أزمة سندات الحكومة البريطانية تعطي دروسا للعالم
تراجع البنوك المركزية الكبرى في العالم المتقدم عن السياسة النقدية المتساهلة للغاية يفرض اختبار إجهاد شديد على النظام المالي العالمي. يتضح هذا كثيرا في نقص السيولة في الأسواق، والسيولة تعني هنا القدرة على الشراء والبيع دون التسبب في تحركات كبيرة في الأسعار.
تكررت علامات عدم الاستقرار المالي منذ نوبة عدم استقرار سوق السندات البريطانية المضمونة في أواخر أيلول (سبتمبر)، التي نشأت عما يسمى باستراتيجيات الاستثمار المدفوع بالالتزامات لصناديق التقاعد.
نجحت الخطوة الحاسمة لبنك إنجلترا في العمل كمشتري الملاذ الأخير في استعادة النظام إلى سوق السندات الحكومية بعد الميزانية "المصغرة" الكارثية لحكومة تراس في 23 سبتمبر.
لكن هذه الحادثة قدمت إنذارا مبكرا لما قد يحمله المستقبل نتيجة للتغييرات الجذرية في هيكل النظام المالي منذ أزمة 2007 - 2009. إذ يبدو من المشكوك فيه إذا ما كانت الجهات التنظيمية على دراية كاملة بهذه التحولات الزلزالية. تثير كارثة سوق السندات الحكومية أيضا أسئلة أوسع حول إذا ما كانت أنظمة المعاشات التقاعدية مناسبة للغرض المقصود منها.
إذ إن نظم المعاشات التقاعدية المحددة - وهي الصناديق المدعومة من أصحاب العمل، التي تعد بمزايا التقاعد المتعلقة بالراتب ومدة الخدمة - كانت تقليديا قوة تعمل على استقرار النظام المالي. ومن الأمثلة الكلاسيكية على ذلك الأزمة المالية في منتصف سبعينيات القرن الماضي عندما ساعدت صناديق التقاعد على إنقاذ النظام المصرفي البريطاني عن طريق شراء عقارات محفوفة بالمخاطر كانت تثقل كاهل ميزانيات البنوك. ولأنها كانت "غير ناضجة"، بمعنى أن دخلها من الاستثمارات ومساهمات المعاشات التقاعدية تجاوز بكثير مصروفات معاشاتها التقاعدية، فإن قدرتها على استيعاب المخاطر وتحمل الخسائر كانت كبيرة.
مع شيخوخة سكان الدول المتقدمة، وصلت الاستحقاقات وأصبح احتياطي صناديق المعاشات التقاعدية ضعيفا جدا. في المملكة المتحدة، سعت معظم الشركات الراعية إلى الحد من تعرضها لالتزامات صناديق المعاشات التقاعدية عن طريق إغلاق صناديق المزايا المحددة لأعضاء جدد وإنشاء صناديق مساهمات محددة، تختلف فيها المعاشات باختلاف عوائد الاستثمار.
جزء بنك وجزء صندوق تحوط
تحت ضغط من الجهات التنظيمية للمعاشات التقاعدية، لم يعد أمناء صناديق التقاعد يركزون بشكل أساسي على تعظيم العوائد في برامج المزايا المحددة. وبدلا من ذلك، يركزون على التحوط ضد التضخم ومخاطر أسعار الفائدة، بينما تطابق التوقيت المستقبلي لصرفيات المعاشات التقاعدية عند استحقاقها مع السندات ذات آجال الاستحقاق المناسبة.
هذا هو الاستثمار المدفوع بالالتزامات. حيث تتمتع الاستراتيجية التي نفذها مديرو الصناديق المستقلون لصناديق المعاشات التقاعدية بميزة ملحوظة تتمثل في الحد من التقلبات في أصول صناديق المعاشات التقاعدية والتزاماتها. لكن هناك عقبة، على شكل رافعة مالية، حيث تقترض صناديق المعاشات التقاعدية مقابل الضمانات في محافظ السندات الحكومية الخاصة بها لإنشاء صناديق التحوط.
أشار كون كيتنج، من مجموعة برايتون روك الاستشارية، وإيان كلاتشر، من كلية إدارة الأعمال في جامعة ليدز، إلى لجنة العمل والمعاشات التقاعدية في مجلس العموم الشهر الماضي، أنه نتيجة للاستثمارات المدفوعة بالالتزامات ذات الرافعة المالية، تحول عديد من صناديق التقاعد من كونها مؤسسات ادخار طويلة الأجل تتمتع بالقدرة على تحمل تقلبات السوق قصيرة الأجل، إلى مؤسسات يكون فيها "كل من المدى المباشر والقصير مهمين" وقدرتها على تحمل المخاطر "ضعيفة بشكل كبير".
بعبارة أخرى، تشبه صناديق التقاعد هذه الآن مزيجا بين صندوق التحوط والبنك، فهي عرضة لما يعادل تدافع المودعين لسحب أمولهم من البنوك عندما يواجهون طلبات إيداع الهامش في الحساب من مديري الاستثمارات المدفوعة بالالتزامات الخاصة بهم.
لماذا حدث هذا؟ بشكل أساسي، كان تراكم الاستثمارات المدفوعة بالالتزامات بمنزلة رد فعل على تطورات السوق بعد الأزمة المالية. فصناديق المعاشات التقاعدية تحسب صافي القيمة الحالية لالتزاماتها باستخدام معدل الخصم المرتبط بعوائد سندات الحكومة. يقوم الأمناء بعد ذلك بتقييم إذا ما كانت هناك أصول كافية للوفاء بالتزامات المعاشات التقاعدية المستقبلية وإذا ما كان ينبغي تغيير مستوى المساهمات فيها.
من الجدير بالذكر أن استخدام عوائد سندات الحكومة البريطانية هو نظام أكثر صرامة من استخدام العوائد الأعلى لسندات الشركات، كما تفعل الصناديق التقاعدية للشركات في الولايات المتحدة. تسمح التشريعات في الولايات المتحدة أيضا بخصم الالتزامات بمتوسط متحرك مدته 25 عاما. إن متوسطا كهذا يمنع عوائد السندات المنخفضة للغاية من التسبب في تضخم قيمة التزامات المعاشات التقاعدية كما حدث في المملكة المتحدة.
أحد أجزاء تفسير هذا النهج المتناقض مع تقييم التزامات المعاشات التقاعدية هو أن الجهات التنظيمية للمعاشات التقاعدية في المملكة المتحدة لديها التزام قانوني بحماية صندوق حماية المعاشات التقاعدية، وهي الهيئة الرسمية التي تتدخل لدفع المعاشات التقاعدية عندما يفلس صاحب العمل الكفيل، ويكون هناك عجز في صندوق المعاشات التقاعدية. بالتالي، فإن الهيئة التنظيمية لديها حافز للمطالبة بتقييمات صارمة قدر الإمكان. فمن شأن المخططات الممولة على نحو جيد أو فيها تمويل زائد أن تنتشل الجهة التنظيمية من المصاعب والمشكلات التي تواجهها غير المريحة بالنسبة إلى الجهات التنظيمية.
لإكمال القصة، عندما انخفضت عائدات السندات وارتفعت قيمة الالتزامات بعد الأزمة المالية بين 2007 - 2009، كانت محافظ الاستثمارات المدفوعة بالالتزامات تولد فقط دخلا ضعيفا تدفع منه معاشات التقاعد. بالتالي كانت الاستراتيجية مكلفة، ومن المحتمل أن تتطلب زيادات كبيرة في المساهمات من أرباب العمل والعاملين.
دوامة تدمير القيمة
استجاب مستشارو حسابات التأمين لهذه المشكلة من خلال نصح الأمناء بتحمل الرافعة المالية عبر التعرض للسندات من خلال المشتقات مثل مقايضات أسعار الفائدة واتفاقيات إعادة الشراء. بهذه الطريقة يمكنهم تقليل تقلب أصول الصندوق وتأمين تحوطات التضخم وأسعار الفائدة التي يحتاجون إليها.
يمكن بعد ذلك استخدام الأموال التي يتم إصدارها عبر الرافعة المالية لشراء الأصول ذات العوائد المرتفعة كالأسهم والعقارات والبنى التحتية. بالنسبة إلى الصناديق التي لديها عجز في الأصول مقابل الالتزامات، فإن الاستثمار في الأصول ذات المخاطر العالية يوفر الأمل في سد فجوة التمويل. ومع ذلك، تتلخص الاستراتيجية في النهاية في مثال آخر عن البحث الجنوني عالي المخاطر عن العوائد التي سادت في الأسواق في فترة أسعار الفائدة شديدة الانخفاض.
جون رالف، مستشار مستقل كان رائدا في استراتيجيات مطابقة الالتزامات عندما كان رئيسا لقسم تمويل الشركات في متاجر بوتز للبيع بالتجزئة، معارض صاخبة للاستثمارات المدفوعة بالالتزامات ذات الرافعة المالية، ويجادل بأنها تصل إلى المضاربة المحضة. يقول "إن معظم المقايضات، وعمليات إعادة الشراء، وأدوات المشتقات الأخرى المستخدمة لتسهيل الاستثمارات المدفوعة بالالتزامات ذات الرافعة المالية مبهمة ومعقدة ومكلفة". لكنه يدعي أنها مربحة للأذرع الاستشارية لشركات التأمين التي تستفيد نماذج أعمالها من التعقيد لجني الأرباح. كما يعتقد أن الأمناء وحتى بعض المستشارين لم يفهموا ما كانوا يفعلونه.
من المؤكد أن عديدا من أمناء الصناديق قد وضعوا في موقف صعب عندما تعرضت صناديق الاستثمار المدفوع بالالتزامات التي استثمروا فيها لضغوط شديدة حيث ارتفعت عائدات سندات الحكومة البريطانية طويلة الأمد في سبتمبر بنطاق وسرعة غير مسبوقين، ما تسبب في انخفاض قيم رأس المال. أثار ذلك طلبات للحصول على ضمانات إضافية من صناديق المعاشات التقاعدية، التي إما لم يستطع بعضها أن يدفع أو لم يرغب في الدفع.
تبع ذلك ما يدعوه كلاشر وكيتنج دوامة موت معززة ذاتيا لتدمير القيمة، تفاقمت بسبب انخفاض قدرة البنوك على التعامل بالأوراق المالية على مسؤوليتها، التي كانت بشكل جزئي نتاجا لمتطلبات رأس المال التنظيمي التي تم إدخالها بعد الأزمة المالية.
كان الضرر جسيما جدا خصوصا في الأموال المجمعة للاستثمار المدفوع بالالتزامات التي تدار بشكل أساسي لصناديق التقاعد الصغيرة. وكانت سرعة وحجم التحركات في عوائد سندات الحكومة البريطانية قد فاقت قدرة مستثمري الصناديق المجمعة الصغيرة على توفير أموال جديدة عند مواجهة طلبات إيداع الهامش. حيث واجه كثير منهم صعوبة في التعامل مع الطلبات.
كانت سارة بريدين، المديرة التنفيذية للاستقرار المالي في بنك إنجلترا، قد لاحظت في خطاب ألقي أخيرا أن دوامة التعزيز الذاتي تعني أن نحو 200 مليار جنيه استرليني من الصناديق المجمعة للاستثمار المدفوع بالالتزامات تهدد سوق كامل سندات الحكومة البريطانية المتداولة التي تبلغ قيمتها 1.4 تريليون جنيه استرليني التي تعد أساسا للنظام المالي البريطاني، الذي يؤمن تريليوني جنيه استرليني لإقراض الاقتصاد الحقيقي من خلال أسواق الائتمان الأوسع. كان هذا التهديد الشامل المحتمل للاستقرار المالي هو السبب في تدخل البنك المركزي بدعم مؤقت قدره 19.3 مليار جنيه استرليني. حيث كان البنك قلقا من التشديد المفرط والمفاجئ للأوضاع المالية للأسر والشركات، من بين أمور أخرى.
يشير الحكم الذي أصدرته بريدين إلى أن السبب الأساسي لهذه الأزمة كان الإدارة السيئة للرافعة المالية.
لدى دول أخرى، وعلى الأخص الولايات المتحدة وهولندا، أنظمة معاشات تقاعدية كبيرة ومحددة المزايا لم توضع في موقف صعب بسبب ارتفاع المعدلات. السؤال هو لماذا؟ حيث يشير كل من سيريو أرامونتي وفوريتشاي رونجشارونكيتول، في آخر مراجعة ربع سنوية لبنك التسويات الدولية، إلى أن صناديق المعاشات التقاعدية الأمريكية نادرا ما كانت تستخدم الرافعة المالية، في حين إن الصناديق الهولندية تتحوط بمعدل أقل من 60 في المائة من مخاطر أسعار الفائدة. يبدو أن السلطات التنظيمية في المملكة المتحدة قد تبنت موقفا مريحا في التعامل مع الرافعة المالية أكثر من نظيراتها في أي مكان آخر.
حتى نكون منصفين للجهات التنظيمية، كانت صناديق التقاعد ضحية لأزمة سيولة، وليس أزمة الملاءة. حيث تظهر البيانات من صندوق حماية المعاشات التقاعدية أنه في حين انخفضت قيمة أصول المعاشات التقاعدية المحددة 20 في المائة في العام المنتهي في نهاية سبتمبر، انخفضت قيمة الالتزامات بنسبة أكبر بكثير عند 36 في المائة بسبب تأثير ارتفاع عوائد سندات الحكومة البريطانية في معدلات الخصم. أدى ذلك إلى تضييق العجز في صندوق المعاشات التقاعدية أو التحول إلى الفائض. كما يشير دعاة الاستثمار المدفوع بالالتزامات إلى أن تلك الاستراتيجية وفرت حماية كبيرة في أوائل 2020 عندما انهارت الأسواق تحت وطأة الضغوط الناتجة عن الجائحة.
مع ذلك، القيمة السوقية للخزنة التي يتعين دفع المعاشات التقاعدية منها كانت أقل بكثير نتيجة لانخفاض السوق هذا العام، في حين إن الانخفاض في صافي القيمة الحالية للالتزامات يستند إلى افتراضات قد يتضح أنها غير صحيحة. لذلك من المحتمل أن يكون التحسن في التمويل أقل متانة مما يبدو عليه.
المخاطر الجانبية للإصلاح
السلطات التنظيمية في أيرلندا ولوكسمبورج، حيث يوجد فيهما معظم صناديق الاستثمار المدفوع بالالتزامات، تحث هذه الصناديق على بناء المرونة من خلال احتياطيات سيولة أكبر ضد التقلبات الكبيرة للسوق. لكن ذلك يترك مشكلات هيكلية في عموم النظام المالي، ليس أقلها تلك التي تنشأ من الافتقار إلى التنوع في محافظ برامج المعاشات التقاعدية ذات المزايا المحددة.
يقول جون نوجي، المدير السابق للاحتياطيات في بنك إنجلترا الذي يدير الآن شركة لابورنوم كونسالتينج الاستشارية "لا تكمن المشكلة في أن الاستثمار المدفوع بالالتزامات يجعل أي صندوق تقاعد أكثر أو أقل أمانا، لكن إذا استخدمه الجميع، فإن ذلك يجعل السوق أقل أمانا بشكل عام، لأنه عندما يتحرك، فإن جميعها يتحرك في الاتجاه نفسه". يحذر نوجي من الثقافة الأحادية حيث تؤدي فيها صناديق التقاعد، التي تتبع النصائح الرسمية لتوظيف الاستثمار المدفوع بالالتزامات، إلى تآكل مرونة السوق على الصمود أمام الصدمات.
كما يضيف نوجي أن "النهج الذي يركز بشدة على جعل قطاع مالي واحد آمنا، غالبا ما يتسبب في مخاطر الهجرة إلى أجزاء أخرى من النظام البيئي المالي". وكان هذا صحيحا بشكل واضح في أعقاب الأزمة المالية. حيث نجح المنظمون في تقوية البنوك، لكن على حساب تقليل استعدادها لتحمل المخاطر على دفاترها الخاصة، الأمر الذي يقلل من سيولة السوق كما ذكرت سابقا. لذا تحولت المخاطر إلى أجزاء أقل تنظيما وأقل رسملة في القطاع المالي غير المصرفي. وذلك يشمل صناديق التقاعد التي تخضع للتنظيم الشديد في المملكة المتحدة، لكن ليس فيما يتعلق بالرافعة المالية.
كان الإصلاح الآخر الذي أعقب الأزمة الذي نتجت عنه عواقب غير مقصودة هو زيادة انتشار الضمانات التبعية للمشتقات، وهي خطوة كانت تهدف إلى تقليل مخاطر الطرف المقابل. تجادل بريدين، من بنك إنجلترا، بأن ذلك أسهم في التقلبات مع تضخيم الصدمات في السوق الهابطة.
مع تقلص مخططات المزايا المحددة كجزء من المعاشات التقاعدية الشاملة القائمة على العمل بالنسبة إلى خطط المساهمات المحددة، سيكون مصير مشكلة الاستثمار المدفوع بالالتزامات هو التلاشي بمرور الوقت. مع ذلك، هناك إرث مهم يتمثل في التغيير الجذري في مشهد سوق رأس المال، مرة أخرى، ولا سيما في المملكة المتحدة. منذ أوائل العقد الأول من القرن الـ21، كانت صناديق التقاعد في المملكة المتحدة تبيع الأسهم بصورة ثابتة لأنها اشترت ما يصل الآن إلى نحو ربع سندات الحكومة البريطانية المستحقة. في غضون ذلك، انخفضت ملكيتها للأسهم المدرجة في المملكة المتحدة من 21.7 في المائة في نهاية 1998 إلى 1.8 في المائة فقط في نهاية 2020.
إذا ما كان ذلك مهما، نظرا لعولمة تدفقات رأس المال، فهو موضع نقاش. سدت الملكية الأجنبية الفجوة بشكل أكبر، إذ ارتفعت من 30.7 في المائة إلى 56.3 في المائة خلال الفترة نفسها. كما تدعم صناديق التقاعد البريطانية قطاع الشركات المحلي بوسائل أخرى عبر الائتمان والسندات والبنية التحتية وأسواق الأسهم الخاصة.
مع وصول التضخم في أسعار التجزئة إلى خانتين، يبرز سؤال حقيقي حول إذا ما كانت المعاشات التقاعدية القائمة على العمل يمكن أن تحافظ على مستويات معيشة المتقاعدين بالقيمة الحقيقية؟ في معظم صناديق المعاشات التقاعدية ذات المزايا المحددة في المملكة المتحدة، يتم تحديد علاوة مقاومة التضخم، غالبا بـ3 أو 5 في المائة.
إن جزءا من منطق الاستثمار المدفوع بالالتزامات ذي الرافعة المالية هو بناء القسم الذي يسعى إلى كسب العائد من محافظ صندوق المعاشات التقاعدية التي يمكن للأمناء من خلالها دفع زيادات تقديرية على المعاشات من أجل معالجة مشكلات مثل صدمات التضخم. لكن من الناحية العملية، غالبا ما يتم تقييد أمناء الصناديق حيث تنص سندات الثقة على أن الزيادات التقديرية يجب أن تتم بموافقة صاحب العمل.
على خلفية الجائحة، وارتفاع أسعار الطاقة، وزيادة الضغط الناتج عن ارتفاع أجور العمل وأزمة سلاسل التوريد، يشعر قلة من أرباب العمل برغبة في المصادقة على الزيادات التقديرية السخية. سيضطر كثير من المتقاعدين إلى العيش في مستويات منخفضة هذا العام وربما العام المقبل أيضا.
كما أن وضع الأعضاء في خطط المساهمات المحددة أسوأ. أكثر من 90 في المائة مشمولون في ترتيبات يتحول بموجبها وعاء الاستثمار من الأسهم المحفوفة بالمخاطر إلى السندات التي يفترض أنها أكثر أمانا مع اقترابهم من التقاعد. إن هذا الذي يسمى خفض المخاطر، كان في الواقع محفوفا بالمخاطر العالية بالنسبة إلى الأعضاء الذين لم يصلوا إلى التقاعد بعد. تم وضعهم في سندات دين حكومية باهظة الثمن بشكل استثنائي بعوائد حقيقية سلبية فيما يعد أعظم فقاعة سندات في التاريخ. وقد انهارت قيمة هذه السندات خلال العام الحالي بسبب ارتباطها الوثيق بالأسهم، ما تسبب لهم في خسائر فادحة.
كل ذلك يشير إلى أن توفير معاشات تقاعدية قائمة على العمل غير فاعلة بشكل حقيقي وأنها بحاجة إلى إعادة تفكير جذرية.