الكفاءة الزائدة عن حدها تنقلب ضد الشركات

الكفاءة الزائدة عن حدها تنقلب ضد الشركات

هل حظيت بعطلة سعيدة؟ ربما لا، إذا كنت قد سافرت على متن طيران ساوث ويست. علق آلاف الركاب المسافرين على شركة الطيران الاقتصادي في المطارات لعشرة أيام بين 21 و31 كانون الأول (ديسمبر)، حيث كانت لها الأغلبية العظمى من الرحلات الجوية الملغاة خلال فترة السفر الأكثر ازدحاما في العام.
في حين ذكر الطقس القاسي وبرامج جدولة الطاقم القديمة على أنهما سبب الانهيار، فإن المشكلة تعكس مشكلة أكبر بكثير لطيران ساوث ويست خصوصا، وصناعة الطيران عموما، وحتى مشهد الأعمال الأمريكي كاملا. لقد استنزف نموذج "الكفاءة" لإدارة الشركات على مدى الأعوام الـ40 الماضية.
طيران ساوث ويست في وجه المدفع. اشتهرت الشركة بأنها إحدى أوائل شركات الطيران التي غيرت الصناعة في الولايات المتحدة، حيث توفر رحلات رخيصة ودون ميزات إضافية، وابتعدت عن الاعتماد على نموذج المطارات المركزية المحورية المعتاد. إذ إنها بدلا من الطيران عبر المطارات الرئيسة للوصول إلى المدن الصغيرة، مكنت المسافرين من التنقل مباشرة من مكان إلى آخر. لأعوام، تحت قيادة هيرب كيليهر الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك، كانت شركة الطيران بمنزلة علامة بارزة للابتكار، وإسعاد العملاء والعاملين على حد سواء.
لكن في 2004، عندما تسلم جاري كيلي دفة القيادة، لم تكن للموظفين -الذين سموا فيما بعد وحدات التكلفة- الأولوية في إدارة رأس المال. مول كيلي العمليات من خلال برنامج التحوط ضد ارتفاع أسعار الوقود، وركز انتباه الجميع على زيادة العائد على رأس المال المستثمر. لماذا تنفق الأموال على تحديث أنظمة التكنولوجيا، في حين بوسعك إجراء مزيد من عمليات إعادة شراء الأسهم بدلا من ذلك؟ تكافئ وول ستريت الشركات على تقليص عدد الأشخاص وتوزيع الأرباح على المستثمرين أكثر مما تفعل على النفقات الرأسمالية التي ربما لا تؤتي ثمارها بالكامل لأعوام.
لم تكن "ساوث ويست" وحدها في إعادة أكبر قدر ممكن من الأموال للمستثمرين بدلا من إنفاقها أكثر في العمل التجاري. في الواقع، عندما حصلت شركات الطيران على خطة إنقاذ بسبب فيروس كورونا بداية الجائحة، تمت مع حظر عمليات إعادة الشراء ومدفوعات الأرباح، إلى جانب حظر تسريح الموظفين. ازداد كلا الأمرين في العقود الأخيرة، حيث حاولت شركات الطيران فعل مزيد بموارد أقل، وتوظيف موظفين أرخص، وطرد العاملين الأكبر سنا ممن لديهم معاشات تقاعدية ضخمة.
حتى وسط حظر إعادة الشراء والفصل، واصلت "ساوث ويست" خطة التقاعد الطوعي -التي حفزت الموظفين ذوي الأجور الأعلى على المغادرة-، وسارعت إلى استئناف مدفوعات الأرباح، بمجرد رفع الحظر الفيدرالي عليها في أيلول (سبتمبر). كان هذا على الرغم من مطالبة نقابة الطيارين بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل. عقد الكابتن كيسي موراي، رئيس جمعية طياري "ساوث ويست"، لقاء على منصة "بودكاست" قبل أسابيع من كارثة العطلة، قائلا "أخشى أن بيننا وبين الانهيار الكامل عاصفة رعدية وحادث مراقبة حركة جوية وعطل في جهاز توجيه".
بوسعنا أن نقول الشيء نفسه عن أي عدد من الشركات الأمريكية التي عملت على مدى نصف القرن الماضي لتعزيز "الكفاءة" بدلا من المرونة. لنتأمل هنا صعود جاك ويلش وسقوطه، الرئيس التنفيذي السابق لشركة جنرال إلكتريك، الذي حول الشركة المصنعة إلى مؤسسة مالية أضخم من أن تفلس. أو انظر إلى خفض التكاليف الذي أدى إلى أزمات مثل تحطم طائرة بوينج 737 ماكس، ومعدات باسيفيك للغاز والكهرباء التي تسببت في حرائق الغابات في كاليفورنيا، واستدعاء سيارات جنرال موتورز لخلل في مفاتيح التشغيل. كل ذلك كان له صلة ما بأسلوب الإدارة الذي يركز على الميزانية العمومية، أن تتصف بالبخل واللؤم، وتخفض جميع التكاليف الزائدة، وتعامل البشر كمقاييس يجب تقليصها.
بالتأكيد، أدى هذا النوع من الإدارة إلى انخفاض الأسعار بعد إلغاء القيود التنظيمية على شركات الطيران في أواخر السبعينيات، وإلى تقديم منافسين جدد منخفضي التكلفة. لكنه زاد أيضا من التركز "أربع شركات طيران فقط تمتلك 80 في المائة من الأعمال الأمريكية"، وصدر وظائف الإصلاح إلى دول أقل تنظيما مثل السلفادور والمكسيك والصين، وأدى إلى انخفاض الرواتب وزيادة أعباء عمل موظفي شركات الطيران. هذا أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل رحلات الطيران هذه الأيام -خاصة في الولايات المتحدة- مضجرة.
ربما وصلت هيمنة الدوافع المالية لشركات الطيران عموما و"ساوث ويست" تحديدا إلى قمتها. من الصعب أن نتخيل أن الكفاءة تصل إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير عندما تكاد المقاعد تكون كبيرة بما يكفي لتسع أجسام البشر، والشركات تفرض رسوما على الوجبات الخفيفة وحتى المشروبات، وتبيع تذاكر أكثر مما لديها من طائرات جاهزة للخدمة "استراتيجية أخرى للهندسة المالية التي غالبا ما تأتي بنتائج عكسية" وتتعامل مع بنى تحتية تكنولوجية متدهورة.
أتوقع أن بيت بوتيجيج وزير النقل، الذي قال مسبقا "إنه سيبذل جهدا خارقا لتعويض المستهلكين عن الرحلات الملغاة، سيتعرض أيضا لمزيد من الضغوط للتحقيق في أشياء مثل القدرة التكنولوجية والتلاعب بالأسعار في هذا القطاع". لكن شركات الطيران ليست وحدها عندما يتعلق الأمر بالمبالغة في تطبيق نموذج الكفاءة. اضطر الرئيس جو بايدن إلى منع إضراب عمال السكك الحديدية في الولايات المتحدة الشهر الماضي بعد شكاوى من عدم وجود إجازة مرضية مدفوعة الأجر. كان هناك أيضا رد فعل عنيف ضد برامج الإنتاجية التي تتعقب كل حركة للعمال.
هناك بعض الأدلة المتناقلة التي تظهر أن رغبة العمال الأمريكيين في العودة إلى وظائفهم، بعد الجائحة، أقل من الأوروبيين، لأنهم يتوقون إلى توازن أفضل بين العمل والحياة. لقد سمعت هذا من عدد من الرؤساء التنفيذيين من مختلف الجنسيات. لا يسعني إلا أن أتساءل عما إذا كان بعض التردد يرجع إلى أساليب الإدارة التي تدفع الناس والعملاء والشركات إلى حافة الهاوية.

الأكثر قراءة