رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لا أعمل ولن أترك غيري يعمل

قبل الثورة الصناعية في القرن الماضي كان التطور والتغير في المجالات والعلوم كافة بطيئا جدا لدرجة أننا لن نجد فرقا كبيرا بين الجيل والذي قبله في المعارف والمفاهيم والقيم ما يخلق تجانسا كبيرا بين الأجيال, فلا يشعر الجيل الجديد بأن الجيل القديم يقف عائقا أمام تطبيق معارفه ومفاهيمه من أجل حياة أفضل, فالفجوة بين الجيلين ضئيلة جدا.
ومنذ الثورة الصناعية حتى الآن والعالم يشهد تطورات وتغيرات متسارعة في المجالات والعلوم كافة يمثلها أحد الأصدقاء بطائرة لا تزال في صعود متسارع منذ أن أقلعت من المطار ولم تستو على سرعة أو ارتفاع معين. ولا شك أنه تسارع مفيد من جهة تسهيل الحياة وتحقيق سبل العيش الكريم إلا أنه متعب جدا من جهة اتساع الفجوة بين كل جيل والذي يليه ما يجعله يقف عائقا أمامه برفضه التغير الناشئ عن التطورات المتسارعة رغبة منه في التقاط أنفاسه وخوفا منه على موقعه ومكانته التي تهزها التغيرات المتسارعة التي لم تعد لديه الرغبة أو القدرة على متابعتها.
يقول لي أحد الأصدقاء في الـ 50 من العمر إنه يشعر بفجوة كبيرة بينه وبين أبنائه الكبار, وإن الفجوة مع أبنائه الصغار أكبر, إذ يسمع أسماء ومصطلحات لا يستوعبها, وأجهزة متعددة المهام لا يستطيع التعامل معها, فهي تصور وتسجل وتحفظ وتستقبل وترسل وتمنتج وتعرض, كما أنها تشتمل على برامج لا يستطيع فك طلاسمها, فمن الويندوز إلى الإكس بي إلى الفيستا، أما الهواتف المحمولة والكمبيوترات فما أن يشتري لأبنائه نوعا حتى قالوا له بعد أشهر قليلة نريد الأحدث لأنه تقادم وأصبح لا يتناسب مع ما لدى أصحابنا والبرامج والخدمات الجديدة، ويضيف صديقي هذا أنه كثيرا ما يكون عائقا أمام أبنائه بسبب جهله كل هذا وبسبب خوفه من سلبيات الجديد التي لا يعرفها، وباختصار يقول أصبحت أشعر بأنني لا أريد أن أتطور ولا أسمح لغيري بأن يتطور.
مدرس يقول لي إن طالبا اقترح حل الواجب في المنزل وإرساله له بالإيميل بدلا من الكتابة اليدوية فنهره ووبخه وادعى أنه يريد الغش والتسيب قائلا له كيف لي أن أعرف أنك من حل الواجب دون أن أرى خط يدك الذي أعرفه، موضحا لي أن السبب الحقيقي وراء ذلك أنه من الجيل القديم الذي لا يعرف استخدام الإيميل وفتحه ومتابعته ما جعله يقف عائقا أمام هذه التقنية المتقدمة التي لاشك أنها ستكون أكثر فاعليه في التعليم لو كان يعرف كيف يستخدمها وكيف يسيطر عليها.
في بلادنا نحن أمام جيل شبابي تتجاوز نسبته 60 في المائة من السكان يستخدم التقنية بشكل كبير مقابل جيل قديم يراوح في استخدامها بين الجيد والمتوسط والضعيف جدا. وإذا علمنا أن متوسط أعمار الجيل القيادي يتجاوز 50 عاما ويصنف في فئة الضعيف بكل تأكيد من ناحية قدرته على فهم المتغيرات واستخدام التقنية لأدركنا أننا أمام مشكلة كبيرة على اعتبار أن هذا الجيل الأكثر بعدا عن استخدام التقنية والأكثر قناعة بما ترسخ لديه من قيم ومفاهيم ومعارف في السالف من العقود التي لم تعد صالحة لهذا الزمان ما يجعله جيلا عائقا بكل ما تحمله الكلمة من معنى أمام الجيل الحديث المواكب للتطور في المجالات والعلوم كافة.
من لا يستطيع التغير سيقاوم التغيير ما يجعله لا يعمل ولا يترك غيره يعمل لأنه يدرك أن التغيير يعني تغييره هو أولا، وبحسب ظني أن برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية يعاني أشد المعاناة من الرعيل الأول الذي اعتاد العمل اليدوي البطيء ومقابلة المراجعين والتمعن في وجوههم وإنجاز معاملة من يريد ورد من لا يريد, إضافة إلى صعوبة إدراكهم أهمية هذا البرنامج في رفع الإنتاجية والكفاءة بما يمكنه من تقديم خدمات أفضل بالاستناد إلى معلومات دقيقة وسريعة.
لدينا طاقات شابة تسلحت بالعلم والمعرفة والتقنية تتمتع بعقلية ابتكارية نشطة ومرنة تريد أن تعمل لتنجز وتنهض بالبلاد, لكنها ومع الأسف الشديد, طاقات معطلة وكأنها سيارات سباق سريعة تسير خلف شاحنة محملة متهالكة المحرك تعوقها عن الانطلاق بما لديها من قوة وحيوية ونشاط، نعم هذا هو الوضع القائم حاليا, هناك من لا يعمل ولن يسمح لغيره بأن يعمل لأن غيره يريد أن يعمل بطريقة مختلفة بما لديه من معارف ومفاهيم وقيم ومهارات تتناسب والمعطيات الحالية، فكيف لنا أن نعالج هذه المعضلة التي باتت تشكل عائقا أمام التنمية المستهدفة؟
الشيك الذهبي الذي استخدمته بعض المؤسسات الحكومية التي تم تخصيصها أو هي في طور التخصيص حل رائع ولكنه ليس كافيا, فليس كل الأجهزة الحكومية والمؤسسات الخاصة لديها القدرة على تحمل تكاليف الشيك الذهبي، وبالتالي فإن الحل يجب أن يكون في مسارين حسب رأيي المتواضع، الأول في إعادة هيكلة الموارد البشرية في الأجهزة الحكومية على أسس علميه تشتمل على عدة معايير علمية ليست الأقدمية والمنطقة والعائلة منها بحيث ندفع بالطاقات القادرة والراغبة في التغيير إلى الصفوف الأمامية لتقود المسيرة, إذ لم تعد الأقدمية تعني الأفضلية بحال من الأحوال، والثاني أن يتم تأهيل الكوادر البشرية التي ترفض التغيير من خلال برامج تأهيلية مكثقة ومن يستجيب يواصل ومن لا يستجب يغادر إلى التقاعد المبكر ليريح ويستريح ويفتح الطريق للطاقات الشابة المؤهلة لأن تنهض بالبلاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي