الاضطراب الكبير بدأ للتو

الاضطراب الكبير بدأ للتو

اقترب موعد نهاية العام، ومعه نصل إلى طقوس العمل الراسخة للمحللين الذين يصدرون توقعات العام المقبل. في الأغلب ما تكون مصحوبة باستطلاعات تتبع الشعور.
فوجئت بأحد هذه الاستطلاعات الذي أجرته شركة أليكس بارتنرز الاستشارية العالمية. استطلعت الشركة آراء نحو ثلاثة آلاف مدير تنفيذي في جميع أنحاء العالم حول تجاربهم، وخلصت إلى أن ثلاثة أرباعهم تقريبا يواجهون مستوى عاليا من الاضطراب بسبب الأحداث العالمية الجارية حاليا، في حين يعتقد 70 في المائة أن وظائفهم في خطر. كما تعتقد نسبة لافتة للنظر تبلغ 98 في المائة أن نماذج أعمالهم يجب أن تتغير في الأعوام الثلاثة المقبلة.
سيكون من الخطأ استخلاص دروس نهائية من استطلاع واحد، خاصة من استطلاع أجراه مستشارون تتمثل وظيفتهم في إيجاد مشكلات لحلها. مع ذلك، فإن رسالة "أليكس" ليست فريدة من نوعها. فقد أظهر استطلاع أجرته مجلة "تشيف إكسكيوتف" أنه على الرغم من أن أغلبية قادة الأعمال يتوقعون رؤية عوائد أفضل خلال الأشهر الـ12 المقبلة، وأنهم أكثر ثقة بهذا الأمر بشكل طفيف مما كانوا عليه في الشهر الماضي، فإن الشعور نفسه "بعدم اليقين العالمي والمحلي" يستحوذ على تفكير الناس.
في الواقع، عندما أتحدث إلى قادة الأعمال الآن، تظهر كلمتا "الاضطراب" و"عدم اليقين" بشكل متكرر. يقول آدم توز، كاتب عمود في "فاينانشال تايمز"، إضافة إلى كونه أستاذ تاريخ في جامعة كولومبيا، "بالنسبة إلى ما كان عليه الأمر في العقود الأخيرة، فإن هذا الشعور بالارتباك جديد". في عمود حديث، أنعش الكلمة الطنانة القديمة، "الأزمات المتعددة"، لوصف الإحساس الحالي بصدمات متعددة متتالية. هذا الاضطراب ليس التدمير الإبداعي السطحي الذي تم الدفاع عنه خلال حقبة شركات اليونيكورن الناشئة. هذا الاضطراب سيئ.
ما الذي يفسر كل هذا الخوف؟ يعاني العالم صدمات ناتجة، من بين أشياء أخرى، عن الحرب في أوكرانيا وظهور الذكاء الاصطناعي وجائحة كوفيد- 19. يظهر استطلاع "أليكس" أن 88 في المائة من المشاركين يعتقدون أنه ينبغي لهم إعادة تشكيل سلاسل التوريد الخاصة بهم للتعامل مع تفكك العولمة، في حين أن أغلبية أقل نسبتها 56 في المائة تعتقد أن الابتكار التكنولوجي يحدث بسرعة بحيث لا يمكن لشركاتهم مواكبته.
بعيدا عن التهديدات المحددة، أظن أن هناك تفسيرا آخر يتمثل في الصدمة الإدراكية. بنى معظم قادة الأعمال اليوم - إلى جانب أي شخص آخر من الجيل إكس - حياتهم المهنية في عالم كان من الطبيعي أن نتوقع فيه شعورا بالاستقرار، وأن يكونوا قادرين على التنبؤ على المدى الطويل. كان أواخر القرن الـ20 وأوائل القرن الـ21 هو الوقت الذي انتشرت فيه عبارة رنانة أخرى، "الاعتدال الكبير". كانت تلك هي الفكرة القائلة إن التضخم كان منخفضا والنمو مستقرا لدرجة أن دورة العمل كانت شبه ميتة.
كما كان ذلك وقتا نشر فيه المؤرخ فرانسيس فوكوياما كتابا بعنوان "نهاية التاريخ والرجل الأخير"، وعلى الرغم من أن فوكوياما أوضح منذ فترة طويلة أنه لم يعتقد حقا أن "التاريخ" قد توقف، فإن الفكرة الأساسية التي استوعبها هذا الجيل هي أن التاريخ كان يسير بلا هوادة في اتجاه واحد، ليصبح أكثر ديمقراطية وأكثر عولمة وأكثر رأسمالية. تم تعريف كل هذا على أنه "تقدم".
لكن منذ 2008، شهدنا الطريقة التي يمكن أن يسير بها التاريخ في الاتجاه المعاكس، فقد تعرضت العولمة ورأسمالية السوق الحرة والديمقراطية للهجوم.
في الوقت نفسه، ظهر الاعتدال العظيم على أنه وهم أو ربما بشكل أدق، قطعة من الهندسة المالية استحضرتها لفترة من الزمن شروط ائتمانية فضفاضة للغاية. لم يعد يبدو التنبؤ بالـ50 عاما المقبلة عقلانيا للغاية.
قد يقول بعض إن هذا التأرجح مجرد حالة من عودة العالم إلى العرف التاريخي. في النهاية، واجهت معظم البشرية في معظم العصور حالة من عدم الاستقرار، وفي كثير من الأحيان، تعرضت للعنف. العقود القليلة الماضية كانت الاستثناء وليس العكس.
هذا لا يبعث على الارتياح للأفراد الموجودين في الخطوط الأمامية للأزمات. يفترض البشر أن الظروف التي نشأوا عليها "طبيعية" وأن كل شيء آخر ليس كذلك، وأظن أن معظم المشاركين في الاستطلاع قد يفترضون أننا سنعود قريبا على الأرجح إلى الاستقرار الذي شهدناه في الماضي.
بطريقة ما أشك في حدوث ذلك. النقطة الأساسية التي يجب تذكرها هي ما يلي، يظهر التاريخ أن الاضطرابات الناجمة عن الحرب، أو أي شيء آخر، لا توجد تكاليف باهظة فحسب، بل فرصا للبعض أيضا. ولدت شركة سوني عندما حطمت الحرب العالمية الثانية المجتمع الياباني الذي كان صلبا في السابق. وأصبحت أمريكا مهيمنة على الإنتاج الصناعي العالمي بعد الدمار الذي لحق بأوروبا. إن كلمة "الاضطراب"، في النهاية، تأتي من الكلمة اللاتينية "التفكك".

الأكثر قراءة