المجموعة السويسرية أيه بي بي .. نحو التغيير الجذري
تولى بيورن روزينجرين زمام الأمور في شركة أيه بي بي في آذار (مارس) 2020 بتفويض لإحداث تغيير جذري في المجموعة الصناعية السويسرية بعد أعوام من ضعف أدائها.
تشكل الأحداث -كالجائحة العالمية، وإغلاق الإنتاج في الأسواق الرئيسة والركود الاقتصادي- تحديا إضافيا، لكنها لم تستطع إبطاءه.
بعد ثلاثة أعوام تقريبا، قام السويدي البالغ من العمر 63 عاما بتفكيك هيكل شركة أيه بي بي شديد المركزية، وانفصل عن معظم الشركات غير الأساسية، إن لم يكن عنها كلها. تمت تجزئة الأقسام الاستراتيجية الأربعة لشركة أيه بي بي –وهي قسم التزويد بالكهرباء والحركة وأتمتة العمليات والروبوتات- إلى 20 شركة مستقلة.
أثناء ذلك، تم تقليص عدد موظفي المكتب الرئيس لشركة أيه بي بي من 18 ألفا إلى 800 شخص فقط، حيث ذهب نحو سبعة آلاف من العدد الأصلي البالغ 18 ألفا للعمل مباشرة في وحدات الشركات المختلفة. توظف الشركة نحو 100 ألف شخص موزعين في أكثر من 100 بلد.
إن المبدأ الذي يسترشد به روزينجرين هو المسؤولية، فبعد أن أمضى مهنته في تحسين أداء الشركات الصناعية الأخرى، بما في ذلك الشركة السويدية الهندسية ساندفيك، قبل تعيينه في "أيه بي بي"، قال روزينجرين: "الناس يحبون المسؤولية".
قال إن المسؤولية أمر أساسي، معتبرا إياها أحد العوامل الكامنة وراء نجاح مجموعات الأسهم الخاصة. ويتم تحفيز الأشخاص في تلك المجموعات، ما يعني أنهم إذا حققوا نجاحا للشركة، فسيكون مستقبلهم مشرقا، على الأقل من الناحية المالية. واليوم، تحفز "أيه بي بي" الناس على نحو مشابه وتقدم المسؤولية الكاملة.
كل واحدة من الشركات المختلفة لديها فريق إداري خاص بها وهو مسؤول عن التكاليف الخاصة بها. ولكل منها أيضا تفويض استراتيجي خاص، وضمن ذلك، يجب أن تحقق الاستقرار أولا، ثم الربحية ثم النمو.
تتم مراقبة الأداء عن كثب، من خلال نظام بطاقة الأداء الذي يحتوي على 15 مؤشرا رئيسا، وقال روزنجرين إن المقارنات بين الأداء الحالي والسابق مهمة لقياس اتجاه كل شركة وما إذا كان وضعها سليما.
وهو لا يقدم الاعتذار في حال كان النهج يوجب التخلص من الشركات ذات الأداء الضعيف أو الانفصال عن تراثها.
كما أضاف: "يحب الناس العمل في الشركات الناجحة، أعتقد أن هذا أهم من التراث".
أصر على أن نهجه بدأ يؤتي ثماره، فعندما بدأ عمله، كانت نسبة الشركات في "مرحلة النمو" الثالثة 30 في المائة فقط. واليوم، 70 في المائة منها في نمو مستمر.
على الرغم من تركيزه على اللامركزية، يقول روزنجرين إن هناك أسبابا تدعو لإبقاء الوحدات معا كمجموعة واحدة داخل "أيه بي بي": جميعها لديها الغرض نفسه، والذي يعرفه على أنه التمكين من أجل "مستقبل مستدام وفعال في استخدام الطاقة مع ريادة في التكنولوجيا في توليد الكهرباء والأتمتة".
هناك أيضا تعاون بين الشركات –ولكن فقط إذا كان ذلك منطقيا، إما من خلال إضافة قيمة للعملاء أو من خلال زيادة فعالية التكلفة.
قال أندرو ويلسون، محلل الأسهم في "جيه بي مورجان"، الذي يتمتع بتصنيف "محايد" على أسهم الشركة، إن روزنجرين يستحق التقدير لأنه حقق "تحسنا ملموسا في طريقة إدارة أيه بي بي".
"لقد استهان الناس بقدرته على تكرار الاستراتيجية نفسها التي استخدمها في شركة ساندفيك مع "أيه بي بي"، لأنها كيان أكبر وأكثر تعقيدا حاول الآخرون فيها من قبل لكنهم فشلوا".
إن الميزانية العمومية لشركة أيه بي بي في حال أفضل، ولكن لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به، بما في ذلك التخلص من وحدة تحويل الطاقة التي تملكها الشركة، والتي تم الاستحواذ عليها كجزء من صفقة بقيمة 2.6 مليار دولار من قبل شركة الحلول الصناعية التابعة لشركة جنرال إلكتريك في 2018 والتي تساعد الشركات على تشغيل البنية التحتية بشكل أكثر كفاءة، إن عملية البيع جارية حاليا.
كانت الخطة الأصلية لتعويم أعمالها في شحن السيارات الكهربائية قد تم تأجيلها الصيف الماضي بسبب الهبوط الشامل الذي شهدته السوق، كما جمعت "أيه بي بي" في تشرين الثاني (نوفمبر) نحو 200 مليون فرنك من بيع حصة تبلغ 8 في المائة. وأعطى الطرح الخاص للأوراق المالية غير المسجلة قيمة حقوق ملكية تقدر بين 2.4 مليار و2.5 مليار فرنك سويسري، مع توقعات المستثمرين لزيادة في الطلب على نقاط الشحن.
كما بدأ أداء شركة أيه بي بي المالي في التحسن، على الرغم من أن دخل الربع الثالث، الذي تم الإعلان عنه في تشرين الأول (أكتوبر)، قد تضرر بسبب بند غير تشغيلي، فيما يتعلق بمشروع قديم في جنوب إفريقيا.
فيما يقول المستثمرون إن الهدف الرئيس هذا العام هو تحقيق هامش 15 في المائة على الأقل على الأرباح التشغيلية قبل الفائدة والضريبة واستهلاك الدين - وذلك استباقا للخطة بعام واحد.
يشير روزنغرين أيضا إلى وجود طلب قوي، حيث زاد بنسبة 4 في المائة على أساس التقارير و16 في المائة على أساس مقارن من العام الماضي إلى 8.19 مليار دولار في الربع الثالث.
"أعتقد أن أهم شيء هو أننا يجب أن نحافظ على 15 في المائة على مدار دورة الشركة، وذلك يعني أننا يجب أن نكون قادرين أيضا على تحقيق أكثر من 15 في المائة في فترة الانكماش الاقتصادي"، كما قال روزنجرين، مشددا على أن الظروف تبدو أكثر تحديا في العام المقبل.
قالت شركة سيفيان كابيتال، التي اشترت الأسهم في 2015 وكانت تسعى إلى استراتيجية جديدة، إنها سعيدة بالنتائج حتى الآن.
قال روبرت شوشنا، الشريك في شركة سيفيان، إن روزنجرين نجح في "تفكيك تكتلات" شركة أيه بي بي في أسلوب تنظيمها وتشغيلها. وكانت النتيجة شركة "أكثر ديناميكية وتنافسية وربحية". أضاف: "يعد الهامش البالغ 15 في المائة تحسنا كبيرا، ولكن من وجهة نظرنا يمكن للشركة أن تصبح وستصبح أكثر ربحية".
أما على صعيد النمو، فقد حددت "أيه بي بي" هدف نمو الإيرادات بنسبة 4 إلى 7 في المائة بالعملة الثابتة خلال الدورة الاقتصادية، حيث قال ويلسون من جيه بي مورجان: "الجزء الذي لا تزال تنظر فيه هيئة المحلفين هو، هل يمكنك مطابقة معدلات نمو النظراء على المدى الطويل بشكل مستدام".
سيتحقق جزء من نمو الشركة من خلال عمليات الاستحواذ، ولا سيما على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم لمساعدة الأقسام على تعزيز مراكزها في السوق. وقال روزنجرين إن لدى "أيه بي بي" "سلسلة ضخمة" من هذه الصفقات ويتوقع منها أن تنفذ خمسا إلى عشر صفقات في العام.
قال ويليام ماكي، رئيس أبحاث السلع الرأسمالية في شركة كيبلر شوفرو، إن 2022 كان "العام الذي قامت فيه الشركة بجميع أعمال التدبير في الداخل، بما في ذلك اللامركزية وتنظيف العقود القديمة وبيع كل شيء باستثناء شركة تحويل الطاقة".
أضاف أن العام المقبل سيكون "مخصصا لدفع عجلة النمو".
بالنسبة إلى روزنجرين، يعد أحد التحديات الرئيسة التي تلوح في الأفق، هو التوتر السياسي المتزايد في أجزاء مختلفة من العالم. فحتى تنجح استراتيجية "أيه بي بي" في أن تكون محلية في معظم البلدان التي تعمل فيها، ينبغي أن توفر بعض الحماية.
كما أنه قلق بشأن الجهود التنظيمية المتزايدة المرتبطة بدفع أوروبا نحو اقتصاد أكثر خضرة، والتي تتناقض بشكل حاد مع استراتيجية أمريكا في تقديم حوافز للشركات للاستثمار.
كما يدرك السياسيون في أوروبا الحاجة إلى التحرك، لكن السؤال هو: هل ستتفق الدول الأعضاء المختلفة على شيء.
قال روزنجرين: "أنا أوروبي وأود أن أرى أوروبا مزدهرة في المستقبل".