هل يتأرجح البندول من رأس المال إلى القوى العاملة؟
في بداية هذا العام، كانت هناك أحاديث عن القوة المتجددة للعمال العاديين. أدى نقص ما بعد الجائحة في القوى العاملة إلى معاناة أصحاب الأعمال لتوظيف أشخاص في جميع أنواع الوظائف، خاصة الفنادق، ومطاعم الوجبات السريعة، والمستودعات، ووظائف أخرى يمكن أن تكون فيها الأجور والظروف سيئة. ارتفعت معدلات الشواغر الوظيفية في أستراليا وكندا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا ضمن دول كثيرة أخرى.
النقابات، في الوقت نفسه، واجهت انخفاضا في العضوية لكنها بدت تنبض بالطاقة الجديدة. عزز هذا المزاج في الولايات المتحدة انتخاب جو بايدن، الذي وعد بأن يكون "أكثر الرؤساء تأييدا للنقابات". بعد أربعة عقود من سيطرة رأس المال على القوى العاملة، هل بدأ البندول في التأرجح إلى الجانب الآخر؟
مع اقترابنا من نهاية العام، من الصعب الجدال بأن 2022 كان عاما جيدا بالنسبة إلى العمال. استمر نقص العمالة وارتفع نمو الأجور بقوة في بعض الدول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. لكن الرواتب لم تواكب ارتفاع الأسعار. نتيجة لذلك، انخفضت الأجور العالمية بالقيمة الحقيقية هذا العام لأول مرة منذ بدأت السجلات القابلة للمقارنة، وفقا لمنظمة العمل الدولية.
كما انخفضت حصة القوى العاملة من الدخل العالمي، وفقا لحسابات منظمة العمل الدولية، حيث فاق نمو الإنتاجية نمو الأجور بأكبر هامش منذ 1999. في المملكة المتحدة، من المتوقع الآن أن يتبع عقدا من ركود نمو الأجور قبل الجائحة أشد انخفاض في المستويات المعيشية للأسر في ستة عقود، حسب توقعات رسمية. يستمر محافظو البنوك المركزية في القلق من أن يخرج تضخم الأجور عن السيطرة. لكن لا تبدو هذه كدوامة أجور وأسعار بالنسبة إلي. إنها تبدو كمجزرة للمستويات المعيشية.
لماذا عانى العمال مثل هذه التخفيضات الكبيرة في الأجور الحقيقية، على الرغم من ضيق سوق العمل؟ في المرة الأخيرة التي حدثت فيها موجة تضخم شديدة في السبعينيات، تمكن العمال من تأمين زيادات في الأجور عالية بما يكفي للحفاظ على مستويات معيشتهم "كانت هذه دوامة حقيقية للأجور والأسعار، وانتهت بشكل مؤلم". في المملكة المتحدة، ارتفعت الأجور الحقيقية 2.9 في المائة في المتوسط سنويا خلال السبعينيات، وفقا للاقتصادي دنكان ويلدون في كتابه Two Hundred Years of Muddling Through. في إشارة إلى استمرار الازدهار المتزايد، ارتفعت ملكية السيارات من 45 في المائة في 1970 إلى 70 في المائة في 1980.
تعمل سوق العمل بشكل مختلف تماما اليوم. أدت المستويات العالية من العولمة والأتمتة والعمل الحر إلى تغيير ميزان القوى بين العمال وأرباب العمل. كذلك تراجع عدد أعضاء النقابات العمالية، الذي انخفض إلى النصف في المتوسط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية منذ 1985. انخفضت تغطية الاتفاقات الجماعية الموقعة على المستوى الوطني أو القطاعي أو مستوى الشركات بمقدار الثلث.
ليست النقابات فقط هي المهمة بالنسبة إلى الأجور في وقت ارتفاع التضخم، بل أيضا هيكل تسويات الأجور. في الولايات المتحدة مثلا، ارتفعت نسبة العمال المشمولين في اتفاقيات المفاوضة الجماعية التي ارتبطت بالتضخم من خلال بنود "تعديل تكلفة المعيشة" من نحو 25 في المائة في الستينيات إلى 60 في المائة في أواخر السبعينيات. بحلول التسعينيات، انخفض الرقم إلى 20 في المائة، وفي 1996 توقفت الحكومة عن جمع البيانات. في منطقة اليورو، ترتبط أجور ما يقارب 3 في المائة فقط من موظفي القطاع الخاص والحد الأدنى لأجورهم بالتضخم تلقائيا، وفقا لتحليل أجراه البنك المركزي الأوروبي العام الماضي.
مع ذلك، حتى لو كافح العمال لمواكبة التضخم هذا العام نظرا لافتقارهم الهيكلي للقدرة التفاوضية، هل استخدمت النقابات هذه اللحظة لتبدأ نهضة قد تغير ميزان القوى في المستقبل؟
أعتقد أنه من المبكر اتخاذ ذلك القرار. في الولايات المتحدة، أحرزت الحركة العمالية تقدما في القطاعات التي عادة ما تعاني لجذب الأعضاء، مثل فروع "ستاربكس". لكن الجهود الشعبية الناجحة لتشكيل نقابة لمستودع أمازون في نيويورك أثبتت صعوبة تكرارها حتى الآن. كما خيب جو بايدن آمال النشطاء العماليين بعد أن تدخل لمنع إضراب السكك الحديدية. في المملكة المتحدة، فازت النقابات بتسويات أجور من أرقام زوجية لبعض العمال المطلوبين مثل سائقي الشاحنات، لكن محاولاتهم لتحسين أجور عمال القطاع العام انتهت بإضرابات واسعة النطاق. الحكومة ترفض تقديم التنازلات حتى الآن.
مع ذلك، يبدو أن المزاج قد تغير خلال الأعوام القليلة الماضية المضطربة. لقد سئم مزيد من العمال، وهم على استعداد للوقوف بشكل جماعي للمطالبة بالأفضل، ويبدو أن العامة أكثر استعدادا لدعمهم. السؤال الأهم هو إذا ما كان أي من ذلك سينجو في بيئة اقتصادية أكثر صرامة وسوق عمل أضعف، حيث يبدو كلا الأمرين وشيكا. إذا لم يكن 2022 عاما جيدا للعمال في النهاية، فلا يبدو أن 2023 سيكون جيدا للعمال أيضا.