تقييد النفط الروسي يهدد برفع تكلفة المعيشة في أوروبا .. ترقب لرد فعل موسكو
يرى المحلل البريطاني تيموثي آش، أن الغرب منذ بدء حرب روسيا في أوكرانيا، سعى جاهدا إلى التوصل إلى إجابة عن السؤال الصعب المتمثل في كيفية كبح تدفقات الأموال التي تحصل عليها روسيا من بيع نفطها، وكيف يمكن منعها من جني أرباح الطاقة، وفي الوقت نفسه حماية اقتصاداتهم أيضا من ارتفاع الأسعار.
وبعد أشهر من الجدال والنقاش بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، اتفقت دول الاتحاد أخيرا على خطة لحظر الواردات البحرية من النفط الروسي وفرض سقف للسعر يبلغ 60 دولارا للبرميل.
وأضاف المحلل البريطاني تيموثي آش، في تحليل نشره معهد تشاتام هاوس البريطاني (المعهد الملكي للشؤون الدولية)، أن قرار الاتحاد قوبل بردود فعل متباينة من الدول الأعضاء في الاتحاد، مشيرا إلى أن كل العيون تتجه الآن إلى روسيا لرؤية كيف سيكون رد فعلها على الخطوة الأخيرة.
وعد آش أن طريق التوصل إلى اتفاق سريع بشأن وضع سقف لسعر النفط الروسي لم يكن سهلا، فقد تشكلت مجموعتان متعارضتان داخل الاتحاد وهو ما أخر الاتفاق السريع على سقف لسعر النفط، وفقا لـ"الألمانية".
ويقود إحدى المجموعتين الصقور في بولندا ودول البلطيق الذين يؤكدون أن أسرع طريقة لمواجهة روسيا هي العمل على خفض عائداتها من الطاقة عن طريق سقف سعر النفط إلى ما يراوح بين 20 و30 دولارا للبرميل - وهو سعر أقل كثيرا من تكلفة الإنتاج التي تبلغ نحو 40 دولارا للبرميل. وعلى الجانب الآخر ترى المجموعة الأخرى، التي تقودها المجر وتشمل دولا مستوردة للطاقة الروسية بكميات أكبر مثل ألمانيا والنمسا، إضافة إلى فرنسا، أن فرض أي سقف منخفض للغاية سيخاطر بالتسبب في زعزعة استقرار أسواق الطاقة العالمية.
وتزعم هذه المجموعة الثانية أن هذه الخطوة ستؤدي إلى زيادة أكبر في أسعار الطاقة وهو ما سيفيد روسيا، وفي الوقت نفسه سيؤدي إلى فرض عبء اقتصادي أكبر على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تستورد الطاقة. ورأى آش أن هناك خوفا لدى المجموعة الثانية من أن أي شيء يمكن أن يقيد الإمدادات ويتسبب في أزمة في تكلفة المعيشة في أوروبا سيقوض في نهاية الأمر الإرادة السياسية الشعبية لاستمرار الدعم الأوروبي لأوكرانيا في مواجهة روسيا.
وتابع آش، الزميل المشارك في برنامج روسيا وأوراسيا بمعهد تشاتام هاوس، أنه يمكن القول إن العوامل المختلفة بين المجموعتين هي تصوراتهما للمخاطر بشأن روسيا والثقة بالدعم الشعبي لأوكرانيا والاستعداد لتحمل الألم الاقتصادي في هذه القضية.
وأوضح أن دولا مثل بولندا ودول البلطيق تنظر إلى روسيا باعتبارها تهديدا وجوديا لها، في حين أن دول غرب أوروبا تميل تصوراتها للمخاطر من جانب روسيا إلى الاعتدال.
وتم التوصل الآن إلى حل وسط يتركز على تحديد سقف لبيع النفط الروسي عند 60 دولارا للبرميل، وساعد على التوصل إلى إجماع حول هذا الرقم العقوبات المفروضة بالفعل، كما أن مخاوف الحوكمة البيئية والاجتماعية تجبر روسيا بالفعل على بيع نفطها بثمن أقل كثيرا عن أسعار النفط العالمية. على سبيل المثال، يتم حاليا بيع نفط الأورال بسعر يقترب من 60 دولارا للبرميل، بخفض بنسبة 27 في المائة عن سعر خام القياس العالمي "برنت".
ويمكن القول إن هذا السقف السعري الميسر ونظام العقوبات العامة الأوسع نطاقا ضد روسيا يساعدان في تقليص أي أرباح استثنائية للنفط والطاقة.
وفيما يتعلق برد روسيا، فقد هددت بوقف مبيعات النفط لأي دولة تشارك في فرض سقف لسعر النفط الروسي، مؤكدة أن القرار ليس له تأثير بالغ في قطاعها النفطي.
ويؤكد القرار الجهد الكبير الذي بذله الغرب من أجل الموافقة على سقف لسعر النفط الروسي وصعوبات تطبيق العقوبات على دول مثل روسيا التي تلعب دورا في سلسلة الإمداد العالمية (النفط والطاقة في هذه الحالة). والهدف من العقوبات دائما يكون الإضرار بالهدف أكثر من الدول التي تطبق العقوبات وهناك ضرورة سياسية للحفاظ على وحدة العقوبات.
وأشار آش، إلى أنه كما هو الحال دائما مع العقوبات، من المهم النظر إليها على أنها مجرد جزء واحد من رد غربي أوسع على روسيا الذي يمكن أن يشمل عقوبات دبلوماسية أخرى وخيارات عسكرية وعقوبات إلكترونية، معتبرا أن العقوبات ليست حلا سحريا، فهي تهدف إلى تغيير الحسابات الروسية لتشجيع التغيير في السلوك.
وشدد على أهمية تقليص قدرة روسيا على استغلال "بطاقة الطاقة"، قائلا إن هناك نقطة مهمة بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بأسواق النفط والطاقة والسلع، وهي كيف خففت قوى السوق من جهود روسيا لاستغلال بطاقة الطاقة ضد الغرب، خاصة ضد أوروبا.
وأشار إلى أنه مع خفض روسيا لإمدادات الغاز إلى أوروبا، ومع الارتفاع الكبير في أسعار الغاز والطاقة، حدث تعديل في الطلب - خاصة على الغاز - ليتراجع بدرجة كبيرة بما يراوح بين 25 و30 في المائة في ألمانيا، على سبيل المثال، ما أدى إلى تقلص النمو العالمي وهو ما بدأ أخيرا في التأثير سلبا في أسعار الطاقة العالمية.
ورأى آش، أن الركود العالمي الناجم عن الأزمة في أوكرانيا، وتحرك روسيا لتقييد إمداداتها من الطاقة إلى أوروبا، يمكن في نهاية الأمر أن يخفضا الطلب على الطاقة الروسية.