التحديات الأساسية للشركات اليابانية أشد وطأة من تقلبات عملتها
من الناحية النظرية، كان من المفترض أن يتسبب الكمين الذي نصبه بنك اليابان في موسم أعياد الميلاد للأسواق المالية الثلاثاء في إحداث فوضى في غرف مجالس إدارة الشركات في البلاد. أو على أقل تقدير، إفساد بعض حفلات نهاية العام.
قد يكون التعديل المفاجئ الذي أجراه هاروهيكو كورودا، محافظ بنك اليابان، على سياسة التحكم في منحنى العائد طفيفا بشكل نسبي، لكن آثاره في تشديد أسعار الفائدة في المستقبل "كما توقعت الأسواق" لم تكن كذلك. أفسد إجراء البنك المركزي بشكل حاسم سعر صرف الدولار مقابل الين الذي تؤثر تقلباته في عملية صنع القرار في عشرات الآلاف من الشركات اليابانية. لكن بدرجة أقل بكثير مما كانت عليه الحال في الماضي.
من الواضح أن الضربة التضخمية من الين الضعيف في الآونة الأخيرة ليست بسيطة، جميع الشركات، ولا سيما تلك التي استفادت من هذا الرخص، تتعرض إلى ضغط أكبر بكثير لرفع الأجور في ظل ركود عالمي متوقع. إذا عاد الين إلى الارتفاع، كما يعتقد البعض، فإن ذلك سيجعل الصادرات اليابانية أقل تنافسية. على الرغم من هذه المشكلات، كما يشير تقرير جديد، فإن النطاق الترددي الاستراتيجي لإدارة الشركات اليابانية انتقل إلى مخاوف أكبر بكثير من العملة. تعد الأوضاع الجيوسياسية والتركيبة السكانية في المقدمة.
في وقت مبكر من العام الجديد، سيكون لدى اليابان حساب دقيق لعدد الأطفال الذين ولدوا في البلد 2022، وبالتالي مدى سرعة تقلص عدد السكان. الرقم المسجل للعام الماضي - 811،622 طفلا - كان الأدنى منذ بدء التسجيلات في 1899. إذا انخفض العدد، كما يبدو مرجحا أنه سيحدث، إلى أقل من 800 ألف هذا العام، سيكون ذلك مثيرا للقلق للغاية. في آخر توقعاته الرئيسة قبل خمسة أعوام، لم تتخيل توقعات المعهد الوطني للسكان وأبحاث الضمان الاجتماعي أن هذا الحد يتم تجاوزه حتى نهاية هذا العقد.
لكن كثيرا من الشركات اليابانية تفهم جيدا ما هو آت. على الرغم من كل الضجيج الأخير حول "إعادة تشكيل" سلاسل التصنيع والإمداد، فإن طموحات الشركات اليابانية محدودة بالضرورة بمجموعة من قضايا رأس المال البشري - عدد قليل جدا من الأشخاص، وعدد قليل جدا من المهارات الضرورية وقدرة متناقصة على جذب القادمين من الخارج. حتى عندما بدأ الين في تجاوز أدنى مستوياته منذ عدة عقود في وقت سابق من هذا العام، زادت الشركات المصنعة اليابانية فقط من رغبتها في توسيع الإنتاج في الخارج إلى حيث يتوافر العمال والعملاء على حد سواء.
في تقريره السنوي حول هذا الموضوع، الذي يعود تاريخه إلى 1989 ويستند إلى مسح لنحو 950 مصنعا مع ثلاث شركات تابعة أجنبية على الأقل، توقع بنك اليابان للتعاون الدولي أن تستمر نسبة الإنتاج في الخارج للشركات اليابانية في الارتفاع عن العام السابق لتصل إلى 35 في المائة بحلول نهاية العام المالي 2022. في 2025، يتوقع بنك اليابان للتعاون الدولي الآن، أن تصل النسبة إلى 36.3 في المائة. بعبارة أخرى، يخلص ماساتوشي كيكوتشي، كبير محللي الأسهم في شركة ميزوهو سكيورتيز، إلى أن ضعف الين لم يكن عاملا مهما في قرارات كثير من الشركات للمضي قدما في بناء إنتاجها الأجنبي.
كما تعكس أسباب قيامها بذلك، وفقا للردود المقدمة إلى بنك اليابان للتعاون الدولي، تركيزا استراتيجيا واضحا بشكل متزايد خارج اليابان، تقول الشركات إنها تسعى وراء المشاركة في سلسلة التوريد العالمية للسيارات الكهربائية وفي بناء الإنتاج المحلي للاستهلاك المحلي في الأسواق النامية، "ولا سيما بين رابطة دول جنوب شرق آسيا".
في الوقت نفسه، تواجه الشركات اليابانية أيضا أوضاعا جيوسياسية أكثر تعقيدا مع الصين، وتعيد حساب المدى الذي ستلبي به بشكل واقعي ملف الإنتاج والطلب الذي تسعى اليابان وراءه. في حين أظهر تقرير بنك اليابان للتعاون الدولي أن أغلبية الشركات اليابانية التي شملها الاستطلاع لا تشارك في أي مناقشات معينة حول الفصل بين الولايات المتحدة والصين، فإن ردودهم على أسئلة أخرى تشير إلى أنها تعرف أنها تتحرك في بيئة سريعة التغير. وجد بنك اليابان للتعاون الدولي أن الهند قد تجاوزت الصين في المرتبة الأولى بين الدول التي تعد "واعدة أكثر من غيرها" في الاستثمار متوسط الأجل من قبل الشركات اليابانية.
على الرغم من قول الشركات بصدق إنها لا تناقش الانفصال بين الولايات المتحدة والصين، يبدو أن خططها الاستثمارية ترسم مسارا عبر عالم تزداد فيه الانقسامات بين الولايات المتحدة والصين بشكل مستمر. عندما سئلت أغلبية الشركات اليابانية عما إذا كانت تخطط لتعزيز عملياتها في الولايات المتحدة أو الصين، أخبرت بنك اليابان للتعاون الدولي أنها ستفعل الأمرين. لكن في حين قال 23 في المائة منها إنها ستركز جهودها بشكل أساس على الولايات المتحدة، فإن أقل من نصفها خططت لتوجيه مزيد من الاستثمار إلى عملياتها في الصين.
تستثمر الشركات اليابانية في الخارج بسبب مستقبل يكون فيه بلدها أصغر مما توقعته، خلال وقت أقرب من المتوقع وفي وقت يجب أن يكون الاستثمار فيه أكثر تجزؤا لضمان النجاح. قد يتعين على الين - الذي لا يزال معروفا في قاعات التداول اليابانية باسم "المسؤول عن الدفع" - أن يستمر لبعض الوقت باعتباره أولوية أقل.