مكاتب الزومبي .. وباء جديد يتفشى مع أهداف الكربون الصفرية
عندما عينت شركة إف دبليو وولوورث ريتشارد سيفرت لتصميم مقرها الجديد في لندن، كان كل من شركة البيع بالتجزئة والمهندس المعماري في طريقهما إلى التفوق. حيث افتتحت شركة وولوورث متجرها الألف في المملكة المتحدة بعد فترة وجيزة من بدء تشييد مبنى مارليبون 1957. وقام سيفرت بتصميم سنتر بوينت، واحدة من ناطحات السحاب الأولى في لندن.
منذ ذلك الحين، تراجعت شركة وولورث، ضحية ظهور التسوق عبر الإنترنت والأزمة المالية، اللتين مجتمعتان حرمتا الشوارع التجارية البريطانية من بعض أشهر علاماتها التجارية. يخضع مبنى مارليبون الذي صممه سيفرت لعملية تجديد واسعة النطاق على أيدي شركة التطوير جنرال بروجيكتس وشركة الاستثمار هندرسون بارك. يأمل الملاك الجدد في منع المبنى من الزوال، مثل شاغله السابق.
يتكرر التحدي في وسط لندن في برلين، ونيويورك، وإدنبرة وفي كل مكان بينها. إذ تمثل المباني 39 في المائة من انبعاثات الكربون العالمية المرتبطة بالطاقة، وفقا للمجلس العالمي للأبنية الخضراء، مجموعة صناعية. نحو ثلاثة أرباع ذلك يأتي من تشغيلها، وما تبقى من عملية البناء.
لكن انطلاق اللوائح التنظيمية البيئية الجديدة لمعالجة المشكلة يأتي في أسوأ وقت ممكن بالنسبة إلى صناعة ما زالت تعاني تأثير الجائحة. كانت الشركات مضطرة أصلا إلى التفكير في التخلي عن المساحة التي جعلها العمل من المنزل فائضة عن المتطلبات، والآن سيتم تطبيق القواعد الجديدة تدريجيا مع دخول الاقتصادات في ركود.
يقول محللو الأسواق إن ذلك سيعرض فدادين من المساحات المكتبية بقيمة مئات المليارات حول العالم لخطر كونها زائدة على الحاجة.
وفقا لوكالة العقارات سافيلس، فإن ثلاثة أرباع سوق المكاتب في المملكة المتحدة تقع دون الحد الأدنى من معايير كفاءة الطاقة التي من المقرر أن يعمل بها في 2030. ويواجه ثلث سوق المكاتب الإيطالية وربع سوق المكاتب الإيرلندية المشكلة نفسها.
في نيويورك، يقدر باحثون في جامعتي كولومبيا ونيويورك أن 500 مليار دولار من قيمة المكتب يمكن أن تدمر بحلول 2029 مع انخفاض الطلب ودخول المعايير الخضراء.
تقدر شركة سافيلس تكلفة رفع مستوى مبنى من المعايير الحالية إلى متطلبات 2030 بنحو 40 جنيها إسترلينيا للقدم المربع، إضافة إلى تكاليف التجديد العادية. قد يتمكن أصحاب العقارات البارزون في ويست أند أو حي المال في لندن، الذين يتقاضون ما يصل إلى 100 جنيه إسترليني للقدم المربع، من استيعاب التكلفة. لكن بالنسبة إلى مالكي المباني في المدن الصغيرة، فإن زيادة أجرتها بحدود 20 جنيها إسترلينيا للقدم المربع، يعني أنه من المستحيل تحمل هذه التكلفة.
يقول جاكوب لوفتوس، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة جنرال بروجيكتس، المختصة في أعمال التجديد الخضراء: "ستكون هناك أطنان من الأصول العالقة، لنكن صادقين. حتى بالنسبة إلى أولئك المالكين الذين يرغبون في تحسين مبانيهم، فإن هناك عددا كبيرا من المباني حيث سيصبح الأمر غير منطقي".
على مدى الأعوام القليلة الماضية، أكد الملاك أن تحقيق أهداف تغير المناخ هو أكبر همومهم – قناعة لم تتأثر حتى مع تفشي الجائحة، واندلاع الحرب في أوروبا وتدهور الاقتصاد العالمي.
بمجرد تحويل ذلك من قبل الملاك الأخلاقيين أو المهتمين بالصورة باعتباره الأمر "الصحيح" الذي يجب القيام به، يصبح تطوير المباني القديمة هو الخيار الوحيد بشكل متزايد، من الناحية القانونية والتجارية على حد سواء. السؤال هو: هل يمكنهم فعل ما يكفي لمنع تفشي وباء مكاتب الزومبي؟
الكربون يأتي في المقدمة
من الصعب إنشاء مبنى أخضر، حتى بالنسبة إلى شركات التطوير التي تبدأ من الصفر وتستخدم التقنيات والمواد الحديثة.
في كوبنهاجن، تقوم شركة الاستثمار والتطوير نورديك ريل إستيت بارتنرز بإنشاء حي جديد يهدف إلى وضع معيار للأداء البيئي. في واحد من أكثر التعهدات طموحا عبر القطاع، التزمت الشركة بتحقيق صافي صفر بحلول 2028، دون الاستفادة من تعويضات الكربون التي تظهر في خطط كثير من الشركات الأخرى.
في مكتب حديث يطل على ميناء المدينة نورث هاربور، تقر إليزابيث فريدريكسن، رئيسة قسم الاستدامة في شركة إن آر إي بي، بأن هذه الطموحات العالية تأتي بثمن: "تكمن التكلفة في فهم التعقيد. إننا ننفق مزيدا في مرحلة التصميم لإتمامه بالشكل الصحيح (...) نحتاج حقا إلى أن نشمر عن سواعدنا ونفعل ذلك بأنفسنا".
في مشروع تطوير شركة إن آر إي بي الجديد في أوريستاد، يتولى مورتن إرفورت هانسن، مدير المشروع في شركة المقاولات سي جي جنسن، مسؤولية تسليم يو إن 17، مبنى معقد من الناحية التكنولوجية يهدف إلى تحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة الـ17 للأمم المتحدة.
يشير إرفورت هانسن وهو يقف على مشارف الحي الجديد، المحاط بمساحة خضراء شاسعة، إلى موقع البناء الذي سيظهر فيه مبنى يو إن 17 ويتحسر على تحديات بناء مبنى رائد صافي الصفر: "يمكنك القول "إنها حالة عمل جيدة جداً، إذ إنها تتوافق مع كثير من الأمور المشروطة للاستدامة، لكن من الصعب جدا تنفيذها في الحياة الواقعية".
فريدريكسن واضحة في أنه يجب اتخاذ الإجراءات حالا، مهما كانت معقدة. تقول: "إن هدف "صافي الصفر" لـ 2050 يعطينا على الأرجح 20 عاما من عدم القيام بأي شيء، ثم خمسة أعوام أخرى من التفكير" كما أنها تنتقد الآخرين في القطاع الذين يؤيدون خفض الانبعاثات بالكلام لكنهم لا يقومون بكثير لتحقيق ذلك بالفعل، متهمة إياهم "بالغسل الأخضر بسبب الافتقار
لكن حي أوريستاد دليل على أن البناء المستدام صعب حتى مع عدم وجود قيود وإمكانات مالية كبيرة. إن معظم مالكي العقارات والمستثمرين ليس لديهم أي من الاثنين: من المتوقع أن تظل أربعة من كل خمسة مبان قائمة اليوم في مكانها بحلول 2050، ويكمن التحدي الملح في كيفية بث حياة جديدة فيها قبل ذلك الوقت.
إن المباني المملوكة من قبل المستثمرين الأثرياء هي رأس جبل جليدي بمليارات الجنيهات، ويوجد خلفها كتلة من المباني التجارية القديمة البعيدة التي من شأنها أن تكلف مبلغا أكبر لإصلاحها ما يمكنهم تحمله في إيرادات الإيجار. هذه المباني معرضة لخطر أن تصبح عالقة دون تدخل عاجل.
يتم فرض ذلك الآن من خلال اللوائح التنظيمية المتشددة. في المملكة المتحدة، تحصل المباني على شهادة أداء الطاقة، بدرجة أعلى A وأدنى G. ويعتزم الوزراء رفع الحد الأدنى من معايير كفاءة الطاقة، ما يجعل من غير القانوني تأجير مكاتب حاصلة على تصنيف F أو G بدءا من نيسان (أبريل). يقدر وكلاء العقارات أن ذلك سيترك 5-10 في المائة من مكاتب المملكة المتحدة دون مصادر أو مساعدة.
من المقرر أن يرتفع الحد الأدنى للمعيار إلى تصنيف C بحلول 2027 وإلى B بحلول 2030، مستوى لا يصل إليه 70 في المائة من المكاتب في العاصمة، وفقا لشركة سافيلس.
في الولايات المتحدة، تختلف اللوائح التنظيمية من ولاية لأخرى ومن مدينة لأخرى، لكن أصحاب العقارات التجارية يواجهون ضغوطا مشابهة لأقرانهم في المملكة المتحدة. كما يتم رفع معايير الحد الأدنى من أداء الطاقة تدريجيا في أوروبا حيث تتطلع المفوضية الأوروبية إلى إزالة الكربون بالكامل من مخزون المباني بحلول 2050.
مع تشديد اللوائح التنظيمية على مدى العقد المقبل، قد يميل الملاك إلى رفع سوية المكاتب بشكل تدريجي. لكن هذا صعب، لأن الشاغلين الذين ينتقلون لمدة عشرة أعوام أو أكثر يحتاجون اليوم إلى مباني الغد.
يقول لوفتوس: "يبحث كثير من الناس في لوائح معايير كفاءة الطاقة الدنيا 2030 ويفكرون، "لدينا ثمانية أعوام راحة". لكن إذا كنت مستأجرا توقع على عقد إيجار طويل الأجل الآن، فلن تكون قادرا على تأجيره في المستقبل إذا لم يكن وفقا لمتطلبات معايير كفاءة الطاقة 2030. هذا ما يفرض التغيير الإيجابي الآن".
إن طلب مستأجري الشركات والمستثمرين الأثرياء للحصول على أفضل مساحة تحفز شركات التطوير على الذهاب أبعد من ذلك. هناك مجموعة من الاعتمادات الخاصة، كل منها يدعي إثبات أن المبنى أخضر. ويتجنب المستأجرون الذين وضعوا خططهم الخاصة للحد من الكربون بشكل متزايد المباني القديمة ويركزون على المكاتب التي تتميز بشارات الشرف هذه.
تشكل المباني ذات المستويات الأعلى من الاعتماد الأخضر أقل من 10 في المائة من سوق لندن، لكنها تمثل نحو 60 في المائة من جميع المساحات المستأجرة في لندن هذا العام، وفقا لشركة سافيلز.
لكن جولي هيريجوين، الرئيسة التنفيذية لمجلس المباني الخضراء في المملكة المتحدة، تقترح على المستأجرين المحتملين توخي الحذر. تقول: "هناك كثير من المقاييس الموجودة، التي لم يتم اعتماد أي منها بإخلاص من قبل الصناعة باعتبارها العتبة اللازمة للادعاء بتحقيق صافي صفر موثوق به".
تعمل منظمتها مع هيئات قطاعية أخرى مختلفة على "معيار التحقق من صافي انبعاثات الكربون" الموحد الذي يشمل التأثير الكامل لعملية البناء وتشغيل المكاتب. تدعي هيريجوين أن ذلك يمكن أن يغير قواعد اللعبة بالنسبة إلى أصحاب العقارات الذين يتطلعون إلى التحول إلى الأخضر. تقول: "حتى يظهر هذا المعيار، لا نعرف حقا ما الذي نستهدفه".
فاتورة ضخمة
في النهاية، ستعمل اللوائح التنظيمية الأكثر صرامة على "خفض الانبعاثات، ومعالجة فقر الطاقة، وتقليل تعرض الناس لأسعار الطاقة ودعم التعافي الاقتصادي وإيجاد فرص العمل"، وفقا للمفوضية الأوروبية. لكنها تأتي أيضا بسعر باهظ لأصحاب العقارات.
قدر مجموعة من الملاك تكاليف ترقية محافظهم إلى المعايير الجديدة، وتوصلوا إلى مجموعة واسعة من الاستنتاجات حول التكاليف النهائية.
تشير تقديرات شركة لاندسيك، مالكة عقارات مدرجة في المملكة المتحدة، إلى أن العمل لترقية محفظتها البالغة 11 مليار جنيه إسترليني إلى درجة شهادة أداء الطاقة B المطلوبة بحلول 2030 سيتحقق بتكلفة صافية تبلغ 135 مليون جنيه إسترليني فقط، مبلغ يزيد على نسبة من 1 في المائة من قيمة المباني. لكن الشركات الزميلة المملوكة للقطاع الخاص، مثل شركة كراون إيستيت، أشارت إلى أن التكاليف ستصل إلى مليار جنيه إسترليني، أي نحو 13 في المائة من قيمة إجمالي محفظتها العقارية.
وفقا لتقرير نشرته وكالة العقارات سافيلس العام الماضي، تبلغ قيمة مخزون العقارات التجارية في جميع أنحاء العالم نحو 33 تريليون دولار، ويتكون معظمها من المكاتب. حتى لو كانت تكاليف التحول أقل من المتوقع على نطاق واسع – 5 في المائة من قيمة المبنى، على سبيل المثال – سيتعين على الملاك التجاريين والمستثمرين إيجاد 1.65 تريليون دولار لتمويل التحول الأخضر.
يمكن للمستثمرين طويلي الأجل الأثرياء إنقاذ المباني القديمة وتحويلها إلى شيء مرغوب فيه بالنسبة إلى المستأجرين. قد يؤدي ذلك في النهاية إلى ارتفاع الإيجارات وقطع شوط في معالجة البصمة الكربونية الهائلة للقطاع.
يعد أفيفا إنفستورز من بين الصناديق طويلة الأجل التي تستشعر الفرص من التحول، وتتطلع إلى شراء المباني القديمة وتحديثها. يقول إدوارد ديكسون، رئيس المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في صندوق أفيفا إنفستورز: "يتمثل التحدي إلى حد كبير في تجديد وتعديل المخزون الذي لدينا. لا يمكننا بناء مزيد من الأبنية للخروج من هذه الأزمة".
وفقاً لديكسون، فإن هناك تركيزا كبيرا جدا من الشركات المطورة على بناء مكاتب جديدة يمكن أن تحقق نتائج الاستدامة بسهولة أكبر. النهج الأفضل هو ترقية المباني القائمة. يقول: "نركز على التحول، بدلا من التركيز على كيفية شراء أكبر عدد ممكن من المباني الخضراء".
لكن هذا عمل معقد ومكلف.
يقول بيتر كوزمتاتوس، الرئيس التنفيذي لمجلس تمويل العقارات التجارية في أوروبا، وهو الاتحاد التجاري لمقرضي العقارات الأوروبيين: "إن معظم الملاك (...) ليس لديهم فرق للاستدامة أو خطط صافي الصفر أو ربما رأس المال الذي يقف وراءهم في جانب الممتلكات. إن هذا هو الجزء من السوق الذي أشعر بالقلق بشأنه بشكل أكبر".
يضيف أن المكاتب الجديدة اللامعة، المملوكة من قبل مستثمرين مؤسسيين ومليئة بالمستأجرين من الشركات الكبرى، ستكون على ما يرام. "المشكلة هي أن هذا ليس سوى جزء صغير من العقارات الموجودة هناك."
أظهر تحليل حديث لـ243 شركة عقارية مدرجة عبر العالم وتمتلك ما تقرب قيمته من تريليوني دولار من العقارات أجراه بنك فان لانشوت كمبين الهولندي الخاص، أن عشر الملاك فقط التزموا بأهداف الكربون الصفرية الشاملة لـ2050.
يقول لارس ديكسترا، كبير مسؤولي الاستدامة في البنك: "بينما لدى ثلاثة أرباع الشركات العقارية المدرجة نوع من إزالة الكربون أو استراتيجية لتغير المناخ، إذا تعمقت أكثر، ستجد أن كثيرا منها تفاصيله قليلة".
هناك أيضا أدلة على أن الأهداف تتراجع حيث تصرف أسعار الفائدة المرتفعة انتباه المطورين عن الأجندة صديقة البيئة. قبل عام، قال 70 في المائة من مطوري المكاتب في لندن لشركة ديلويت إنهم يتوقعون أن تكون جميع مشاريعهم الجديدة صفرية بحلول 2030. وعندما تم تكرار الاستطلاع نفسه أخيرا، كان 36 في المائة فقط واثقين من هذا الإطار الزمني.
بدأ الانقسام يتشكل بين الملاك الذين يستطيعون تحمل تكاليف ترميمات باهظة صديقة للبيئة وأولئك الذين لا يستطيعون ذلك. لكن مديرين العقارات الذين يتوقعون أن ينقسم السوق إلى قسمين أقل وضوحا بشأن المكان الذي سيسقط فيه الفأس بالتحديد أو إلى أي مدى سيكون تأثيره مدمرا.
إن السيولة الخاصة بالمباني القديمة تجف حيث بدأ المستثمرون في إعطاء أداء الطاقة أهمية أكبر في اتخاذ قراراتهم. انسحب صندوق ديون أخيرا من شراء فندق في المملكة المتحدة بعد أن اكتشف أن أداءه في مجال الطاقة كان ضعيفا، وقرر أنه لا يمكنه تبرير الإنفاق الرأسمالي المطلوب لمعالجته، وفقا لمستشار في الصفقة. ووصف قرار التخلي عن الصفقة بأنه "لحظة فاصلة".
إلى أي مدى يمكن أن يسوء الوضع؟
هناك قلق متزايد يتمثل إذ يمكن أن تكون الأزمة التي تواجه مالكي المكاتب نتيجة لارتفاع المعايير البيئية قد قللت تأثير التجارة الإلكترونية على مالكي العقارات بالتجزئة على مدى العقد الماضي.
أدى تحول المتسوقين عبر الإنترنت، بعيدا عن الشوارع الرئيسة ومراكز التسوق، إلى ترك مراكز التسوق قاحلة وواجهات المحلات شاغرة، خاصة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة حيث نمت التجارة الإلكترونية على النحو الأسرع.
شهد أصحاب العقارات بالتجزئة قيمة متاجرهم تتلاشى نتيجة لذلك. يظهر مؤشر جرين ستريت لقيم التجزئة الأوروبية أنها تراجعت بمقدار الثلث منذ 2007. شهد أصحاب المكاتب حتى الآن فترة سهلة، لكن نتيجة للجائحة وارتفاع أسعار الفائدة، انخفضت قيم مكاتبهم بشكل حاد منذ 2019، مع ارتفاع قيم المكاتب 5 في المائة فقط على مدى الـ15 عاما الماضية، وفقا لشركة تحليلات العقارات التجارية. من المتوقع على نطاق واسع أن تتسارع الانخفاضات الأخيرة مع تكيف السوق مع أسعار الفائدة المرتفعة وتكلفة الوصول إلى صافي الصفر.
كمالكي العقارات في مراكز التسوق، فهم يتعاملون مع تحول جذري بالنسبة إلى المستأجرين: نتيجة للعمل من المنازل، تظل مستويات الإشغال في إنجلترا قريبة من 30 في المائة، وهي نصف معايير ما قبل الجائحة، وفي نيويورك، ظلت نسبة الإشغال أقل من 50 في المائة.
عندما تضرر أقرانهم في قطاع التجزئة بسبب الأزمة المالية، يواجه أصحاب المكاتب الآن تحولا اقتصاديا سريعا. إذ تعد تحسينات المعايير البيئية ملحة بشكل متزايد لكنها أيضا باهظة التكلفة بشكل متزايد، حيث ترتفع تكاليف الاقتراض ويؤدي التضخم إلى ارتفاع أسعار مواد البناء باستمرار.
تسببت ظروف مشابهة في حدوث دوامة مدمرة لعقارات التجزئة لأكثر من عقد، خصوصا في الأسواق التي تعاني فائض العرض في المملكة المتحدة والولايات المتحدة. فبعد 15 عاما، يبدو هذا القطاع كما لو أنه لم يصل بعد إلى القاع. ومالكو المكاتب ليسوا غافلين عن الخطر لكنهم يواسون أنفسهم من خلال الإشارة إلى أن التداعيات ستكون محدودة في ذروة السوق. مع ذلك، عانت حتى مراكز التسوق الراقية، جراء انهيار المنافسين ذي الجودة الأقل.
عندما فتح مبنى وول ويرث أبوابه في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، توقع قادة الشركة مستقبلا مشرقا. وصور شروق الشمس وغروبها المنحوتة في المبنى تستحضر نشاط الغسق حتى الفجر الذي يحدث في الداخل. وتشير المنحوتات الآن إلى شيء آخر: محاولة إعادة الحياة، حيث يعمل مالكو المبنى الحاليون على مدار الساعة لجر مكتب القرن الـ20 إلى العالم العصري ولتجنب مصير سكانه السابقين.