ابتهج .. توقعات 2023 الاقتصادية أفضل مما تظن
كانت استطلاعات الاقتصاديين في نهاية 2022 في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة قاتمة باستمرار، مليئة بتوقعات حدوث ركود وارتفاع في البطالة واستمرار مشكلات التضخم. تتحدث كريستالينا جورجييفا رئيسة صندوق النقد الدولي، عن 12 شهرا أصعب في المستقبل، وتتوقع أن يمر ثلث العالم بركود. إنها أمور محبطة. لحسن الحظ، على الأرجح أن هذه الأخبار خاطئة. علينا جميعا أن نبتهج قليلا.
تشير الأدلة إلى أن الأداء الاقتصادي لعام 2023 لن يكون سيئا كما يقول معظم الاقتصاديين. من المرجح أن ننهي هذا العام ونحن أكثر ثراء وأكثر أمانا وأكثر رضا مما كنا في بدايته.
لا شك أن الظروف العالمية لعام 2023 صعبة. صمدت الأسر والشركات أمام جائحة وتضخم وتكاليف طاقة قياسية وأزمة في أسعار الغذاء على مدى الأعوام الثلاثة الماضية. لكن أسوأ آثارها قد مرت بالفعل.
لذا جزء من تفاؤلي الأكبر يستند إلى خطأ مهم وعالمي تقريبا في نقل التوقعات الاقتصادية. في كثير من الأحيان، يتم عرض الأحداث الماضية على أنها لم تأت بعد.
مثلا، أشارت أحدث توقعات صندوق النقد الدولي من تشرين الأول (أكتوبر) إلى انخفاض النمو العالمي من 3.2 في المائة في 2022 إلى 2.7 في المائة في 2023. دعم ذلك تعليق جورجييفا بأن هذا العام سيكون "أصعب من العام الذي نتركه وراءنا". المشكلة هي أن المعلومات التي ينقلها متوسط معدلات النمو السنوية هذه لا تتوافق مع التفسير المنطقي لمعظم الناس.
ربما يفاجئك أنه في حالة الصندوق، فإن قراءة توقعات 2022 القوية نسبيا ناتجة عن النمو السريع في نهاية الإغلاق في أواخر 2021، والضعف المتوقع في 2023 يرجع أساسا إلى أزمة الطاقة العام السابق.
بترجمتها إلى نشاط اقتصادي يقتصر حدوثه خلال العام المعني -بما يتماشى مع توقعات معظم الناس لتنبؤ اقتصادي- تتغير القصة تماما. على عكس العام الجديد "الأصعب" أمامنا، يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العالمي 2.7 في المائة خلال 2023، أي أكثر بكثير من نمو 1.7 في المائة الذي يعتقد أنه حدث خلال 2022.
إن صندوق النقد الدولي ليس وحده الذي يقدم توقعات نمو رئيسة، يجد مسؤولوه صعوبة في إيضاحها. قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تشرين الثاني (نوفمبر)، إن النمو في الاقتصادات المتقدمة سيتراجع في 2023، لكن التوقعات ربع السنوية الصادرة عن المنشور نفسه تظهر أنها تتوقع نمو الاقتصادات المتقدمة في كل ربع من هذا العام. سيرى معظم الناس ذلك على أنه تقدم وليس تراجعا.
هذا القصور في ترجمة التوقعات العددية إلى سرد مقنع ودقيق يجب أن يسترعي انتباهنا. فهو يخلف توقعات قاتمة دون داع، لها خصائص توحي بأنها موكلة بالمنطق. توحي بأنها ستتحقق من تلقاء نفسها.
إن إدراك هذه المشكلات في عرض التوقعات يجب أن يسعدنا أكثر بشأن 2023. لكن قلة من قراء "فاينانشيال تايمز" سيغفلون عن ملاحظة مشكلة ثانية في هذه التوقعات، أنها قديمة جدا. أي تقدير للعام الجديد يجب أن يراعي أيضا تغييرين مهمين في الافتراضات التي تستند إيها التوقعات العالمية.
الأول في أسعار الغاز الطبيعي. جميع توقعات صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كانت في الخريف، وتستند إلى توقعات السوق المالية لأسعار الغاز الطبيعي المستقبلية آنذاك. مثلا، توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يبلغ متوسط أسعار الغاز الأوروبية بالجملة 150 يورو لكل ميجاواط/ ساعة خلال هذا العام والعام المقبل.
توقعات السوق الحالية هي أن تصل الأسعار نحو نصف ذلك المستوى. يعد تخفيف أزمة الطاقة بمنزلة دفعة قوية للتوقعات الاقتصادية الأوروبية. سيؤدي انخفاض أسعار الطاقة إلى تحسين توقعات الدخل والنمو والوضع المالي العام مع خفض التضخم الكلي. هذه أمور ذات أهمية حاسمة لأوروبا، التي تعد مستوردا كبيرا للطاقة.
التغيير الثاني في الافتراضات الذي يجب أخذه في الحسبان هو إنهاء الصين سياسة "صفر كوفيد". يسبب الفيروس معاناة لكثيرين، لكن من المرجح أن يكون إلغاء القيود التنظيمية إيجابيا لكل من الآفاق الاقتصادية الصينية والعالمية في وقت لاحق من هذا العام.
أدت موجة متحور دلتا المدمرة في الهند في ربيع 2021 إلى انخفاض أكثر من 8 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من ذلك العام، تلاه ارتفاع مماثل في الربع الثالث وزيادة 5 في المائة أخرى في الربع الرابع. بعد الموجة الحالية من العدوى، يجب أن يكون انتعاش الاقتصاد الصيني أقوى، لأن إنهاء عمليات الإغلاق الإلزامي سيخفف من ضغوط سلسلة التوريد. وستتحسن عوائق التجارة العالمية.
بطبيعة الحال، لا ينبغي لنا أن ننجرف في موجة من التفاؤل. حتى مع انخفاض التضخم، يمكن أن تطول المعارك بين العمال والشركات ودافعي الضرائب بشأن الخسائر المتراكمة الناجمة عن الأزمات الاقتصادية في الأعوام الأخيرة. مثلما حذر أوليفييه بلانشارد، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، فإن هذه العوامل قد تبقي ارتفاع الأسعار عاليا للغاية لفترة طويلة جدا. بالمثل، فإن حالة عدم اليقين الهائلة بشأن شدة هذه الصراعات ربما تجعل البنوك المركزية تبالغ في السيطرة على التضخم وتقوض التقدم الاقتصادي. لذلك من المحتمل جدا حدوث أخطاء في سياسة الاقتصاد الكلي في 2023.
لكن عدم اليقين من هذا النوع يعد حقيقة مستمرة في الحياة. مع بداية العام، يمكننا أن نقول ما يلي ببعض الثقة. تشير جميع التوقعات الحالية تقريبا إلى أن النمو في الاقتصاد العالمي من المرجح أن يتحسن في 2023، وأن التوقعات المستقبلية ستصبح أكثر تفاؤلا. وخلافا للتعليقات الكئيبة من خبراء الاقتصاد والمسؤولين، علينا أن نكون متفائلين بحذر بشأن العام الجديد.