مستثمرو «إف تي إكس» أمام فيض من التساؤلات

مستثمرو «إف تي إكس» أمام فيض من التساؤلات

لقد كانت مكالمة هاتفية مفاجئة من أستاذ جامعي سابق جعلت مستثمر الأسهم الخاصة أورلاندو برافو يتحول ليصبح أحد أبرز الداعمين لسام بانكمان فريد وشركة إف تي إكس لتداول العملات الرقمية التي يملكها.
كانت المكالمة من جوزيف بانكمان، أستاذ للقانون والأعمال في جامعة ستانفورد وقد درس برافو في أواخر التسعينيات. في ذلك الوقت، في منتصف 2021، كانت شركة ثوما برافو للأسهم الخاصة، التي تبلغ قيمتها 122 مليار دولار تفتح مكاتبها في ميامي، المدينة التي دفع فيها سام ابن الأستاذ بانكمان لتوه في ذلك الوقت مبلغ 135 مليون دولار مقابل عقد لمدة 19 عاما لشراء حقوق التسمية مع إحدى الفرق المحلية في الاتحاد الوطني لكرة السلة.
قال بانكمان لبرافو إن ابنه كان يبحث عن نصائح بشأن المشاريع الخيرية في ميامي لتعزيز مهمته "النشطة في الإيثار". بعد المحادثة، علم برافو حينها أن بانكمان فريد كان أيضا يعتزم القيام بجولة لجمع تمويل بقيمة 900 مليون دولار في جولة ثانية بتقييم لشركته عند 18 مليار دولار مع مجموعة من المستثمرين تشمل "سيكويا كابيتال" و"بلاك روك" و"سوفت بانك". سرعان ما عاود برافو الاتصال ببانكمان من أجل تقديم نفسه واقتراح طريقة لدخوله في الصفقة، التي كانت تتقدم بسرعة لتصبح أكبر جولة لجمع رأس المال في تاريخ بورصات العملات المشفرة.
عندما بدأ برافو وشريكه تري سايلي إجراءات البحث والتقصي اللازمة لجولة التمويل، أصيبا بالذهول من أرقام شركة إف تي إكس. ذلك لأن الشركة الناشئة التي أسست قبل عامين بقيادة فريق صغير نسبيا من المتداولين الشباب كانت في طريقها لكسب أكثر من 200 مليون دولار من الأرباح التشغيلية لهذا العام، وتحقيق هوامش غير مسبوقة بالنسبة إلى شركة ما زالت في مراحلها المبكرة من النمو، التي من الطبيعي فيها أن تخسر المال. برافو كان منبهرا، لذا قامت شركة ثوما برافو باستثمار أكثر من 125 مليون دولار في جولة شهر حزيران (يونيو) 2021، ليصبح أحد أكبر الداعمين لشركة إف تي إكس.
تعد شركة ثوما برافو مجرد واحدة من كبرى الشركات الاستثمارية، ومن استثماراتها صندوق تيماسيك في سنغافورة المملوك للدولة، وتايجر جلوبال وتيتشرز بينشن بلان في أونتاريو، التي كان دعمها قد ساعد على إعطاء المصداقية لإمبراطورية بانكمان فريد التجارية قبل أن تنهار بشكل مفاجئ هذا الأسبوع، الذي كان مدفوعا بمخاوف حول ارتباطاتها بمجموعة ألاميدا ريسيرتش للتداول التي يملكها بانكمان فريد.
منذ انطلاقة بورصة إف تي إكس في 2019، جمعت 1.8 مليار دولار لتبلغ قيمتها أخيرا 32 مليار دولار. كان من بين المساهمين فيها بعض أكثر مديري صناديق التحوط احتراما في العالم، بمن فيهم آلان هوارد من شركة بريفان هوارد أسيت مانيجمنت، وإزي إنجلاندر من ميلينيوم مانجمنت، وعائلة بول تيودور جونز.
لكن الآن بعد تقدم بورصة إف تي إكس لطلب الإفلاس، يبدو أن استثماراتهم قد محيت تماما، قام المستثمرون، ومنهم "سيكويا" و"سوفت بانك" و"براديم"، التي شارك في تأسيسها مات هوانج، الشريك السابق لشركة سيكويا، بتقييم ممتلكاتهم في الشركة بصفر، الأمر الذي أدى إلى تبخر ما قيمته مئات الملايين من الدولارات.
ترك ذلك هؤلاء المستثمرين يواجهون أسئلة صعبة من عملائهم حول الأسباب التي أدت إلى سوء التقدير، ولماذا لم يطالبوا بمقاعد في مجلس إدارة شركة إف تي إكس، وعما إذا كانوا يفهمون أصلاً كيف كانت الشركة تجني الأموال.
لم يكن من المفترض أن تنتهي الأمور بهذه الطريقة، حيث قال المستثمرون إن مؤسس شركة إف تي إكس البالغ من العمر 30 عاما، الذي قدم نفسه على أنه الشخص المناسب لصناعة تفتقر إلى القوانين والضوابط، كان قادرا على استغلال رغبة المستثمرين القادمين من التمويل التقليدي في الاستثمار في العملات المشفرة واستغلال خوفهم أيضا من تضييع الفرصة في الحدث الكبير القادم.
أما شركة سيكويا التي تتخذ من كاليفورنيا مقرا لها، وهي من أوائل الداعمين لشركة جوجل وباي بال وواتساب، فقد استثمرت مبلغ 210 ملايين دولار في بورصة إف تي إكس، وبرزت كواحدة من أكبر الشركات الداعمة لبانكمان فريد.
في أيلول (سبتمبر)، نشرت شركة سيكويا بيانا مطولا أطرت فيه على بورصة شركة إف تي إكس، حيث قالت فيه إنها انجذبت "لرؤيته حول مستقبل المال بحد ذاته - في سوق شاملة يمكن لكل شخص على الكوكب بأسره التعامل معها". وأن "ذكاءه رائع بقدر ما هو مثير للخوف"، أعطى دفعة لملفه الشخصي، وقد تم حذف البيان هذا الأسبوع عندما كتبت سيكويا أن قيمة استثمارها في بورصة إف تي إكس بلغت الصفر.
فيما قال أحد كبار المستثمرين الذي وضع مبالغ طائلة في إف تي إكس: "لقد تم التغرير بنا". لكن بعد فوات الأوان، كان المستثمر نفسه يعتقد أنه عندما شككت شركته بانكمان فريد قبل الاستثمار في شركته، "كان ينبغي عليها الوقوف" على تفاصيل حوكمة بورصات العملات المشفرة والضوابط المالية التي تخضع لها - بدلا من الملف الشخصي لمؤسسها الذي تغلب عليه سمات المشاهير. أضاف إن إجراءات البحث والتقصي اللازمة التي يقوم بها المستثمرون حول شركة إف تي إكس كانت جيدة فقط بقدر الأسئلة التي طرحها مدراؤها التنفيذيون على رجل الأعمال الشاب، التي كانت أكبر الصناديق والبنوك في العالم آنذاك تتودد بشكل محموم لشركته.
قال المستثمر إنه كان لديه بعض التحفظات خلال المكالمات الأولية مع بانكمان فريد، بما في ذلك الطريقة التي "ينظر بها رجل الأعمال إلى نفسه" وشعوره بأنه كان يعتقد أن كل شخص آخر دونه في عالم المال هم "أغبياء". أضاف "لم أكن لأتورط"، غير أن القرار النهائي لم يكن بيده.
قال أحد أصحاب رأس المال المغامر، الذي استثمر في إف تي إكس إن، إجراءات البحث والتقصي اللازمة لم تكشف عن المستويات العالية للمديونية في الشركة – حيث لم يعرض على المستثمرين سوى الميزانية العمومية في نهاية الربع ولم تكن الرافعة المالية مشمولة فيها.
كان مديرو الأصول الذين يستثمرون في الاتجاهات الرائجة يتدافعون للانكشاف على العملات المشفرة، من أجل جذب العملاء من المهتمين بهذا القطاع. هذا هو الضغط الذي قال عنه مسؤول تنفيذي كبير في مؤسسة مالية كبرى إن شركته كانت لفترة وجيزة تبحث في شراء بورصة إف تي إكس كجزء من حملتها الداخلية "لزيادة حجم أعمالها في العملات المشفرة". أضاف أنه تم تجاهل الفكرة بسبب "طبيعة المضاربة العالية في مثل هذا النموذج من الأعمال وبسبب أصولها الأساسية".
من الممارسات المألوفة في رأس المال المغامر أن يطلب المستثمرون مقعدا في مجلس إدارة إحدى شركات المحفظة، غير أن أيا من المستثمرين لم يحصلوا على تمثيل في مجلس الإدارة في شركة إف تي إكس.
بعد الجولات السريعة لعقد الصفقات، التي قامت بها الشركة، كان أعضاء مجلس إدارة بورصة إف تي إكس الوحيدون هم بانكمان فريد، ومديرها التنفيذي جوناثان تشيزمان، الذي غادر لاحقا، ومدير خارجي وحيد، وهو محام يعمل في مقر الشركة في أنتيجوا وبربودا.
كان أورلاندو برافو سيصبح أحد أكثر الداعمين لبانكمان فريد في "وول ستريت" وأحد أبطال بورصة إف تي إكس والعملات المشفرة. كان يعتقد أن الشركة لديها القدرة على أن تحل محل بعض أكبر البنوك في العالم، وهو المستقبل الذي دافع عنه مؤسسها. حتى إن مؤسسها، بانكمان فريد، قد أعلن العام الماضي أنه إذا أصبحت بورصة إف تي إكس هي الأكبر العملات المشفرة، فإن استحواذها على بنك جولدمان ساكس "ليس مستبعدا على الإطلاق".
كان صندوق ملتيكوين كابيتال، وهو صندوق تحوط للعملات الرقمية، قد أخبر مستثمريه هذا الأسبوع أن المخاطر كانت كثيرة، حيث استثمر الصندوق أمواله في إف تي إكس واستخدم البورصة أيضا لتداول العملات المشفرة. تمكن صندوق ملتيكوين من سحب ربع إجمالي أصوله من إف تي إكس قبل أن تعلق عمليات السحب، لكن ملتيكوين أبلغ المستثمرين هذا الأسبوع أن 10 في المائة من أصول الصندوق لا تزال عالقة.
كانت الشركة أيضا تتداول رمز إف تي تي بصورة نشطة، الذي كان على ما يبدو أنه جزء من الأسباب، التي أدت لسقوط شركة إف تي إكس، حيث باعت رموز إف تي تي خلال انخفاض قيمتها هذا الأسبوع، لكن لم يكن الصندوق قادرا على سحب الأصول منها. قال صندوق ملتيكوين إن سولانا، وهي عملة مشفرة تابعة لبانكمان فريد، كانت أكبر مركز استثماري منفرد لها. وقال إن قيمة الرمز تراجعت عندما قام بانكمان فريد ببيعها أثناء محاولته دعم إمبراطورية التداول التي يجلس عليها.
أما عملة سولانا فخسرت 45 في المائة من قيمتها خلال الأسبوع الماضي.
قال الشريك المؤسس كايل سماني لـ "فاينانشيال تايمز": "كل الكيانات والصناديق العاملة في ملتيكوين وموظفيها بخير".
حتى عندما أدت سلسلة من الإخفاقات في تبادل العملات المشفرة هذا العام إلى زيادة التشاؤم حول الصناعة، كان عديد من المستثمرين ما زالوا متفائلين حول بورصة إف تي إكس.
قال برافو، في أيلول (سبتمبر)، إنه كان يقوم بسحب الشركة من الاستثمارات الجديدة في العملات المشفرة وسط مخاوف بشأن الممارسات التي تقوم بها الشركات في الصناعة - لكنه حافظ على توقعات عالية بشأن إف تي إكس. وقال خلال مؤتمر للاستثمار في مدينة كان إن الشركة ستكون "رابحة كبيرة"، ووصف بانكمان فريد بأنه "أحد أفضل رواد الأعمال" الذين التقاهم.

الأكثر قراءة