عام من الألم .. المستثمرون يكافحون للتعايش مع أسعار الفائدة المرتفعة
قبل عام، تخلص جاي بأول من كتاب القواعد الذي استخدمه المستثمرون العالميون لأكثر من عقد من الزمان.
كان التضخم الساكن لفترة طويلة يرتفع مع تخفيف عمليات الإغلاق بسبب الجائحة، لكن على مدى شهور كان محافظو البنوك المركزية، مثل باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، يحثون الأسر والشركات والمستثمرين على عدم الذعر. أصروا على أن الاندفاع السريع في الأسعار سيكون عابرا.
لكن في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، أقر باول علنا بأن تقييمه ربما كان خاطئا. قال في حديثه خلال جلسة استماع في الكونجرس، "إن الضغوط التضخمية كانت عالية". كان المعدل السنوي عند 6.8 في المائة في ذلك الوقت، أعلى بكثير من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المائة. قال باول "إن إنهاء عمليات شراء السندات التحفيزية من جانب الاحتياطي الفيدرالي قد تحتاج إلى التعجيل.. من المناسب من وجهة نظري التفكير في إنهاء التناقص التدريجي في عمليات شرائنا للأصول (...) ربما بضعة أشهر قبل الموعد المقرر".
بالنسبة إلى العين غير الخبيرة قد تبدو هذه ملاحظة روتينية. لكن إذا نظرنا إلى الوراء، فقد كان ذلك مألوفا عندما كانت السوق في قمتها، التي صعدت إليها منذ أن منعتها البنوك المركزية من الانهيار عندما انتشر كوفيد - 19. أنهي باول فعليا حقبة كاملة من الأموال الرخيصة للغاية التي بدأت بعد الأزمة المالية 2008.
سرعان ما بدأت السندات والأسهم في الهبوط، لأنه للمرة الأولى منذ الأزمة، رسخ باول فكرة أن أسعار الفائدة ستحتاج إلى الارتفاع بقوة، وأن البنوك المركزية ستزيل شبكة أمان شراء السندات التي عدها كثير من مديري الصناديق أمرا مسلما به. وبعد مرور عام، لا يزال المستثمرون يتعلمون التعايش مع واقع أسعار الفائدة المرتفعة والعوائد المنخفضة على المدى الطويل.
لدى بعض المستثمرين توقعات كئيبة للأعوام المقبلة. يقول نيك موكس، كبير مسؤولي الاستثمار في صندوق ويلكوم ترست الذي تبلغ قيمته 38.2 مليار جنيه استرليني، أحد أكبر الصناديق الوقفية في المملكة المتحدة "إننا نمر الآن بفترة تعرف بوقت السداد. لقد اقترضنا عوائد المستقبل، وسنقوم بسدادها الآن".
ويضيف "الأمر الأساسي هو التأكد من أن محفظتنا في وضع يسمح بالتعامل مع فترة ممتدة من العوائد دون المستوى، لأننا مررنا بهذه الفترة الاستثنائية منذ 2009. وبينما حققنا في العقد الماضي عوائد حقيقية من 11 إلى 12 في المائة سنويا بعد التضخم، فإن تحقيق عوائد حقيقية بنسبة 1 في المائة بعد عام من التضخم على مدى العقد المقبل لن تكون نتيجة غير محتملة".
لم يكن بإمكان باول أن يعرف أن حرب روسيا وأوكرانيا ستؤدي بعد ثلاثة أشهر من تصريحاته إلى زيادة التضخم عبر أسعار السلع، وأنها ستجعل مهمته وموقفه أكثر صرامة خلال 2022. لكن التحول النموذجي الذي أشار إليه قبل عام شكل عاملا رئيسا في إعادة ضبط ضخمة في الأسواق.
يقول جون بيلتون، رئيس الاستراتيجية العالمية للأصول المتعددة في "جيه بي مورجان أسيت مانيجمنت"، "لقد كان عاما لحماية النفس".
سجلت السندات الحكومية الأمريكية طويلة الأجل أكبر انخفاض لها منذ عام 1788. وأدى مزيج المستثمرين الكلاسيكي من السندات والأسهم أسوأ أداء منذ عام 1932. وعند أدنى مستوى له هذا العام، خسر مؤشر إس آند بي 500 مبلغ 11 تريليون دولار من قيمته السوقية، لإعطاء فكرة عن المؤشر، حتى لو لم تكن الأرقام قابلة للمقارنة بشكل مباشر، فإنها مشابهة للناتج الاقتصادي السنوي الكامل لألمانيا، واليابان، وكندا مجتمعة. خسرت أسهم شركات التكنولوجيا وحدها مبلغا يعادل إنتاج فرنسا أو المملكة المتحدة.
هذا المزيج من الأسهم والسندات الذابلة جعل مهمة مديري الصناديق الذين يحمون معاشات الناس التقاعدية ومدخراتهم أكثر سوءا. لم يترك لهم مكانا للاختباء.
يقول إميل فان دن هيليجنبرج، رئيس تخصيص الأصول في شركة ليجل آند جنرال إنفسمنت مانيجمنت "أعطى باول الإشارة التي حطمت كل شيء. الارتباط الإيجابي بين الأسهم والسندات (...) ليس أمرا يصعب التنبؤ به". لكن مديري الصناديق لم يعرفوا قط أنه سيدوم طويلا لهذه الدرجة.
ويضيف "هذه البيئة سامة للاستثمار متعدد الأصول. لقد كان عاما محبطا للغاية بالنسبة إلى مستثمري الأجل الطويل فقط. من بين 25 فئة من فئات الأصول التي نغطيها، كانت هناك فئة واحدة فقط إيجابية هي السلع".
قلة من المستثمرين قد يجادلون بأن الاحتياطي الفيدرالي، وأقرانه من البنوك في أماكن أخرى، كانوا مخطئين في محاولة كبح التضخم. ففي النهاية، يؤدي ارتفاع تكاليف البضائع والخدمات إلى الإضرار بمستويات المعيشة للجميع، في حين إن انخفاض أسعار الأصول يلحق الضرر بشكل أساسي بمالكي الأصول الأثرياء.
وعندما يترسخ، يمكن للتضخم أيضا أن يصيب الأنظمة الاقتصادية بسرعة لأنه يرفع التوقعات لمزيد من الارتفاع في الأسعار. يؤدي ذلك إلى مطالبة العاملين بأجور أعلى، إذا تم تحقيقها، يمكن أن تزيد من تكاليف الشركات. في حزيران (يونيو)، قال بنك التسويات الدولية - المعروف غالبا باسم البنك المركزي للبنوك المركزية - "إن الاقتصادات الكبرى اقتربت من نقطة حاسمة، بعدها ينتشر علم النفس التضخمي ويتجذر".
يشتكي كثير من مديري الصناديق من أن مسؤولي البنوك المركزية كان بإمكانهم، بل كان ينبغي لهم، التعامل مع هذه المشكلة في وقت أبكر، بدلا من تقديم الدعم الذي كان ضروريا عندما انتشرت الجائحة للمرة الأولى. عوضا عن ذلك، كان صانعو السياسة مخطئين عندما واصلوا خوض المعركة الأخيرة.
يقول أندرو ماكافري، كبير مسؤولي الاستثمار العالمي في شركة فيديليتي إنترناشونال، "اعتقدنا في ذلك الوقت - عند تعليقات باول في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 - أنهم استيقظوا أخيرا على شيء رأيناه على مدى أشهر عديدة. لم يكونوا يخبروننا بأي شيء جديد، لقد وصلوا إلى نقطة الاعتراف في النهاية فحسب".
لكن لا صانعو السياسات ولا مديرو الصناديق يستطيعون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. بدلا من ذلك، يتعلم مخصصو الأصول العيش في بيئة أكثر تحديا بكثير، بينما ظل الاحتياطي الفيدرالي يضع طوال العام زيادة كبيرة في أسعار الفائدة فوق أخرى وبدأ في تقليص ميزانيته العمومية البالغة تسعة تريليونات دولار، المليئة بعمليات شراء السندات من عصر التحفيز. في الوقت نفسه أغلق البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا الصنابير، تاركين اليابان والصين فقط من بين الاقتصادات الكبيرة التي بقيت فيها أسعار الفائدة داعمة.
يتمثل أكبر تحول عن السياسة النقدية العالمية المتشددة في ارتفاع عوائد السندات. هذا يعني أن مديري الصناديق اضطروا إلى يخفضوا بحدة قيمة السندات الحالية التي يحتفظون بها. كما يعني أن مبرر الاستثمار في الأصول الخطرة قد تراجع كثيرا. لماذا تهتم بالمخاطرة في شركة ساخنة، ولا سيما تلك التي لم تحقق أرباحا بعد، بينما تضاعفت عوائد بعض الأصول الأكثر أمانا على هذا الكوكب - السندات الحكومية الأمريكية - ثلاث مرات؟
يرحب بعض المستثمرين بهذا النظام الجديد. تقول ألكسندرا موريس، كبيرة مسؤولي الاستثمار في صناديق سكاجين النرويجية "كان اصطداما لا بد من حدوثه. الآن، للمال تكلفة. لا يمكنك ضخ الأموال ببساطة في الشركات غير المربحة والشركات المحفوفة بالمخاطر. إننا بحاجة إلى تخصيص أكثر عقلانية لرأس المال".
يقول جون أوتول، الرئيس العالمي لحلول الاستثمار متعدد الأصول في شركة أموندي، أكبر مدير للأصول في أوروبا، "إن العام الماضي أحدث تغييرا شاملا في كيفية نظرته إلى السندات"، ويضيف "انظر إلى مدى غرابة العالم الذي نعيش فيه فحسب. كانت أسعار الفائدة عند الصفر لمدة سبعة أعوام. كان لدينا أسعار فائدة عند مستويات طوارئ لأعوام وأعوام".
في ذروتها عام 2020، كانت أسعار الفائدة منخفضة للغاية وكانت أسعار السندات مرتفعة لدرجة أن نحو 18 تريليون دولار من السندات الحكومية في جميع أنحاء العالم جاءت بعوائد أقل من 0 في المائة، ما سبب خسارة مضمونة للمشترين الجدد الذين احتفظوا بها حتى تاريخ الاستحقاق.
وفقا لأوتول "كان الدخل الثابت فئة أصول غير قابلة للاستثمار، فكر كم كان ذلك استثنائيا عندما كانت لدينا عوائد سلبية. كانت جميع الرهانات متوقفة. السندات الآن قابلة للاستثمار مرة أخرى".
أحد الاختلافات الكبيرة بالنسبة إلى المستثمرين الآن هو أن شبكة الأمان من البنوك المركزية - قدرتها على تقرير تخفيضات في أسعار الفائدة وشراء السندات التي تدعم الأسواق عند حدوث مشكلة - ليست متاحة ببساطة في عصر التضخم الجديد هذا.
بعض محركات التضخم المنخفض، مثل تحسين التكنولوجيا، لا تزال قائمة. لكن الحرب الروسية - الأوكرانية، وتكلفة تمويل ثورة الطاقة الخضراء، والتحدي المتمثل في سحب بعض عمليات التصنيع من الصين، كلها تعني أن الأسعار المرتفعة من المرجح أن تستمر. إذا لم يكن شيئا آخر، فقد أوضحت البنوك المركزية هذا العام أنها تنوي فعل كل ما في وسعها لترويض الأسعار، حتى لو كان ذلك يعني هندسة تباطؤ اقتصادي وارتفاع معدلات البطالة.
لا أحد يعرف على وجه اليقين ما الذي يمكن أن يكسر تعويذة مديري الصناديق، وإذا ما كان العام المقبل سيكون أكثر إشراقا من 2022.
مرارا وتكرارا هذا العام، أظهر المستثمرون الغارقون في السيولة النقدية التي يتوقون إلى نشرها، رغبة شديدة في القول إن كل الأمور على ما يرام. كل إشارة إلى ضعف محتمل من جانب مسؤولي البنوك المركزية، وكل إشارة إلى أن التضخم قد يهدأ أخيرا، أدت إلى سلسلة من الانتعاشات.
أنتجت أشهر آذار (مارس)، وحزيران (يونيو) وتشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام ارتفاعات تجاوزت 10 في المائة في الأسهم العالمية لهذا السبب على وجه التحديد، ما جعلها من بين أكبر ما يسمى انتعاشات السوق الهابطة - دفعات إلى الأعلى في الأسواق الضعيفة على نطاق واسع - منذ 1981، وفقا لتحليل من قبل بنك جولدمان ساكس. فقد استمر الصعود هذا الصيف شهرين، أحد أطول الانتعاشات في فترة الـ40 عاما تقريبا.
مع ذلك، لم يدم لأسباب ليس أقلها أن باول شدد من خطابه ضد التضخم بحدة في الاجتماع السنوي لصناع السياسة في جاكسون هول في آب (أغسطس)، قائلا "إن الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يستمر في ذلك حتى يتم إنجاز المهمة". كما يفيد بنك جولدمان ساكس العملاء بأن من المحتمل أن تتعثر عملية التحسن الأخيرة هذه.
في توقعاته لـ2023 كتب بيتر أوبنهايمر وزملاؤه في بنك الاستثمار الأمريكي "السوق الهابطة لم تنته، من وجهة نظرنا". يقول البنك "لم يتم بعد الوصول إلى الشروط التي تتوافق عادة مع أدنى مستوى للأسهم. نتوقع تقييمات أقل (...) وذروة في أسعار الفائدة قبل بدء الانتعاش المستدام".
من جانبها تشير شركة تي إس لومبارد للأبحاث إلى أن أيا من الأسواق الهابطة في الولايات المتحدة التي لوحظت خلال القرن الماضي لم تنته قبل أن يبدأ الركود المرتبط بها في الانتهاء. من المؤكد أن الركود الأمريكي المتوقع على نطاق واسع لم يهبط بعد.
تعتقد تاتجانا بوهان، نائبة مدير الاستثمار في شركة توبام الفرنسية لإدارة الأصول، أن أي تفاؤل ليس في محله. تقول "بصراحة، أنا مندهشة من مدى إيجابية الأسواق. لقد فوجئت بمدى قلة إدراك السوق للمدى الذي يمكن أن يذهب إليه الاحتياطي الفيدرالي، ومدى قلة اهتمام المستثمرين بالمصداقية النقدية. هذا ما يدور حوله الأمر. بالنسبة إلي، يبدو أن المستثمرين لا يزالون إيجابيين أكثر من اللازم بشأن كل جزء صغير من الأخبار الإيجابية". إنها تتوقع أن تنخفض الأسهم على الأقل نحو 10 في المائة أخرى.
ليست السياسة النقدية وحدها هي التي يمكن أن تتسبب في الضرر. يقول كثير من مديري الصناديق "إن الأسهم ليست قريبة حتى من أن تعكس خطر حدوث ركود اقتصادي أمريكي سيئ وعميق يمكن أن يحدث، ويسحق أرباح الشركات العام المقبل".
مع ذلك، فإن المستثمرين ذوي الأفق الطويل مقتنعون الآن بأن الوقت قد حان لملء المحافظ بأسهم وسندات متضررة. بحسب جريس بيترز، من بنك جيه بي مورجان الخاص، "إن مزيج المحفظة الكلاسيكي - 60 في المائة من الأسهم و40 في المائة من السندات - لديه الآن أفضل نظرة مستقبلية منذ عقد"، وتقول "لقد أتى ارتفاع التقييم الضئيل من الأصول الخطرة، لذا هذه نقطة جيدة لإعادة بناء المحافظ على المدى الطويل. ابق مهتما. دائما يكون الظلام أشد حلكة قبل الفجر".
تشير بيترز، بالنظر إلى البيانات التي تعود إلى عقدين من الزمن، إلى أنه من الواضح أن الابتعاد عن أسواق الأسهم والعودة مرة أخرى في الوقت المناسب أمر صعب. البقاء في مؤشر إس آند بي 500 طوال ذلك الوقت كان سيحقق عوائد سنوية 9.76 في المائة، لكن تفويت أفضل عشرة أيام من شأنه أن يخفض هذا العائد السنوي إلى 5.6 في المائة. إن تفويت أفضل 30 يوما يخفضه إلى 0.8 في المائة.
يبدو أن الرهان للعام المقبل هو أن الأسهم ستستمر في الانخفاض في بداية 2023 مع اقتراب الركود، لكنها ستستقر بعض الشيء بعد ذلك إلى حد ما أو حتى تتعافى. من المتوقع على نطاق واسع أن تقدم السندات أداء أفضل في موازنة أي ضرر، بالنظر إلى أن العوائد الدسمة تقدم طبقة حماية أكثر سماكة. هذا كما تقول موريس، من شركة سكاجين، يعد "دورة أكثر طبيعية" بكثير مما رأيناه على مدى العقد ونصف العقد الماضي على الأقل.
مع ذلك، الخطر يكمن في أن المستثمرين سيستمرون في التعثر في الافتراضات التي ببساطة لا تنجح في هذه الحقبة الجديدة.