امتداد سلاسل الإمداد «2 من 2»
لم يفلت من تداعيات الجائحة إلا القليل من حلقات سلسلة الإمداد، التي أصبح بعضها مادة ثابتة في التقارير الإعلامية، مثل ندرة المعروض من أشباه الموصلات على نطاق واسع. بل إن الموانئ باتت هي الأخرى نقاط اختناق للتجارة العالمية، مع تكدس سفن الحاويات خارج المرافئ الرئيسة.
وبالتالي، كانت مشاركة الدول في سلاسل الإمداد العالمية أثناء الجائحة جالبة للتكاليف والمنافع في الوقت ذاته. فمن جهة، عرضت هذه المشاركة الدول لعواقب الإغلاق العام وإغلاق المصانع في الدول الأخرى. من جهة أخرى، سمحت المشاركة بالحصول على إمدادات من السلع الأجنبية في وقت تضرر فيه الاقتصاد المحلي بضراوة من جراء الجائحة. إجمالا، تشير الأدلة إلى أن سلاسل الإمداد العالمية أحسنت التكيف أثناء الجائحة، حيث حلت الدول الأقل تضررا نسبيا محل الدول الأشد تضررا من الجائحة.
ما مستقبل سلاسل الإمداد؟
كشفت انقطاعات سلاسل الإمداد في أعقاب الجائحة عن أهمية الصلابة في مواجهة الأزمات ـ أي قدرة سلاسل الإمداد على مواصلة العمل حتى عند الإصابة بصدمات. وفي الآونة الأخيرة، أدت موجة تفشي المتحور أوميكرون والحرب في أوكرانيا، إلى زيادة عدم اليقين المحيط بسلاسل الإمداد. وفي أعقاب ذلك كله، تعكف المؤسسات وصناع السياسات حاليا على مناقشة عدة خيارات من شأنها إعادة صياغة سلاسل الإمداد:
أولا، دعا بعضهم إلى "إعادة توطين النشاط" ـ أي الانفصال عن سلاسل الإمداد العالمية عبر نقل الإنتاج الخارجي إلى بلده الأصلي.
ثانيا، نادى بعضهم بزيادة التنوع ـ أو بعبارة أخرى، زيادة عدد الموردين الأجانب لأي مدخل، حتى إن أدى ذلك إلى زيادة في التكاليف. ويتيح ذلك للمنتجين تجاوز صدمات التوريد بصورة أفضل، ما لم تضرب الصدمة جميع الدول الموردة في آن واحد.
ثالثا، قد تقرر الشركات الاحتفاظ بمخزون زائد. ذلك أن الاحتفاظ بمستوى أعلى من المخزون يجعلها أقدر على تجاوز صدمات التوريد المؤقتة.
ولم تهدأ بعد توابع صدمة الجائحة على سلاسل الإمداد، غير أن الأدلة الاقتصادية المتاحة حتى الآن لا تفضل اللجوء إلى منهج إعادة توطين النشاط. فالسعي إلى الاعتماد على الذات فقط من شأنه أن يجعل الإنتاج أقل كفاءة، وليس هناك من الأدلة المتاحة ما يشير إلى أن ذلك سيعزز الصلابة. إنما تشبه هذه الاستراتيجية ما يحدث حين تضع في سلة محلية واحدة كل ما تملكه من بيض يمكن أن يوزع على سلسلة الإمداد. ويمثل التنويع وزيادة التخزين، في الأساس، استراتيجيتين تأمينيتين. ويتعين على الدول والشركات تحديد قيمة قسط التأمين الذي يمكنها سداده. فبالفعل، وجود موردين إضافيين أو الاحتفاظ بمخزون إضافي لا يتحقق بلا مقابل.
لذلك يواجه صناع السياسات والشركات المهمة الصعبة التي تتمثل في الموازنة بين الحاجة إلى اكتساب الصلابة والاستعداد لدفع تكلفة التأمين. ويرتهن الخيار المثالي بالظروف الخاصة بكل بلد ومدى قدرته على تحمل المخاطر. وعلى الرغم من ذلك، يبدو من المتوقع أن يستمر الجدل الدائر حول مدى الاندماج المناسب في سلاسل الإمداد العالمية. في نهاية المطاف، قد يكون هذا هو الذي سيحدد ما إذا كنت ستجد منتجات للبيع أو رفوفا خاوية عند زيارتك المتجر في المرة المقبلة.