القضايا الديموغرافية الناشئة

في 15 نوفمبر، أي قبل أيام، ولد الشخص الذي يحمل رقم ثمانية مليارات، أي يتمم سكان الأرض البالغ ثمانية مليارات نسمة. وهذا العدد يمثل ثلاثة أضعاف عدد سكان العالم في 1950. ومن اللافت للنظر أن التحديات السكانية متغيرة، مثلها مثل الظاهرات الأخرى، فما يعد مشكلة رئيسة وتحديا كبيرا يواجه العالم في وقت ما، قد يصبح هامشيا بالنسبة إلى كثير من الدول في وقت آخر.
في هذه المقالة، سنستعرض أبرز التحديات الديموغرافية التي تواجه دول العالم، ومنها أولا: من المفارقات العجيبة أن عديدا من الحكومات قلقة، ليس بسبب فرط النمو السكاني وزيادة عدد سكانها، بل قلقة بسبب انكماش سكانها وتناقص الأعداد عاما بعد آخر. في الحقيقة، يعيش أكثر من نصف سكان العالم (بالتحديد 60 في المائة) في دول انخفضت فيها معدلات الخصوبة إلى ما دون مستوى الإحلال البالغ 2.1 ولادة لكل امرأة، وهو المستوى الذي يبدأ فيه السكان بالتناقص. وتسجل كوريا الجنوبية أدنى مستويات الخصوبة في العالم بأقل من مولود لكل امرأة (بالتحديد 0.81).
ونتيجة لذلك، فمن المتوقع أن ينخفض عدد السكان بحلول 2050 في أكثر من نصف الدول الأوروبية بنحو 20 في المائة تقريبا، ومنها بلغاريا ولاتفيا وليتوانيا وصربيا وأوكرانيا، ولا يتوقف الأمر على أوروبا، بل تعاني اليابان آثار شيخوخة سكانها وتناقص أعدادهم، كذلك من المتوقع أن تشهد الصين انخفاضا في عدد سكانها، نتيجة سياسة "الطفل الواحد"، التي تخلت عنها، وتبنت سياسة لتشجيع المستمر لإقناع الناس بإنجاب مزيد من الأطفال.
ثانيا: انكماش قوة العمل في بعض الدول نتيجة انخفاض الخصوبة، وزيادة كبار السن الذين يعيشون أعمارا مديدة، لكن ليس دائما بصحة جيدة، ما يرفع معدلات إعالة كبار السن والضغط على أنظمة التقاعد، فأجبرت الدول التي لا تفضل الهجرة الوافدة على أن تقدم حوافز وإعانات مادية وعلاجية أو منحا سكنية، أو دعم رعاية الأطفال وإجازات أمومة طويلة، إلى جانب تبني مرونة في ساعات العمل، وحظر الإجهاض، لكن ارتفاع تكلفة تنشئة الأطفال وارتفاع تكاليف السكن، إلى جانب التغير في القيم الأسرية قللت من تأثير تلك الحوافز في رفع معدلات الإنجاب.
ثالثا: تركز معظم سكان العالم في المدن، فمن المتوقع أن تصل نسبة سكان المدن إلى أكثر من 70 في المائة بحلول 2050، ما يعني مزيدا من التغير في القيم الإنجابية والسلوك الاستهلاكي.
رابعا: زيادة عدد الشباب في بعض الدول، خاصة الدول العربية، نتيجة ما يعرف بالنافذة الديموغرافية التي تستمر نحو عقد أو عقدين وأحيانا ثلاثة، وما توفره من فرص للنمو الاقتصادي إن تمكنت الدول من استغلال ذلك.
خامسا: التزايد في عدد كبار السن ونسبتهم إلى إجمالي السكان في معظم دول العالم، ومنها الدول العربية، ما يحتم فهم احتياجاتهم المتنوعة وسبل الاستفادة منهم، ولا يقل عن ذلك أهمية إنشاء أنظمة حماية اجتماعية ودعم لرفاهية كبار السن.
سادسا: ستكون الأمراض غير المعدية هي السبب الرئيس للوفاة في كل مكان بحلول 2030، أي أن أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والسكري ستتفوق على الأمراض المعدية التي كانت سائدة في الماضي، ما يتطلب مزيدا من الاهتمام بسبل الوقاية من الأمراض غير المعدية كممارسة الرياضة والابتعاد عن الضغوط والتلوث.
وأخيرا، يؤكد ما سبق ضرورة دمج الأبعاد الديموغرافية في السياسات والبرامج التنموية، ما يعزز ضرورة وجود سياسات سكانية مناسبة لمواجهة التحديات الديموغرافية في كل دولة حسب ظروفها التنموية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي