رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


في مثل هذه الظروف تتجدد المحاسبة

تستجيب المعالجات المحاسبية للحوادث المالية الكبرى، وعلى الرغم من أن المحاسبة لا تكون في العادة سببا مباشرا للحادثة المالية إلا أنه من العادة أن يتم اتهامها، ثم تعديل معالجتها تفاديا لتكرار هذه الحوادث. ما حدث بعد قضية إنرون الشهيرة يعد مثالا جيدا، وما حدث بعد الأزمة المالية من توجه نحو القيم العادلة والقياس السوقي وأخذ الاعتبارات المستقبلية في الحسبان أيضا مليء بالأمثلة الجيدة. تحدث الحوادث والأزمات لأسباب مختلفة ومعقدة، يدخل فيها سلوك الممارسين كعنصر أساسي، أحيانا يكون سلوكا منفردا وأحيانا يحدث بشكل جماعي وتراكمي. قد يكون المسؤولون في هذه الأزمات تنفيذيين أو مديري صناديق أو حتى اقتصاديين في حكومات بعض الدول.
نعيش اليوم جملة من المخاطر التي تحدث على نطاق عالمي، مثل تحديات الطاقة في أوروبا وتبعات الحرب الأوكرانية أو ما يحدث على صعيد السوق الأمريكية وتحديات التضخم والتغييرات المستمرة في معدلات الفائدة أو ما يخص العملات الرقمية وغيرها. تؤثر هذه المخاطر في أداء الأعمال بشكل مباشر وتؤثر في أسواق المال إجمالا. التسلل الطبيعي الذي يحدث في مثل هذه الظروف يبدأ بعد قياس أثر هذه الظروف في الشركات والأسواق. إذا استمرت الأحداث السلبية يبدأ مستخدمو التقارير في الامتعاض الذي يتحول في كثير من الحالات إلى دعاوى قانونية أو وربما فوضى اقتصادية تقود إلى تعثرات متسلسلة ترعب الأسواق وتقوض الثقة، وتجعل الحكومات على خط النار بحثا عن الاستقرار واستعادة الحالة الطبيعية الإيجابية التي تسعى لها. عند هذه الحالة يبدأ الضغط على القائمين على تحديث المعايير المحاسبية، الذين يستجيبون بطبيعة الحال لحركة الأسواق ومستخدمي التقارير المالية، سواء كانوا محللين أو مستثمرين أو جهات تنظيمية. في العادة، لا تعالج هذه الاستجابة الوقائع المالية بشكل مباشر، لأنها تأخذ وقتا طويلا جدا حتى تتجسد كمقترحات واضحة وتعكس في المعايير أو الإرشادات ذات العلاقة – ولكن في حالات نادرة جدا قد يمنح المنظمون على مستوى الدولة بعض الاستثناءات من معالجات محاسبية محددة أو يخرجون بإضافة تعالج مسألة مستعجلة مثل ما حدث أثناء جائحة كوفيد.
لهذا نقول لمن يتساءل عما يمكن تغييره محاسبيا بخصوص تحديات التضخم في السوق الأمريكية أو في الأسواق العالمية، في الأغلب، وحسب حجم الوقائع حتى حينه، لا شيء. هناك تحديثات محاسبية مستمرة مثل ما يحدث في محاسبة التأمين ولكنها لا ترتبط بالظروف الحالية. إذا استمرت الأوضاع الاقتصادية العالمية في التدهور، ودخلت الأسواق مرحلة التعثر التسلسلي، قد يكون من الوارد جدا تحقق الظروف، التي تتجدد بها المعالجات المحاسبية، ولكن هذا لن يصنع أثرا واضحا على المدى القصير. ما سيحدث على المديين القصير والمتوسط هو الأثر المباشر، الذي سيظهر في التقارير المالية، وفق المخاطر الخاصة بكل شركة. الشركة التي تتأثر بمخاطر الاقتراض ستتحمل التكاليف الجديدة، والشركة التي تتأثر بمخاطر العملات ستسجل ذلك، والشركة التي تختلف لديها معادلة الربحية قد تغلق خط إنتاج أو تفقد أحد مصانعها وتسجل أثر ذلك.
الخلاصة، نعم، في مثل هذه الظروف تتجدد المحاسبة وتنشط الأحاديث المرتبطة بها، وعلى كل طرف الاهتمام بما يخصه. مدير الأعمال يحاول أن يقلل من المخاطر الجديدة والناشئة، ومستخدم التقارير المالية عليه تصور المتغيرات وأثرها المستقبلي، والمنظم عليه القيام بما يخصه من المتابعة الجيدة والحفاظ على استقرار الأسواق. لا يمكن لأحد التنبؤ بالمستقبل، ولكن فهم هذا السياق ومعرفة أثر هذه التدخلات مفيد لجميع الأطراف. من المهم جدا ألا تحمل المحاسبة فوق طاقتها ولا أن يقع مراجعو الحسابات تحت المقصلة مع كل سلوك مالي مضطرب. من التحديات التي يعترف بها الجميع أن العالم يتغير بسرعة جنونية، ولا يمكن بكل حال من الأحوال ضبط المعالجات التابعة بالأحداث الواقعة، محاولة المواءمة مشروعة ومحبذة، ولكن يصعب أن تخرج بنتائج مثالية تسعد الجميع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي