البنوك القوية تعني اقتصادا قويا

البنوك القوية تعني اقتصادا قويا

لدى البنوك الأوروبية الكبيرة رأسمال فائض يزيد على 500 مليار يورو. بالنسبة إلى البنوك المدرجة، يمثل هذا 43 في المائة من قيمتها السوقية.
في عالم كانت فيه البنوك حرة في مكافأة المساهمين كما تشاء، مع الحفاظ على رأس المال أعلى من الحد الأدنى من المتطلبات، أمكنها دفع 43 في المائة من قيمتها السوقية بالكامل على شكل توزيعات خاصة. هذا رقم مذهل. مع ذلك، تتداول البنوك الأوروبية بمتوسط تقييم يبلغ 0.6 من قيمتها الدفترية.
هذا ليس بجديد. فقد ظلت البنوك تتداول عند تقييمات منخفضة لفترة طويلة. لأعوام، كان اللوم في الغالب على أسعار الفائدة السلبية، الأمر الذي أضر بالربحية. لكن انعكاس السياسات النقدية في جميع أنحاء العالم غير ذلك، وارتفعت توقعات ربحية البنوك بشكل حاد.
إذن، ما الذي يحدث؟ في منتصف العقد الماضي كانت هناك نكتة قديمة حول فائض رأسمال البنوك "بصفتك مساهما، سيكون من الغباء أن تصدق أنه ملك لك، لأنه ملك للحكومات. ستأخذه من خلال غرامات لسوء السلوك في الماضي، أو متطلبات رأسمال جديدة". لكن هذه أيضا قصة من الماضي. تم الانتهاء تقريبا من تجديد اتفاقية بازل الرابعة للوائح المصرفية، كما أن الدعاوى القضائية العالمية تتراجع بسرعة، ربما باستثناء دعاوى تتعلق بعدد قليل من البنوك.
هل وجدت الحكومات طريقة جديدة لأخذ فائض رأسمال البنوك؟ هناك نظرية تكتسب جاذبية، مفادها أن عصرنا يشبه إلى حد بعيد سبعينيات القرن الماضي، مع الانكماش والركود وصدمات الطاقة وما إلى ذلك. وكما في السبعينيات، سيؤدي هذا إلى سيطرة الحكومات على البنوك والائتمان بشكل مفرط، وهو أمر سيضر بالمساهمين في النهاية.
هناك بالتأكيد بعض العلامات المقلقة، سأصف أربعا منها. في بداية أزمة كوفيد - 19، فرض البنك المركزي الأوروبي حظرا شاملا على توزيعات الأرباح، مهما كانت قوة الميزانية العمومية للبنك. لم يتم تبرير ذلك استنادا إلى الملاءة المالية فقط، بل أيضا لأن البنوك "كانت بحاجة إلى الاستمرار في تمويل الاقتصاد". الافتراض الأساسي - يجب على البنوك أن تعمل من أجل المصلحة العامة وليس من أجل مصلحتها - يبدو نبيلا للغاية، لكنه أيضا لا يرتبط عادة بالشركات الخاصة. يجب أن تكون البنوك حرة في التعاقد، أو توسيع ميزانيتها العمومية اعتمادا على تصوراتها للبيئة الاقتصادية.
إضافة إلى ذلك، خلال الجائحة، تم ضمان نسبة كبيرة من القروض الجديدة من قبل الحكومات. من الناحية النظرية يتمثل دور البنك في الاقتصاد في تخصيص رأس المال وتقييم المخاطر. وعندما يتم اقتراض مئات المليارات بضمانات حكومية، فإنها تحول فعليا جزءا كبيرا من ميزانياتها العمومية إلى كيانات شبه حكومية.
ظهور العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة يؤدي أيضا إلى زيادة توجيه إقراض البنوك. يعمل هذا بطرق أكثر دقة، مع الإفصاحات التنظيمية المعقدة والتهديدات المستترة بمتطلبات رأسمال أعلى، لكن الاستنتاج واحد، يتم توجيه الإقراض المصرفي إلى بعض القطاعات المحددة، بناء على اعتبارات ليست مالية بالكامل.
من السهل جدا فهم الحاجة الماسة إلى تمويل الانتقال إلى الطاقة منخفضة الكربون، لكن المناقشات حول التصنيف أو استبعاد بعض القطاعات، كالأسلحة، أكثر صعوبة. وقد يكون لدى مساهمي البنوك انطباع بأنهم مطالبون بالقيام بعمل المشرعين الذين يخشون اتخاذ القرارات بأنفسهم.
أخيرا، عززت التطورات الضريبية الأخيرة فكرة أن أموال البنك هي أموال الحكومة، بعد أعوام من العوائد المنخفضة، قررت بعض الدول "مثل إسبانيا والتشيك" فرض "ضريبة مصرفية مفاجئة" لتعويض تأثير السياسات النقدية الجديدة.
التأثير المالي لا يزال متواضعا، لكن المستثمرين يخشون التعميم والاستمرارية، خاصة أن البنوك المركزية تواجه خسائر كبيرة في برامج شراء السندات الخاصة بالتسهيل الكمي مع ارتفاع أسعار الفائدة، وهي خسائر ستنتقل إلى الحكومات. وسيكون إغراء تعويض تلك الخسائر هائلا.
مع ذلك، أعتقد أنه لا ينبغي لنا المبالغة في هذه الاتجاهات. فلا يزال معظم الإقراض غير مقيد. علاوة على ذلك، كان كوفيد حدثا غير مسبوق حقا، والحجة القائلة "ستكون هناك دائما أزمة أخرى لتبرير تدخل الحكومة" ضعيفة بعض الشيء.
لكن ينبغي أن يكون هذا تحذيرا. إن عالما من معدلات الفائدة المنخفضة جلب معه سوء تخصيص رؤوس الأموال. وسيكون من العار أن نستبدل بسوء التخصيص سوء تخصيص آخر. فمن 1972 إلى 1985، كان لدى فرنسا نظام كمي لمراقبة الائتمان. وبعد عوام قليلة من انتهائه واجهت البلاد "أسوأ أزمة مصرفية منذ الحرب العالمية الثانية". وفقا لمجلس الشيوخ، كان جزء من الضرر ناتجا عن 13 عاما من التحكم في الائتمان. وعلينا ألا نكرر هذه الأخطاء. البنوك القوية تصنع اقتصادا قويا.

*المدير المشارك ورئيس البحوث في أكسيوم للاستثمار البديل

الأكثر قراءة