العلاجات الجينية .. من يتحمل التكلفة؟
كان روب شرودر مضطرا في معظم حياته إلى أخذ حقنة مخثرة للدم بانتظام، لوقف النزيف غير المسيطر عليه، الناجم عن الاضطراب الوراثي المسمى هيموفيليا ب.
لكن حياته تغيرت تماما قبل أربعة أعوام، بعد أن تطوع ليصبح من أوائل المرضى في الخضوع لعلاج جيني تجريبي يسمى هيمجينيكس.
قال شرودر من مونكلوفا في أوهايو لـ"فاينانشيال تايمز"، الذي يعمل ممثلا لشركة أدوية، "لم أصب بالنزيف أبدا منذ أن تلقيت العلاج. لقد حققت فعليا أقصى طموحاتي التي كنت أحلم بها مع هذا العلاج".
وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية الشهر الماضي على دواء هيمجينيكس، الذي طورته شركتا سي إس إل بهرينج ويونيكيور، الذي يؤخذ بجرعة واحدة تحقن في الوريد. وهو العلاج الجيني الخامس الذي يستهدف الأمراض النادرة، الذي يحصل على موافقة المنظمين الأمريكيين منذ 2017، ما يؤكد إمكانات هذه الفئة الجديدة من الأدوية في علاج أو الشفاء في بعض الحالات من الأمراض النادرة والسرطانات والحالات الأخرى.
العلاجات الجينية التي تعمل عن طريق إضافة جين جديد أو إصلاح جين متغير داخل الجسم، يمكن أن تؤدي إلى تحسين الاضطرابات الصحية بشكل كبير عن طريق إصلاح المسبب الأساسي لها، بإعطاء العلاج مرة واحدة في العادة. لكنها أدوية معقدة يمكن أن تكون لها آثار جانبية خطيرة، كما أنها تباع بأسعار مرتفعة للغاية.
تبلغ تكلفة دواء هيمجينيكس من شركة سي إس إل 3.5 مليون دولار للجرعة الواحدة، ما يجعله أغلى دواء في العالم. كما أن عقاري سكايسونا وزينتيجلو للعلاج الجيني يستهدفان مرضا نادرا في الدماغ، ينشأ في الطفولة واضطراب دم وراثي، حيث طورتهما شركة بلوبيرد بايو للتكنولوجيا الحيوية ومقرها كامبريدج في ماساتشوستس، وهما ثاني وثالث أغلى الأدوية الموجودة في السوق. يبلغ سعرهما للجرعة الواحدة ثلاثة ملايين دولار للأول و2.8 مليون دولار للثاني.
يحذر خبراء الصحة من أن تكاليف العلاجات الجينية قد تحد من رغبة شركات التأمين العامة والخاصة في تغطية تكاليفها، وأنها لن تجعلها متاحة لعديد من المرضى. مع وجود أكثر من ألف علاج جيني وخلايا ما زالت تخضع للتجارب السريرية، هناك مخاوف من أن الأنظمة الصحية يمكن أن تتعثر تحت ضغط التكاليف قصيرة الأجل لتلبية الطلب على هذه العلاجات.
كانت شركة بلوبيرد بايو قد سحبت "زينتيجلو" من السوق الأوروبية العام الماضي، وهو علاج جيني يعطى مرة واحدة لعلاج اضطراب الدم المسمى ثلاسيميا بيتا، بعد فشل الشركة في إقناع الحكومات بتغطية سعره البالغ 1.8 مليون دولار. قالت الشركة للمحللين "إن جهات الضرائب الأوروبية لم تطور نهجها تجاه العلاج الجيني على نحو يقدر الابتكار". ووصفت مبادئ النظام الأوروبي بأنها "محبطة بوضوح" وأنها "لا تحمي الاستثمار".
اضطرت شركة بلوبيرد إلى خفض التكاليف عن طريق تقليص عدد موظفيها 30 في المائة بعد سحبه من أوروبا، حيث بدأت الآن تستهدف المبيعات في الولايات المتحدة، بعد موافقة المنظمين على دواء زينتيجلو في آب (أغسطس).
ميجيل فورتي، رئيس الجمعية الدولية للعلاج بالخلايا والجينات، وهي مجموعة تضم الأطباء والباحثين وشركاء الصناعة الذين يدعمون تطوير هذه الأدوية، قال "إن سحب هذا العلاج المثبت كان مخيبا للآمال وإنه في حال تكرار ذلك سيكون مصدرا كبيرا للقلق"، وأضاف "أعتقد أن النقاش حول القدرة على تحمل التكاليف هو مسألة ضرورية لأننا نحتاج إلى ضمان إتاحة هذه الأدوية المبتكرة للمرضى، كما أننا نحتاج أيضا إلى التعرف عليها أكثر وتطوير منتجات جديدة".
على النقيض من ذلك، فإن دواء زولجينسما، العلاج الجيني لضمور العضلات الشوكي من شركة نوفارتيس، الذي كان الأغلى تكلفة في العالم عندما ظهر أول مرة في 2019، بيع بأعداد جيدة في أعوامه الأولى، ثم ارتفعت المبيعات 36 في المائة على أساس سنوي في 2021، حيث توسعت شركة الأدوية السويسرية في وصولها إلى أوروبا والأسواق الناشئة. لكن المبيعات تراجعت في الربع الأخير 15 في المائة، وعزت الشركة ذلك إلى تباطئها حيث كانت تعمل على إضافة أسواق جديدة. قالت شركة نوفارتيس "إنها لا تعتقد أن انخفاض المبيعات له صلة بتقارير عن وفاة طفلين استخدما العقار".
قال فورتي "إن منتجات العلاج الجيني قد تكون باهظة الثمن، لكنها توفر فوائد هائلة للمرضى والأنظمة الصحية على حد سواء"، وأضاف أن "طبيعة استخدام هذه العلاجات الشافية لمرة واحدة تحسن نوعية الحياة لمن يعانون الأمراض النادرة، ويمكن أن توفر لهم الأموال على المدى الطويل من خلال تقليل الحاجة إلى العلاج الطبي أو استبعاده تماما... إذا لم نتمكن من التوفيق بين التكاليف والتعويضات، فسنفشل في توفير فرص العلاج المناسبة للمرضى".
تقول صناعة الأدوية الحيوية "إن الأسعار المرتفعة ضرورية لتغطية تكاليف تطوير العلاجات الجينية، التي تبلغ خمسة مليارات دولار، أي ما يقارب خمسة أضعاف تكلفة الأدوية التقليدية. وعادة ما تكون الأسواق ضيقة لمثل هذه الأدوية، كما أن عمليات التصنيع والتنظيم المعقدة تؤدي في المعتاد إلى الانتظار لفترات زمنية طويلة قبل أن تصبح العلاجات متاحة".
ضخ المستثمرون والشركات العام الماضي مبالغ قياسية بلغت 22.7 مليار دولار في العلاجات الخلوية والجينية والأنسجة، مقارنة بـ19.9 مليار دولار في العام السابق، وفقا لتحالف الطب التجديدي، وهي مجموعة ضغط تمثل الشركات الكبيرة والصغيرة في هذا القطاع.
أما في الوقت الحالي، فتعد مبيعات علاجات الجينات والخلايا متواضعة نسبيا عند نحو أربعة مليارات دولار في 2021، لكن من المتوقع أن ترتفع هذه المبيعات إلى 45 مليار دولار بحلول 2026، حيث تمت الموافقة على عشرات العلاجات الأخرى، وفقا لشركة إيفاليويت فارما المختصة في معلومات السوق. لكن تحقيق نمو المبيعات هذا يعتمد على استعداد الحكومات وشركات التأمين وغيرهم من دافعي ثمن الرعاية الصحية في الدول الغنية لتغطية تكلفة العلاج.
قالت ميريث باسي، المديرة التنفيذية لمنظمة بايشنتس فور أفوردابل دراجز ناو، وهي مجموعة مناصرة "لا يستطيع نظامنا الصحي دفع أي مبلغ تطلبه شركات الأدوية مقابل هذه الأدوية الجديدة - مهما كانت ثورية. يعد دواء هيمجينيكس ابتكارا يغير حياة المرضى الذين يستطيعون تحمل تكلفته، لكن هذا الابتكار الجديد لا قيمة له بالنسبة إلى الذين لا يستطيعون تحمل تكلفته (...) بهذه الأسعار ستشل قدرتنا في النهاية على الدفع في كل من التأمين العام والخاص".
قال بوب لوجيفسكي، نائب الرئيس الأول والمدير العام لشركة سي إس إل في أمريكا الشمالية، "إن سعر 3.5 مليون دولار لدواء هيمجينيكس مبرر، لأنه ربما هو العلاج الأكثر فاعلية في العالم، وسيحقق توفيرا كبيرا على المدى الطويل... إن بعض الخصومات ستكون متاحة أيضا لشركات التأمين الصحي والجهات التي تدفع تكاليف العلاج".
وأضاف "إنه لأمر مؤسف أن يكون سعر الدواء هو العنوان الرئيس وليس السلامة والفاعلية والوعد بالعلاج. لو تفكرت في العلاج مدى الحياة لمريض هيموفيليا ب، فسترى أن التكاليف تزيد على 20 مليون دولار، مقابل الرعاية الصحية لهؤلاء المرضى".
خلصت مراجعة أجراها معهد المراجعة السريرية والاقتصادية، وهي هيئة مستقلة للرقابة على الأدوية، إلى أن السعر الذي بلغ 2.96 مليون دولار لدواء هيمجينيكس مبرر بسبب فاعليته، وقال "إن المرضى الذين عولجوا بنجاح بدا أنهم شفوا من المرض، على الأقل لفترة من الوقت"، على الرغم من أن المعهد حذر من أنه لا يزال هناك شك كبير في إثبات أن نجاح العلاج سيكون مستداما على المدى الطويل.
قالت مجموعة أيه إتش آي بي، وهي مجموعة تمثل أكثر من 1300 شركة توفر التأمين الصحي لـ200 مليون أمريكي، "إن أعضاءها لا يمانعون من دفع ثمن أدوية العلاج الجيني، طالما أنها تستطيع إثبات فاعليتها وقيمتها مقابل هذا السعر".
وأضافت أنه "من المحتمل أن تضع شركات التأمين قيودا للتأكد من أن الأشخاص الأكثر ملاءمة للعلاج فقط يمكنهم الحصول عليه، وأنه سيعمل بالمدفوعات المشتركة من المرضى".
وقال سيرجيو سانتيفياجو، نائب رئيس سياسات الأدوية في مجموعة أيه إتش آي بي، "هناك كثير من الأمور التي تحدث في حالة دواء هيمجينيكس. فهو علاج. ولا يستخدم أكثر من مرة واحدة. إنه يساعد المصابين بالهيموفيليا ب، ممن لا يتوافر أمامهم كثير من خيارات التداوي الأخرى".
وأضاف "إن شركات التأمين تبحث في طرق الدفع القائمة على المخاطر للتغلب على تحديات تغطية العلاجات المكلفة التي لم تثبت فاعليتها، في معظم الحالات، في الاستمرار على مدى أطر زمنية أطول. مثلا، وافق الأعضاء على صفقة لتغطية تكاليف دواء زينتيجلو، التي تنص على أن تقوم شركة بلوبيرد بايو برد 80 في المائة من التكلفة إذا استمر المرضى في الحاجة إلى نقل الدم خلال عامين من تلقي العلاج".
لكنه قال "إن اقتصادات تغطية العلاجات الجينية ستصبح أكثر صعوبة عندما يصبح عدد كبير من المرضى مؤهلين لتلقي علاجات بملايين الدولارات، خاصة إذا لم يكن هناك دليل قوي يدعم فاعلية التداوي بها".
هناك اختبار مهم يلوح في الأفق مع الموافقة المتوقعة العام المقبل في الولايات المتحدة على العلاج الجيني الذي يستهدف مرض الخلايا المنجلية، الذي تم تطويره بواسطة فيرتيكس "فارماسوتيكلز" و"كرسيبر ثيرابيوتكس". حيث يتعايش نحو مائة ألف أمريكي مع مرض فقر الدم المنجلي في الولايات المتحدة، مقارنة بنحو 30 ألف شخص فقط مصابين بمرض الهيموفيليا ب.
كانت دراسة لتقييم تأثير العلاجات الجينية في ميزانيات الولاية في الولايات المتحدة، التي نشرت العام الماضي في مجلة جاما بيدياتريكس، قد خلصت إلى أن العلاج الجيني الناجح لمرض الخلايا المنجلية من شأنه أن يسبب مشكلات في القدرة على تحمل التكاليف لعديد من خطط التأمين لشركة ميديك أيد.
قال باتريك ديمارتينو، الطبيب المتخصص في رعاية الأطفال الذين يعانون اضطرابات الدم والمؤلف المشارك في دراسة مجلة جاما "بينما تحظى العلاجات ذات الأسعار الضخمة باهتمام كبير، فإن ما يميل إلى أن يكون أكثر أهمية من وجهة نظر الدافعين لها هو عدد المرضى".
وأضاف "من وجهة نظر حصول المريض على الدواء والدعم الذي نقدمه له، إذا كان هناك تأخير في الوصول إلى الدواء من حيث القيود على الجهات الدافعة، فسيكون ذلك كابوسا للعلاقات العامة. أعتقد أن ذلك سيضر بالناس، لكنه سيجلب أيضا سمعة سيئة للغاية للدافعين".