التسريح مفهوم .. لماذا الوحشية وعدم اللياقة؟

التسريح مفهوم .. لماذا الوحشية وعدم اللياقة؟

أصبحت أقسام الموارد البشرية في شركات التكنولوجيا في موقف يصعب عليها التعامل معه. فبعد أعوام عديدة أنفقت فيها الشركات أموالا طائلة على أي شخص حاصل على درجة علمية في علوم الحاسوب أو لديه خبرة في تكنولوجيا المعلومات، بات عليها الآن بدلا من ذلك أن تتخلص من موظفيها.
"أمازون" و"ميتا"، التي تمتلك فيسبوك، تتصدران زمرة الشركات التي تخفض عدد الوظائف فيها بشكل كبير، من خلال مخطط تسعى فيه كلتاهما إلى إلغاء أكثر من عشرة آلاف وظيفة، بينما يتصدر موقع تويتر عناوين الصحف بسبب القسوة وعدم الكفاءة. أقدم إيلون ماسك، المالك الجديد لتويتر، على تسريح نحو 3700 موظف عبر البريد الإلكتروني، وحاول بعدها على الفور إعادة توظيف بعضهم، قائلا "إن فصلهم تم عن طريق الخطأ".
موجة طرد الموظفين تجاوزت الشركات الكبيرة: أعلن ما يقارب 800 شركة تكنولوجيا عمليات تسريح منذ كانون الثاني (يناير)، أدت إلى إنهاء 120 ألف وظيفة، من بينها 25 ألفا تمت خلال الشهر الحالي وحده، وفقا لموقع التتبع الإلكتروني layoffs.fyi.
لم ير العاملون في قطاع التكنولوجيا أمرا مشابها لما حدث، باستثناء عدد قليل من الموظفين المخضرمين الذين نجوا من أزمة الدوت كوم. الطريقة التي تم التعامل بها مع التخفيضات يمكن أن تشكل ثقافة القطاع لأعوام مقبلة.
عادة ما يتطلب الابتكار والنمو السريع من الموظفين في التكنولوجيا أن يحافظوا على إيمانهم بذلك. فهم غالبا ما يعملون لساعات طويلة ويحلون مشكلات تبدو مستحيلة، بينما ينتظرون مكافآت مالية قد تأتي بعد أعوام. إن خسران الوظائف بصورة غير متوقعة، خاصة إذا تمت بأسلوب قاس، يقوض أي إحساس بالتضحية المشتركة، ليس فقط في أوساط المغادرين، لكن بين الذين بقوا في العمل بعدهم.
لذا يتعين على شركات التكنولوجيا التي تواجه أول عمليات التسريح الكبيرة أن تضع ذلك في الحسبان وأن تتعلم الدرس مما جرى في القطاعات الأخرى. الخدمات المصرفية تشتهر بجذب كثير من الموظفين الذين يهتمون في الغالب بتحقيق مكاسب شخصية سريعة. هذا هو السبب في أن الإصلاحات التي تم سنها بعد الأزمة المالية عام 2008 استهدفت إجبار الموظفين على الاهتمام بالعواقب لعدة أعوام في المستقبل.
هذه النظرة قصيرة المدى كانت نتيجة طبيعية لعقود من التوظيف والتسريح الدوري الذي قضى على أي إحساس بالولاء للمؤسسة. أمضت البنوك عقودا كانت تعين فيها الموظفين في الأوقات الجيدة فقط لتضرب بعدها بالفأس في الأوقات الصعبة بشكل عشوائي. كثير منها فعل ذلك بطرق اعتبرت مؤلمة على وجه الخصوص. في 2012 أوضح بنك يو بي إس السويسري مدى ضآلة أهمية مشاعر الأفراد لديه، حين تم إخبار نحو مائة من متداولي الدخل الثابت المقيمين في لندن بأنهم فقدوا وظائفهم، وذلك بعد وصولهم إلى الأبواب الدوارة، حيث وجدوا أن تصاريح دخولهم أصبحت معطلة.
أسلوب التسريح في فترة ما بعد كوفيد، كما فعلت "تويتر" وشركات أخرى، يتمثل في إلغاء حساب العمل الخاص بالموظف على تطبيق سلاك، وكذلك حساب البريد الإلكتروني، قبل إخباره بأنه سيتم التخلي عنه. الرسالة التي تبعث بها قساوة القلب هذه، مفادها أن العاملين يمكن التضحية بهم. إذن، لماذا يبذلون جهدا قد لا يستفيدون منه بشكل مباشر؟
في الوقت نفسه، تستطيع الشركات - التي تظهر لباقة - أن تجني الفوائد. عندما ضرب حظر السفر صناعة الطيران الأمريكية أثناء الجائحة، تمكنت شركة دلتا من إدارة أزمتها المالية بشكل أساسي من خلال عمليات مغادرة طوعية، والسماح لموظفيها بأخذ إجازة غير مدفوعة الأجر، بينما أعلنت شركتا أمريكان ويونايتد للطيران عمليات تسريح جماعية. وعندما عاد السفر جوا في الصيف الماضي إلى سابق عهده، واجهت "دلتا" مشكلات أقل بشأن إلغاء الرحلات، لأن شركة النقل الجوي التي تتخذ من أتلانتا مقرا لها كانت قادرة على إعادة موظفيها إلى العمل بشكل أسرع.
وعلى الرغم من أن الناقلات الأخرى ألغت معظم عمليات تقليص الوظائف بعد أن تلقت مساعدات حكومية، إلا أن موظفيها السابقين استغلوا سوق العمل الساخنة واختاروا الذهاب إلى أماكن أخرى. "الولاء له حدود: صوتت نقابة الطيارين في شركة دلتا أخيرا للإضراب احتجاجا على تأخير الشركة المتواصل في مفاوضات عقود العمل".
تجنب عمليات التسريح الجماعي هو الأمر المثالي، إلا أن عديدا من المديرين التنفيذيين في شركات التكنولوجيا يعتقدون أن هذا أمر غير ممكن. من الواضح أن بعض الأساليب المتبعة أفضل من غيرها. أخيرا تم الإطراء على باتريك كوليسون، الرئيس التنفيذي لشركة سترايب للمدفوعات، لاعترافه بالخطأ ولتقديمه حزم إنهاء خدمة سخية، في حين قدم بريان تشيسكي دعما للعاملين المغادرين لإيجاد وظائف لدى جهات أخرى، عقب تخفيضات للوظائف في شركة إيربنب عام 2020.
وفقا لخبراء الإدارة، من الأفضل القيام بجولة واحدة كبيرة من تخفيضات الوظائف، مع منح مزايا مناسبة لإيجاد وظائف لدى جهات أخرى، وأن تكون واضحا مع الموظفين بشأن لماذا هناك حاجة إلى التخفيض، ومتى سيتوقف ذلك. أن تكون إنسانا يمكن الوصول إليه أمر فيه شيء من المؤازرة. لكن لا تغال في ذلك. برايدن والاك، الرئيس التنفيذي لوكالة "هايبرسوشيال" للتسويق، أصبح مثالا للسخرية على الإنترنت عندما نشر صورته وهو يبكي، بعد تسريح الموظفين من الشركة.
يقول بوب سوتون، عالم النفس التنظيمي في جامعة ستانفورد، "لا تتظاهر بأنك تتخلص ببساطة من الموظفين ذوي الأداء الضعيف. الجميع يعلم أن هذا هراء، وأنك في المستقبل قد تراهم مرة أخرى. أو أنك قد تحتاج حتى إلى توظيفهم مرة أخرى".
قد يرغب المسؤولون التنفيذيون في مجال التكنولوجيا أيضا في استخلاص الدروس من شركات الخدمات المهنية التي تمتد خبرتها في تسريح الناس بسهولة إلى عقود، بسبب هياكل التوظيف فيها "اصعد أو اخرج". بالنسبة إلى كثير من شركات المحاماة والاستشارات تعتبر شبكات الخريجين مصدرا يمكنها الرجوع إليه. أحيانا كونك لطيفا يعتبر أمرا مفيدا.

الأكثر قراءة