البصمة السعودية .. من الطاقة والسياسة إلى الرياضة والثقافة

البصمة السعودية .. من الطاقة والسياسة إلى الرياضة والثقافة

هل تذكرون التحدي الشهير في تويتر بين مرزوقة وأبو قحط؟ المسابقة التي وقعت في مايو 2020 كانت قيمتها 500 ريال فقط، لكن سرعان ما شارك نحو مليون شخص في دعم الثنائي، بوضع علامة إعجاب على صورتيهما، حيث تخطت القصة العالم العربي، من نادين نجيم وهيفاء وهبي وأحلام ومحمد هنيدي، واصلة إلى نجم كرة القدم الإسباني فابريجاس وزوجته اللبنانية دانيلا سمعان، مع دخول أندية مانشستر سيتي ويوفنتوس ودورتموند على الخط، بغرض الاستفادة من شعبية الجماهير السعودية لتعزيز حساباتها التويترية.
القصة تكررت أخيرا وعلى نطاق عالمي أوسع، بالتأكيد "أين ميسي؟"، إذ لم يكن المشجع السعودي الذي أطلق تلك العبارة، احتفالا بفوز بلاده التاريخي على منتخب الأرجنتين 2 - 1 في مونديال قطر 2022، يتخيل أن جملته البسيطة ستنتشر عالميا فقط، بل ستصبح أول شعار حقيقي يردده ملايين، معبرين به عن كأس العالم، وهو ما تلقفته وسائل الإعلام العالمية التي صدرت تلك الجملة بعد المباراة، لكن الأهم أن العبارة تفاعلت مع ثقافات الشعوب، فاستخدمها التونسيون بعد انتصارهم على فرنسا مرددين "وير إز مبابي"، وتغنى بها الكاميرونيون بعد فوزهم على البرازيل فهتفوا "وير إز نيمار"، حتى اليابانيون عبروا عن فرحتهم بـ"وير إز موراتا"، في إشارة إلى مهاجم المنتخب الإسباني، كما أضحت العبارة شائعة على منصات "يوتيوب" و"تيك توك" و"سناب شات" لتصبح أيقونة لجميع صناع المحتوى عالميا.
ما حدث أعاد إلى الأذهان، عبارة "متصدر لا تكلمني" التي ظهرت لأول مرة كتعبير عن تفوق نادي النصر السعودي في دوري المحترفين 2014، بعدها صارت ماركة لأندية عربية وعالمية مثل الأهلي والزمالك في إفريقيا، والكويت ولخويا في الخليج، بل ووصلت إلى إنجلترا، حين استخدمها فرانك لامبارد، نجم وسط تشيلسي الإنجليزي السابق، في حين رددها بعد تصدر فريقه للبريميرليج، وبعد ثمانية أعوام تعود الجملة نفسها، لكن تلك المرة على لسان جماهير أسود الأطلسي وتأهل المنتخب المغربي للدوري الثاني متصدرا مجموعته، قبل أن يواصل الإنجاز ويصعد إلى دور الثمانية كأول فريق عربي يصل إلى هذه المنزلة.
الهتافات للمدرجات والشعارات للمنتخبات والفن للشوارع، قاعدة سعودية طبقتها جماهير المملكة في ميادين الدوحة، وتوضح صحيفة "لوموند الفرنسية"، أنه في ظل رقصات مثل العرضة النجدية والسامري والخبيتي، لم يجد جماهير المونديال مفرا سوى الإمساك بالسيف واتباع الإيقاعات السعودية، وترديد "يأكلك أكل البرشومي.. يأكلك حبة حبة"، تلك الجملة التي ألهمت فتيات المكسيك حتى وقعت إحداهن من الرقص، أما جماهير التانجو فتناسوا الهزيمة قليلا حين انضموا إلى السعوديين يستمعون لأغاني محمد عبده فيطربون بـ"الأماكن" ويسحرون بـ"صوتك يناديني"، وحين أرادوا إشعال حماسهم أمسكوا بالسيف وتراقصوا به.
أما آخرون فذهبوا أبعد، حين قضوا سهراتهم مع "الشيلات"، هذا الفن المستوحى من الموروث الشعبي السعودي، وقد ظهر أول مرة عام 2005، وسرعان ما وصل إلى مستمعيه في المدن العربية، بغداد، عمان، القاهرة وصنعاء، ومنه إلى الأهواز وخارج الشرق الأوسط، حيث الدول الغربية، فصاروا يستمعون للمواويل التي ينشدها فنانون مثل فهد بن فصلا ومهنا العتيبي ونادر الشراري وفهد المطيري، مرددين إياها، ومن ناحية أخرى كانت تلك من أبرز وسائل انتشار كلمات اللغة العربية بين الدول غير الناطقة بها.
بعد الهتاف السعودي والطرب السعودي والرقص السعودي، كان طبيعيا أن يشعر الجميع بالجوع، وأن يكون الطعام أيضا سعوديا، ذلك ما كشفته تقارير صحافية حين تحدثت عن أن بعثة منتخب المكسيك طلبت أن تكون "الكبسة والجريش" هي الأطباق الرئيسة قبل مواجهة منتخب الصقور في دوري المجموعات، ظنا منهم أنها تمنح الطاقة والقوة، وذلك سر ظهور لاعبي "الأخضر" بهذا التألق أمام الأرجنتين، وتمتع منتخب الـ"إل تري كولر" وجماهيره، بالدجاج المغطى بالزيت والسمن، والتهموا الأرز المحمل بالتوابل. فيما يعد المطبخ السعودي من ألذ المطابخ العالمية بأصنافه الفريدة مثل الحنيذ والجريش والكليجا القصيمية، التي تبحث الآن عن تسجيل اليونيسكو، كتراث غير مادي.
التراث السعودي تفرد في مونديال قطر 2022، فلم تكن في حاجة إلى معرفة جنسية من حولك إذا رأيته يرتدي الشماغ الأحمر أو الغترة البيضاء، بعد أن تهافتت عليه جماهير الـ32 دولة المشاركة في المونديال، ليرتدوه على الطريقة السعودية، فأصبح بإمكانك أن ترى برازيليا يرتدي الشماغ، وأمريكيا بالعباءة، وهولنديا يطلب قهوة عربية. وقد عبر عديد من الجماهير في تقارير تلفزيونية عن سر إقبالهم على نسفة العقال، على سبيل التذكار حين يعودون إلى بلادهم، فيما اعترف آخرون بأن الغترة اختراع طريف، لتبريد الرأس خلال التشجيع بسبب حرارة الأجواء.
كل ذلك تزامن مع نجاح السعودية سابقا، في إدراج عدد من العناصر العربية ضمن لائحة التراث الثقافي غير المادي في منظمة اليونيسكو في الأمم المتحدة، مثل البن الخولاني، وحداء الإبل، والقهوة السعودية، والنخلة، والقط العسيري، والخط العربي، والعرضة النجدية، كتجسيد للهوية الوطنية والافتخار بها. وإذا كان حسن المستكاوي، الناقد المصري الكبير، أكد أن هزيمة السعودية للأرجنتين دفعت جميع منتخبات العالم إلى إعادة النظر في خططهم الفنية، بل وألهمت أكاديميات الكرة لتقديم نظريات جديدة داخل المستطيل الأخضر. ويمكن تلخيص البصمة الثقافية للسعودية في المونديال، بعود فاخر في علبة خضراء، يراهن على جودته ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بعد أن وضع أبناؤه السعوديون بامتياز علامة "السيفين والنخلة"، في عدة ملفات ضخمة، أولها السياسة والطاقة وآخرها الثقافة والرياضة.

الأكثر قراءة