رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


بين عزوف الشباب عن الوظائف وعزوفنا عن فهم مطالبهم

اطلعت منذ أن تبنى الإعلام نشر عرض وزارتي الخدمة المدنية ووزارة العمل للوظائف الشاغرة، ثم ردة فعل وزارة العمل على ردود أفعال الشباب على ذلك العرض السخي. لقد آزر هذه العروض التنموية فعلا بعض الوسائل الإعلامية وبعض الكتاب، ولكن باستنكار عزوف مجموعة من الشباب عنها أو تجاهلها في محاولة لإخراج الموضوع للسطح. في الحقيقة أمر مؤثر فعلا أن نمارس نحن الآباء هذا الأسلوب وبيننا العلماء وأصحاب الرأي والفكر وبدلا من سماع أن هناك دراسة للواقع تحفظ لنا مسار تنميتنا للأفضل نشترك جميعا في تمحور الإشكال حول رفض الشباب للوظائف أو عزوفهم أو غير ذلك. نحن الآن في حالة تستدعي منا إعادة النظر في المشكلة لأنها ليست وليدة لحظة فلابد أن نهتم بـ «التاريخ» الذي سيوفر معلومات مفيدة جدا, كما أن المشكلة لا تقوم على عامل أو اثنين، خصوصا وأن كلنا آباء ونفهم جميعا أننا لو اتفقنا على خطة عمل سنعرف ماذا يريد الشباب منا. شخصيا أرى أننا بهذا العرض السخي نحاول فعل شيء حسنٍ وتنموي إن شاء الله، إلا أن اتصالنا وتواصلنا مع أبنائنا في مثل هذه الظروف يحتاج إلى الشفافية كأول الحلول إذا ما فكرنا بالقيام بدراسة تهدف إلى إيضاح الحجم الحقيقي للمشكلة وتحديد أولويات العوامل وفهم آلية توظيف الجيل الجديد والاستفادة من طاقاتهم في مسيرتنا التنموية.
من ناحية اجتماعية، يمكن أن تتضمن الدراسة التساؤلات التالية: هل هناك جرح يعانيه الشاب اجتماعيا أو اقتصاديا له جذور ولم يعالج قبل عرض الوظيفة؟ هل نستطيع تغيير مفهوم الشباب الذين تقدموا للوظائف من بيوتهم الواسعة وهم يقودون سياراتهم الخاصة فنطالبهم بضرورة المحافظة على هذه النعمة؟ هل يبحثون عن اعتراف منا بأنهم أصبحوا بالغين ولهم رأي فيما يريدون أن يقوموا به؟ هل العادات والتقاليد تجعل الأب أو الزوج أو الأخ أو الابن يقتنع أو يسمح للابنة أو الزوجة أو الأخت أو الأم أن تعمل في مكان كالمستشفى أو المركز الصحي أو استقبال الفنادق أو استعلامات دليل الهاتف أو غيرها مع أن ما يدور بيننا ما هي إلا مخاوف ضُخمت بطريقة تغلب السلبية على الإيجابية؟ ثم من ناحية اقتصادية: هل عودنا أبناءنا على كيفية تقدير أي كم مالي دخلا أو هبة أو جائزة ومن ثم الاستفادة منه لتحسين أوضاعهم المعيشية ومستقبلهم الذي يرونه «غامضا»... إلخ؟ هل المرتبات تغطي تكاليف متطلبات الشاب الذي يريد أن يتزوج بعد ثلاث أو حتى خمس سنوات من تسلمه العمل، ويريد أن يستقر في شقته أو منزله؟ أما من ناحية إدارية وتنظيمية فهل ركزنا قبل الإعلان عن الوظائف المتوافرة بالعدد أم بالتخصصية والكيفية والنوعية للإنتاج والمنتج والفائدة التي سنجنيها من وسيلة للتوظيف كهذه؟ هل يمكن أن تقود الإحصائيات إلى قناعة جميع الأطراف بحجم المسؤولية الملقاة على كل منهم؟ هل المواصلات المتوافرة لا تحمل الموظف عبئا قاهرا مثل محدودية المخصص أو المميزات أو بعد موقع العمل؟ هل يمكن أن نحقق الضمان والأمان الوظيفي بالمميزات المصاحبة لهذه العروض؟ كيف يمكن أن تكون الجهات الحكومية الرقابية في كل مؤسسة ومع كل مسؤول فيها قبل وخلال التوظيف وبعد خروج أو فصل أي موظف خصوصا من ناحية آلية أو إلكترونية؟ هل وعينا الفرق بين طريقة التفكير ونحن نستخدم القلم الرصاص والورقة والمراسل التقليدي وضرورة انتقالنا للوحة المفاتيح والحاسب والتفكير الآلي التي يتمتع بها شباب اليوم؟ هل التدريب الذي نسمع ونقرأ عنه متوافق ونوعية الموظف المطلوب لكل وظيفة حسب مهامها؟ قد تكون هذه الأسئلة ملائمة لواقع الشباب في المدن الكبيرة مثل الرياض وجدة والدمام، ولكن هل تمثل نفس واقعهم في مدن مثل جازان أو حائل أو نجران أو غيرها؟ هذا الموضوع لا شك أنه يشغل حيزا كبيرا من وقت الجمعيات العلمية المتخصصة اقتصادية كانت أم اجتماعية وكذلك مراكز الدراسات والبحوث والوزارات مثل وزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية ووزارة الشؤون الاجتماعية والرئاسة العامة لرعاية الشباب ووزارة الاقتصاد والتخطيط، لأنه تحد كبير إذا ما استقر الرأي على فهم هذا اللغز العجيب وتحديد أولويات الحلول والبدء بتنفيذها فعلا. ولكن نحن سنطمئن إذا ما أعدت وأنجزت هذه الدراسة المتعمقة في ماهية وحجم هذه المشكلة متشعبة الأطراف. ولأننا لا نريد أن نكون نظريين، فلابد أن ننتشر ونتوسع في تقصي كثير من الظواهر أو المفاهيم التي تم اكتسابها عبر العقود الماضية ومحاولة الاستفادة من الأخطاء والاستمرار في دعم الصواب والتمشي به مع تطويره دائما. أتمنى ألا نقلل من قيمة العوامل المسببة لهذا الإشكال لأننا دخلنا مرحلة انتقالية منذ ثماني سنوات تقريبا ولا يمكن أن نتوقع التصحيح إذا لم يكن هناك توجه حقيقي للتغيير للأفضل - بإذن الله - هذه الدراسة لا بد أن تجيب عن تساؤلات عديدة جدا إذا ما حرصنا على أدائها بمنهجية علمية مع التوسع في تحليل النصوص لجميع اللوائح والأنظمة المتعلقة بالتوظيف في القطاعين العام والخاص على حد سواء إضافة إلى تكثيف المقابلات مع المسؤولين في كثير من المواقع، والله المعين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي