الإضرابات البريطانية .. خلافات صناعية تتطلب استراتيجيات خاصة لحلها
إذا كنت تعيش في بريطانيا، فمن المحتمل أن يكون أحد أعمالك الروتينية الجديدة في ليالي الأحد هو التحقق من موظفي القطاع العام الذين سيضربون في الأسبوع التالي. في يوم الثلاثاء، تذكر أن تتجنب القطارات، ويوم الأربعاء حاول ألا تمرض.
كان هناك كثير من الحديث بشأن من الذي "يفوز بالجدل" في هذه المواجهة بين الوزراء والنقابات العمالية. تريد الحكومة أن ينظر إليها على أنها حصن حازم لكنه عادل ضد مطالب الأجور غير المعقولة لأباطرة النقابات. تريد النقابات أن ينظر إليها على أنها مدافعة عن العمال الأساسيين مثل الممرضين الذين يستحقون زيادة في الأجور بعد أعوام من التقشف. لكن سيكون من المفيد التوقف عن التفكير في الأمر باعتباره حجة سياسية يجب الفوز فيها، والبدء بالتفكير فيها على أنها مجموعة من الخلافات الصناعية التي يتعين حلها.
لنضع جانبا للحظة مسألة من يستحق زيادة في الأجور. لدى الحكومة كثير من البيانات التي تشير إلى أن أدوارا وظيفية معينة تعاني مشكلات حادة في التوظيف والاستبقاء. هذه سوق العمل التي تصدر حكمها النزيه بأن الأجور والأحكام والشروط لهؤلاء العمال ليست كافية في السياق الاقتصادي الحالي. حتى لو اختفت الإضرابات، فستستمر هذه المشكلات حتى تتحسن الأجور أو الظروف بالنسبة إلى سوق العمل الأوسع.
توجد في المملكة المتحدة هيئات مراجعة الأجور التي تهدف إلى إجراء هذه الأنواع من التقييمات، لكن العملية بطيئة جدا بحيث لا يمكنها التعامل مع الأحداث سريعة الحركة. على سبيل المثال، استندت توصيات هيئة مراجعة الأجور التابعة للخدمة الصحية الوطنية في تموز (يوليو) إلى أدلة تم تقديمها في الفترة بين كانون الثاني (يناير) وآذار (مارس). لكن معدل التضخم أعلى وسوق العمل أضيق مما كان متوقعا، وفقا لجيما تيتلو من معهد الحكومة.
بدلا من رفض التفاوض بشأن الأجور هذا العام، يمكن للحكومة أن تتطلع إلى القطاع الخاص للحصول على أمثلة حول كيفية التحلي بقدر أكبر من المرونة. تتمثل إحدى الاستراتيجيات الشائعة في الشركات البريطانية في تقديم مدفوعات لمرة واحدة للموظفين إضافة إلى زيادة أجور موحدة أو بعدها. وفقا لبحوث بيانات الدخل، قام واحد من كل خمسة أصحاب عمل في المملكة المتحدة بهذا العام الماضي. على سبيل المثال، قدمت شركة رولز رويس مبلغا نقديا إجماليا قدره ألفا جنيه استرليني إلى 11 ألفا من موظفي المتاجر وثلاثة آلاف من صغار المديرين في الصيف الماضي. تقول كيت بيل، الأمينة العامة المساعدة لمؤتمر نقابات العمال، "إنه في حين إن النقابات لا تفضل من حيث المبدأ المبالغ المقطوعة على الزيادات الموحدة في الأجور، إلا أنها أظهرت استعدادا للتفكير بشكل خلاق فيما يحتاج إليه الأعضاء للمساعدة على تكاليف المعيشة الآن".
كما يمكن أن تساعد المبالغ المقطوعة لمرة واحدة على تخفيف مخاوف الحكومة بشأن تأجيج ارتفاع التضخم "على الرغم من أنني أعتقد أن الخطر بعيد، نظرا لأن نمو أجور القطاع العام يتخلف حتى الآن عن القطاع الخاص". في ألمانيا، حاولت الحكومة التنسيق بلطف مع أصحاب العمل والنقابات لتجنب خطر دوامة الأجور والأسعار. من ضمن هذه الجهود، منحت الحكومة أصحاب العمل خيار دفع مكافأة لمرة واحدة تصل إلى ثلاثة آلاف يورو سيتم إعفاؤها من ضريبة الدخل والمساهمات الاجتماعية.
يقول سيباستيان دوليان، أستاذ الاقتصاد في جامعة إتش تي دبليو للعلوم التطبيقية في برلين، "إن هذا ساعد النقابات على قبول زيادات منخفضة في الأجور الموحدة لأن أجور الموظفين التي يحصلون عليها ستحصل على دفعة جيدة". في تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي، وافق "آي جي ميتال"، أكبر اتحاد مؤثر في ألمانيا، على صفقة أجور أقل من مستوى التضخم بنسبة 5.2 في المائة في 2023 و3.3 في المائة في 2024، تكملها المكافأة المعفاة من الضرائب. وصفها الخبراء الاقتصاديون في ذلك الوقت بأنها صفقة "معتدلة" قللت من احتمالية حدوث دوامة الأسعار والأجور.
يقول دوليان "إن نهج ألمانيا الأكثر توافقية للعلاقات الصناعية قد لا يكون دائما أفضل عندما يتعلق الأمر بالابتكار، لكنه لا يزال يثبت أنه مفيد عندما يتعين عليك تحديد من عليه تحمل تكلفة أزمة أو صدمة". وأضاف أنه "قد لا يكون لدى المملكة المتحدة تاريخ ألمانيا أو إطارها المؤسسي، لكن لا يزال بإمكانها إيجاد حل أفضل".
"إذا كنت تساوم على بعد واحد فقط، فمن الواضح جدا من الذي يربح ومن يخسر، والاستسلام يأتي بتكاليف كثيرة. لكن إذا أضفت أبعادا إضافية، يمكنك التوصل إلى حزمة، حيث يمكن للجانبين الاستسلام دون فقدان ماء الوجه". هناك كثير من الأبعاد الأخرى التي يمكن للحكومة والنقابات إدخالها في مفاوضاتهم، بداية من التدريب إلى المعاشات التقاعدية، التي تظل أكثر سخاء بكثير مما هي عليه في القطاع الخاص، وربما يمكن تحويلها جزئيا إلى أجور أفضل.
الأسبوع الماضي، أعلنت حكومة المملكة المتحدة خططا لقانون جديد لضمان استمرار الحد الأدنى من الخدمة العامة أثناء الإضرابات. لكن لا يمكنك تشريع طريقك نحو علاقات عمل أفضل. أوضح بيانها الصحافي أن الحكومة "عليها واجب تجاه الجمهور لضمان سلامتهم، وحماية وصولهم إلى الخدمات العامة الحيوية، ومساعدتهم على ممارسة حياتهم اليومية". وأفضل طريقة لفعل ذلك هي أن تكون صاحب عمل ناضجا، والتفاوض لإيجاد حل.