أزمة سيولة تقود شركات التكنولوجيا الناشئة إلى حلول تمويل إبداعية
شركات التكنولوجيا الناشئة التي تعتمد تقليديا على المستثمرين الأثرياء في وادي السيليكون لتمويل خطط نموها الطموحة، أجبرت على قبول صفقات تمويل بديلة في سبيل الحفاظ على أعمالها وتجنب تخفيضات كبيرة في تقييماتها.
كان الانخفاض الحاد في عقد صفقات رأس المال المغامر، إلى جانب سوق مغلقة للاكتتابات العامة الأولية، قد تسببا خلال العام الماضي بأزمة تمويل يواجهها كثير من شركات التكنولوجيا الخاصة.
عملت الشركات الناشئة الرائدة على خفض التكاليف بشكل كبير، حيث أدى ذلك إلى موجة من عمليات التسريح للموظفين انتشرت عبر قطاع التكنولوجيا. مع ذلك، تتعرض أعداد متزايدة من الشركات إلى نفاد السيولة فيما تبحث عن إجراءات أكثر إبداعا للحصول على التمويل، وذلك وفقا لمقابلات أجريت مع أصحاب رأس مال مغامر ورواد أعمال وصناديق تقاعد ومصرفيين.
كان مؤسسو الشركات قد أبرموا صفقات تركز على الديون مثل القروض المرحلية والأسهم المنظمة والسندات القابلة للتحويل والسندات المشاركة وتفضيلات التصفية السخية. هذه التحركات مصممة لتجنب "جولة هبوط" مروعة - بحيث تقبل الشركات التمويل لكن بتقييم أقل بكثير مما كانت قد حصلت عليه في السابق.
"الجميع يقومون بإجراءات تصحيحية الآن"، بحسب ما قال أحد المستثمرين في ساند هيل رود، وهو شارع رئيس في كاليفورنيا يضم كثيرا من مجموعات رأس المال المغامر الكبرى في وادي السيليكون، تراوح بين "سيكويا كابيتال" و"أندريسن هوروويتز".
نظرا إلى أن اضطراب السوق الحالي قد يستمر حتى العام المقبل، قال المستثمر نفسه إنه حتى مؤسسو مجموعات التكنولوجيا ذات رأس المال الجيد كان عليهم أن يتساءلوا، ما التعديلات التي يلزمنا القيام بها حتى نتمكن من البقاء لفترة أطول، وكيف يمكننا المراهنة على التمويل بداية من العام المقبل حتى 2024؟".
من بين أكبر صفقات الديون هذا العام كانت هناك صفقة لمصلحة شركة آركتيك ولف، وهي شركة للأمن السيبراني بلغ قيمتها 4.3 مليار دولار وهي مدعومة من قبل "أوول روك كابيتال"، حيث جمعت أوراق مالية قابلة للتحويل بقيمة 400 مليون دولار في تشرين الأول (أكتوبر) - ضعف أكبر تمويل لأسهمها.
في آذار (مارس)، استطاع تطبيق جوباف للتوصيل والمدعوم من "سوفت بانك" أن يجمع أوراقا مالية قابلة للتحويل بقيمة مليار دولار. منذ ذلك الحين، كان يبحث عن خطط لاقتراض مزيد من الأموال على الرغم من أنه جمع أكثر من ملياري دولار العام الماضي، الأمر الذي رفع تقييمه إلى 15 مليار دولار بحلول منتصف 2021.
هذه الصفقات تأتي بعلاوة تحويل تسمح لمؤيديها في نهاية المطاف بتحويل الأسهم بسعر أعلى من سعر الاكتتاب العام النهائي. مثل هذه الصفقات تشير إلى رهان بأن أسهم الشركة سيتم تداولها بسعر أعلى بعد طرحها للاكتتاب العام.
قال كريس إفديمون، مستثمر الشركات الخاصة في شركة بايلي جيفورد، إن الأوراق المالية القابلة للتحويل "تؤخر التعامل مع المشكلة. في الغالب، يقودها مستثمرون قائمون يقولون إننا في الوقت الحالي لا نود الدخول في نقاش حول عملية التقييم المزعجة".
في وقت سابق من هذا العام، بدأت شركتا "كوتو مانيجمنت" و"فايكينج جلوبال إنفيستورز"، اللتان تركزان تقليديا على الأسهم العامة، في جمع الأموال للاستثمار تحديدا في صفقات الأسهم المنظمة مع الشركات الناشئة.
تسعى شركة كوتو إلى الحصول على ملياري دولار لصندوقها. قال مؤسس الشركة فيليب لافونت لصحيفة "فاينانشال تايمز"، "أن تخفض شركة خاصة تقييم الشركات بشكل مفاجئ بـ75-80 في المائة (...)، فهذه مخاطرة كبيرة. لكن باستطاعتنا أن نقدم لك رأسا ماليا بديلا (...) سيمنحك مزيدا من الوقت لبناء شركتك".
كانت صفقات الديون الكبيرة هذه نسبيا غير شائعة بين الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، حيث كانت أفضلها قادرة على الاستفادة من مبالغ ضخمة من التمويل من أصحاب رؤوس الأموال المغامرة، الذين كانوا على استعداد لتمويل الشركات الناشئة حتى حينما تمت المبالغة في تقييمها على مدار العقد الماضي.
لكن في أول 11 شهرا من هذا العام، تراجعت صفقات رأس المال المغامر الجديدة 42 في المائة لتبلغ 286 مليار دولار، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وذلك وفقا لشركة بريكين لبيانات الاستثمار. بينما قالت شركة "كولي" للمحاماة في وادي السيليكون، إن القيمة الإجمالية لصفقات رأس المال المغامر في مراحلها الأخيرة التي قدمت المشورة فيها قد تراجعت نحو 80 في المائة خلال هذا العام.
كان السبب وراء هذا التوجه هو انهيار أسهم التكنولوجيا وبيئة الاقتصاد الكلي غير الواضحة، إضافة إلى ارتفاع أسعار الفائدة. في هذه الأثناء، تراجعت عمليات الطرح العام الأولي إلى أدنى مستوى لها منذ 2009، ما أدى إلى قطع مصدر رئيس لجمع الأموال بالنسبة إلى الشركات الخاصة الناضجة وداعميها.
قال رافي فيسواناثان، مؤسس شركة نيو فيو كابيتال في كاليفورنيا، "العام المقبل هو الوقت الذي ستواجه فيه العواقب السلبية لهذا. ستأتي مرحلة يتعين فيها حتى على الشركات التي لديها أموال تكفيها لمدة 18 إلى 24 شهرا جمع مزيد من الأموال. ستواجه الشركات أوقاتا عصيبة".
راجعت كل صناديق رأس المال الاستثماري، المنتشرة على طول طريق ساند هيل رود، محافظها الاستثمارية وحذرت المؤسسين من افتراض أن أسواق المال قد تغلق لمدة عام آخر، وأنهم يجب أن يحولوا استراتيجياتهم من النمو إلى البقاء.
من أكثر الشركات التي تجد صعوبة في جمع تمويل جديد هي المجموعات غير المربحة في القطاعات المستنزفة لرؤوس الأموال مثل صناعة البطاريات أو الروبوتات.
قال أحد المستثمرين في شركة تكنولوجية، "خرجنا للتو من بيئة متقلبة وغامضة. إذا كنت قد جمعت مبلغا كبيرا بتقييم غير مستحق، ستشعر أنك أبليت بلاء حسنا باعتبارك مؤسسا أو فريق إدارة. لكنه الآن سيعود عليك بمشكلة أكبر".
كما قال أحد مديري الاستثمار في صندوق تقاعد كبير يستثمر بكثافة في التكنولوجيا، إن البحث عن خيارات إبداعية للتمويل لحماية تقييم الشركة هو "نهج قديم". أضاف، "لكن مضى وقت طويل منذ أن كانت المبالغ كبيرة بهذا الحجم وذلك يؤثر في الجميع".
بينما تقوم بعض الشركات بإقناع المستثمرين الحاليين بضخ مزيد من رأس المال بالتقييم الذي تم تحديده في عمليات جمع الأموال السابقة - المعروفة باسم "الجولات الجانبية" - لكن بشروط اقتصادية أساسية أقل ملاءمة للشركة.
قال أحد المصرفيين الاستثماريين - عندما تصبح الشركات يائسة - فإن الشروط "القاسية" تصبح دارجة - وهي الصفقات التي تقبل في ظاهرها التقييم الحالي للشركة، لكنها تضع شروطا يمكن أن تكون فيها فائدة أكبر للمستثمرين الجدد.
قال جلين كيرنيك، رئيس شركة كرول في وادي السيليكون، "يقول المستثمرون إننا سنشتري بالسعر نفسه لكننا نريد الأولوية ونريد أن نكون على رأس المجموعة في حال توافر السيولة"، مضيفا أنه اطلع على عدد من الصفقات المتوقعة التي تنص على تمكين المستثمرين من مضاعفة استثماراتهم قبل المساهمين الآخرين في حالة البيع أو الإفلاس.
في وقت سابق من هذا العام، توصلت شركة تونال سيستيمز، التي تطور أجهزة لياقة بدنية ذكية، إلى صفقة تمويل مشابهة، وفقا لملفات الشركة التي أبلغت عنها أول مرة صحيفة "وول ستريت".
إذا انخفضت قيمة الشركة، سيثبت مدى وحشية هذه الهيكلية بالنسبة إلى المساهمين في أسفل سلم الأولوية - مثل الموظفين الذين يمتلكون خيارات الأسهم. إنها عملية مقايضة بين قبول ضربة في التقييم أو قبول شروط عقابية تخاطر بإيجاد صراعات في قاعدة مساهمي الشركة، أو حتى القضاء على قيمة الموظفين.
تقوم بعض الشركات بإعادة تسعير حصتها لتحسين الإمكانات الصعودية لأسهم الموظفين. كان تطبيق إنستاكارت للتوصيل قد خفض تقييمه الداخلي للمرة الثالثة إلى 13 مليار دولار في أكتوبر، انخفاضا من 39 مليار دولار في 2021. بالمثل، قام موقع تشيك آوت دوت كوم Checkout.com، وهو أعلى شركات التكنولوجيا الناشئة من حيث قيمة في أوروبا، بخفض تقييمه الداخلي إلى نحو 11 مليار دولار، بعد أن جمع 40 مليار دولار في جولة تقييم في كانون الثاني (يناير).
خفض التقييم الداخلي - وهو غير السعر الذي يحدده المستثمر للأسهم المفضلة للمجموعة - يفيد الموظفين من خلال تقليل تكلفة أسهم الشركة. هذا يمنح الموظفين مجالا لتحقيق مزيدا من المكاسب في حالة حدوث الصفقات مستقبلا مثل الطرح العام الأولي.
قال أحد مديري الاستثمار في ساند هيل رود، "نحن نقول للشركات في محفظتنا الاستثمارية إنه لا يجب عليك الاكتفاء بتقييم حققته قبل عامين عندما كانت السوق متضخمة بشكل غير طبيعي. من الأفضل أن تتقبل الوضع دون تذمر".