخدمت الكلمة، متسائلا عما إذا كنت سأذكر اسمه وأنتقده كمدير تنفيذي يشغل عدة مناصب. بينما يرفض آخرون بشكل استباقي عروضا لشغل مقاعد مجلس الإدارة خوفا من إثارة غضب المستثمرين، حتى لو كانوا يعتقدون أن لديهم القدرة على فعل ذلك. كما يعمل الرؤساء أيضا على استبعاد المرشحين ذوي الكفاءات العالية لتجنب خوض معارك مع المستثمرين.
ينص قانون حوكمة الشركات في المملكة المتحدة على أنه إذا كنت مديرا تنفيذيا كبيرا لشركة ما، يجب عليك أن تعين مديرا واحدا فقط غير تنفيذي من الشركات المدرجة في مؤشر "فاينانشيال تايمز 100". بالنسبة للرؤساء أو المديرين غير التنفيذيين الآخرين، لا يوجد حد لذلك لكن يجب على الفرد "تخصيص وقت كاف للشركة للوفاء بمسؤولياتهم".
لكن المستثمرين ومستشاري التصويت بالوكالة اتخذوا نهجا أكثر تشددا، حيث اعتمدوا نظاما قائما على النقاط لتقييم ما إذا كان الفرد لديه التزامات كثيرة. في الولايات المتحدة، تقول خدمات المساهمين المؤسسيين إنها توصي بشدة بالتصويت ضد أو حجب الأصوات عن أعضاء مجلس الإدارة الذين يشغلون أكثر من خمسة مناصب في مجالس الإدارة لشركات عامة، أو إذا كانوا رؤساء تنفيذيين لشركات عامة ويشغلون مناصب في مجالس إدارة لأكثر من شركتين عموميتين إلى جانب شركاتهم. في المملكة المتحدة، يوجد حد لخمسة تفويضات حيث يتم اعتبار الإدارة غير التنفيذية بمنزلة تفويض واحد، كما يتم احتساب الرئيس غير التنفيذي بمنزلة تفويضين اثنين، ويتم احتساب منصب المدير التنفيذي على أنه ثلاثة تفويضات.
يقول معظم المديرين إن الحدود العددية تعد تعسفية. فهي لا تأخذ في الحسبان قدرة الفرد على إدارة وقته، والمتطلبات المختلفة لكل مجلس والطلب على المديرين الأفراد - مثلا، لا تأخذ في الاعتبار ما إذا كان هذا الشخص عضوا في لجنة أم لا. يقول المديرون الذين يتولون مناصب في كثير من المجالس: كثيرا ما يتم التغاضي عن قدرتهم على مشاركة تجاربهم وخبراتهم.
قال كيت بينجهام، رئيس قسم الممارسة لمجلس إدارة شركة هيرديك آند ستراجلز في المملكة المتحدة: "هناك مليون إجابة غير واضحة لم يتم الاعتراف بها. إن الحاجة إلى أن يكون لديك وقت كاف لأداء جميع مهامك هو أمر معقول. لكن عندما تضع قوانين حولها، عندها يصبح الأمر صعبا. حيث يتطلب نقاشا أكثر تفصيلا. لكن لا يمكن للمستشارين بالوكالة الخوض في محادثة مهمة مع كل مدير، لذا فهم يتبعون نهجا نمطيا".
حتى المنتقدون للأشخاص الذين يجلسون على مقاعد في مجالس الإدارة يعتقدون أن الآلية الحالية ضيقة للغاية. تميل الحسابات إلى تقييم مناصب مجلس الإدارة في الشركات العمومية وليس المناصب في الشركات الخاصة أو الجمعيات الخيرية أو المؤسسات العامة.
لكن عالم الأعمال يحتاج إلى التعامل مع الإفراط في شغل عضوية مجالس الإدارة. لأسباب ليس أقلها زيادة عبء العمل وبسبب كثرة اجتماعات مجالس الإدارة. إن الجائحة والأزمة بين روسيا وأوكرانيا وأزمة الطاقة العالمية ليست سوى بعض العوامل التي تسهم في زعزعة استقرار الشركات. كما أن البيئة التنظيمية المشددة كانت تعني أيضا أن الدور الرقابي لمجلس الإدارة قد نما وأن الشركات بحاجة إلى دعم أكبر من مديريها في التعامل مع القضايا، مثل تكوين استجابة للشركة في المسائل السياسية.
قالت باتريشيا لينكوف، الخبيرة في التوظيف بمجالس الإدارة: "عندما تواجه الشركة أزمة، يمكن أن يتطلب ذلك مكالمات واجتماعات بصورة يومية".
في حين أن مناصب مجلس الإدارة يمكن أن تكون مربحة، إلا أن مخاطر السمعة قد زادت أيضا. حيث أدت سلسلة من الفضائح في الأعوام الأخيرة من "بوينج" إلى "ثيرانوس" إلى تسليط الضوء على أن ضعف أداء مجلس الإدارة يمكن أن يؤدي إلى كوارث للشركات. قال باتريك دون، الذي يقدم الاستشارات لمجالس الإدارة على مستوى العالم: "زادت التوقعات والمطالب الخاصة بهذا الدور حتى مع انخفاض التقدير الاجتماعي على الأرجح".
إذن، ماذا بعد؟ لا توجد حسابات سهلة حول الإفراط في تولي عضوية مجالس الإدارة. من الناحية المثالية، يجب أن يكون هناك نقاش أكثر دقة حول المناصب وليس فرض قيود صارمة. كما تعد مراعاة الحضور وقبول المناصب الجديدة في مجالس الإدارة الذي يتطلب مزيدا من العمل للمدير أمرا أساسيا أيضا.
أما بالنسبة لـ"تويتر"، فقد اقترح ديربان تقديم استقالته، لكن تم الإبقاء عليه رغم تصويت المساهمين. بعد ذلك بأشهر، قام إيلون ماسك بحل مجلس الإدارة بالكامل بعد أن تولى إدارة الشركة. لكن ديربان لن يجد نفسه بلا عمل. لا تزال صفحة ملفه الشخصي على موقع شركة سيلفر ليك تدرج توليه عشرة مناصب في مجالس إدارة خارج الشركة.