خدمة الصحة الوطنية المنهكة تترنح نحو المواجهة الأخيرة

خدمة الصحة الوطنية المنهكة تترنح نحو المواجهة الأخيرة

قبل عامين ونصف، عندما اجتاح فيروس غير معروف الأمة، وجدت الأمل في مكان غير متوقع، خدمة الصحة الوطنية. استحوذت على الأطباء والممرضين في المستشفيات روح الزمالة الحميمة والقدرة على العمل، في تناقض صارخ مع الإرهاق المنهك الذي نراه اليوم. مع اقتراب دائرة الصحة الوطنية من المواجهة الأخيرة، بمزيج كارثي من إضراب الممرضين عن العمل لأول مرة منذ قرن وإضراب عمال الإسعاف، أتذكر تلك اللمحة عن طريقة القيام بالأمور بشكل أفضل.
مررت بتجربة غريبة ومتميزة في 2020، بصفتي مستشارة مؤقتة لوزارة الصحة. شاهدت لفترة وجيزة نظاما مجزأ يجتمع معا للقيام بما اعتقد موظفو الخطوط الأمامية أنه مناسب للمرضى، ومتحررا من بعض البروتوكولات المعتادة.
عندما اجتاح كوفيد، أعيد تدريب إخصائي صحة الأسنان، والجراحين وإخصائي العلاج الطبيعي ليكونوا ممرضين في وحدة العناية المركزة. قدم موظفو الرعاية حقن الأنسولين وكتبوا شهادات الوفاة. حتى الجمعية الطبية البريطانية، معقل التيار المحافظ، اضطرت إلى التخلي عن محاولتها لمنع طلاب الطب من رعاية مرضى كوفيد. في أحد الاجتماعات الذي حضرته عبر منصة زووم، نظمه أحد الجراحين، قال مئات الأطباء العامين والاستشاريين بشغف إنهم لم يعودوا يرغبون في العمل في صوامع، وأنهم يتعاونون بطرق جديدة، وتحرروا من مصطلحات الموارد البشرية وملء النماذج.
في ربيع 2020، كان شعارهم "يجب ألا نعود أدراجنا أبدا". لكننا فعلنا ذلك. في أقل من عام، أعادت البيروقراطية تأكيد نفسها. كان الأطباء المتقاعدون الذين تطوعوا للمساعدة على طرح اللقاح مطالبين بإجراء 18 وحدة تدريبية، بما في ذلك وحدة حول منع الإرهاب.
يتدفق "التوجيه" الممل من المركز بقوة أكثر من أي وقت مضى. يخبرني الممرضون عن الأموال التي يتم إنفاقها على فرق "التواصل" بدلا من الرعاية الصحية. كما يخبرني الجراحون أنهم يجرون عمليات جراحية أقل من التي كانوا يجرونها في فترة ما قبل الجائحة بسبب إجراءات مكافحة العدوى، وفشل أنظمة الحاسوب وتأخر الطاقم المسؤول عما قبل الجراحة عن الحضور. في العام الماضي تم إلغاء 12600 عملية بسبب أخطاء إدارية. عندما يصاب المهنيون بالإرهاق، ويواجهون تراكما يصل إلى سبعة ملايين مريض، والأجور تتراجع بالقيمة الحقيقية، فليس من المستغرب أن يغادر كثيرون أو يضربوا عن العمل.
أين ذهب كل هذا المال الإضافي؟ خلص تقرير جديد صادر عن معهد الدراسات المالية إلى أن خدمة الصحة الوطنية تعالج عددا أقل بكثير من المرضى مما كانت عليه قبل الجائحة، على الرغم من وجود مزيد من الموظفين ومزيد من الأموال "تبلغ ميزانيتها الحالية 180 مليار جنيه استرليني". التفسير المعتاد للأداء الضعيف هو أن الطلب يفوق التمويل. لكن معهد الدراسات المالية يشير إلى أن الأموال تنفق على الأمور الخاطئة.
شهدت الأعوام الثلاثة الماضية زيادات كبيرة في توظيف الاستشاريين، والأطباء المبتدئين، والممرضين، وموظفي الدعم السريري. زاد عدد الاستشاريين والممرضين والزائرين الصحيين 10 في المائة في تموز (يوليو) 2022 عن تموز 2019. لا يبدو أن هذا يترجم إلى إنتاجية أعلى، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن بعض المرضى حالتهم أشد، ويحتاجون إلى مزيد من العلاج، وجزئيا بسبب "إشغال" الأسرة من كبار السن المؤهلين للخروج، لكنهم غير قادرين على الوصول إلى الرعاية الاجتماعية.
لكن التحليل يشير أيضا إلى أن كثيرا من الموظفين الجدد هم في الرتب العليا أو الأدنى، وليس في الرتب المتوسطة. إننا نجازف بفقدان العمود الفقري للخدمة الصحية الوطنية، الممرضين المعتمدين الذين يديرون عملية تقديم الرعاية اليومية. يوجد عدد أكبر من المتخصصين وعدد أقل من الأطباء العامين والممرضين المحليين الذين يمكنهم مساعدة المرضى في المرحلة المبكرة من المرض.
حتى مع وجود كل هؤلاء الموظفين الإضافيين، لا يزال هناك كثير من الوظائف الشاغرة. لماذا؟ أوضح لي أحد المطلعين على شؤون خدمة الصحة الوطنية أنه عندما يرتفع التمويل، يزداد عدد الوظائف الممولة أيضا. لذا فإن زيادة الموارد تؤدي تلقائيا إلى نقص في القوى العاملة.
لعقود من الزمان، كان الجدل حول أعداد الموظفين عملة السياسة. عرضت الحكومات المتعاقبة شعار "مزيد من الممرضين، مزيد من الأطباء" كعلاج شامل لدرء الانتقاد. لكن عندما تضم خدمة الصحة الوطنية 200 ألف موظف أكثر مما كانت عليه في 2012، و1.2 مليون موظف في المجمل، فقد حان الوقت للسؤال عن كيفية استخدام الموظفين، وليس فقط عددهم. كتب القائمون على تقرير معهد الدراسات المالية، "يشعر الموظفون بالإرهاق بلا شك. لكن من غير الواضح أن إضافة مزيد من الموظفين أو الأموال ستؤدي على الفور إلى فك قيود النظام".
هناك فرصة لتغيير الحوار. يبدو أن ويس ستريتنج، وزير الصحة في حكومة الظل من حزب العمال، مستعد للقيام بذلك تماما. قال أخيرا، "لا أخشى تولي المصالح الخاصة" - بما في ذلك داخل حزبه.
إذا كان على خدمة الصحة الوطنية والخطوط الأمامية أن تبذل قصارى جهدها من أجل المرضى، فنحن بحاجة إلى ثورة في الإدارة التنظيمية. استعرض الجنرال سير جوردون ماسنجر، النائب السابق لرئيس هيئة الأركان، أخيرا، حالة قيادة خدمة الصحة الوطنية وخلص إلى وجود "قصور مؤسسي" في الطريقة التي "يتم بها تدريب المديرين وتطويرهم وتقييمهم". حتى لو كانت عملية الإصلاح صعبة، فإن التغيير أمر حيوي الآن، لاستعادة الاستقلال والاحترام والدعم المناسب.
شكل كوفيد تهديدا مباشرا دفع متخصصي خدمة الصحة الوطنية لمواجهة تحد في مهنتهم. تبدو هذه الأزمة مختلفة تماما، كدح يائس لإنجاح المهام كل يوم، حيث كل شيء مستعجل وملح.
اعتاد نايجل إدواردز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة نوفيلد ترست، على المزاح أنه في خدمة الصحة الوطنية، "الأسبوع المقبل سيكون استراتيجيا، الأسبوع الذي يليه هو المستقبل الذي لا يمكن تصوره". لم يعد الأمر مزحة. ما لم يتمكن القادة من إظهار أن هناك مستقبلا أفضل، فلن يتمكن أي عدد من الموظفين الجدد من حل المشكلة.

الأكثر قراءة