مستقبل التشفير .. انقسام وليس فناء

مستقبل التشفير .. انقسام وليس فناء

فقط عندما بدا أن عالم التشفير لا يمكن أن يصبح أشد جنونا، أصبح كذلك. الأسبوع الماضي، أشرف سام بانكمان فرايد، العبقري البالغ من العمر 30 عاما، الذي أشرف على إمبراطورية تزيد قيمتها على 32 مليار دولار، تتألف من شركة وساطة العملات المشفرة "إف تي إكس" وصندوق ألاميدا، أعلن أمس إفلاس شركته.
كان بانكمان فرايد راعيا رياضيا وفاعل خير مدعوما من ممولين رئيسين مثل شركة بلاك روك الاستثمارية. في الواقع، عندما التقيت أخيرا "إس بي إف"، (كما هو معروف بالأحرف الأولى من اسمه) في مؤتمر، احتشد حوله لاعبو وول ستريت وواشنطن.
ليس بعد الآن. كشف بانكمان فرايد الأسبوع الماضي أن شركته، إف تي إكس، شهدت عمليات سحب من جانب العملاء بلغت ستة مليارات دولار، وحاولت بيع نفسها لمنافستها اللدودة باينانس، أكبر بورصة للعملات المشفرة "وفشلت". ولأنه لم يتمكن من سد فجوة سيولة تبلغ ثمانية مليارات دولار، اضطر إلى إعلان الإفلاس.
هذه هي النسخة المشفرة من صدمة "ليمان براذرز" عام 2008. لكن ليس لأنها يمكن أن تتسبب في انهيار التمويل السائد، لأن حجم عالم التشفير بأكمله يبلغ تريليون دولار فقط اليوم "ثلث حجمه العام الماضي" وتعمل رموزه المميزة في الغالب مثل الرقائق في الكازينو "أي ألا يمكن استخدامها إلا هناك". ما فعلته ملحمة "إف تي إكس" هو إطلاق عدوى عملات مشفرة، تؤدي إلى مزيد من التنفيس لفقاعة نفختها سابقا عملة ورقية رخيصة غير مدعومة بأي نوع من السلع.
في الواقع، يعد القطاع مثالا رئيسا على مدى تضرر رغبة المستثمرين في المخاطرة بسبب تشديد البنوك المركزية "وهو أمر مثير للسخرية، كما أشرت من قبل، نظرا إلى أن العملات المشفرة تم الترويج لها على أنها تحوط ضد إفراط البنوك المركزية". ومثلما أدى انهيار "ليمان" إلى إعادة النظر في الرهن العقاري الثانوي، إفلاس "إف تي إكس" سيؤدي إلى إعادة تقييم العملات المشفرة.
هل هذا يعني أن العملات المشفرة ستنتهي الآن؟ ليس بالضرورة. لكن على المدى القصير، من المحتمل أن يهرب كثير من المستثمرين والمؤسسات الرئيسة، ما لم يكن هناك إصلاح تنظيمي شامل. كشف انهيار "إف تي إكس" أن القطاع لديه نقطتا ضعف جليتين على الأقل.
إحداهما، من الصعب جدا معرفة الأصول التي تدعم الرموز الرقمية "باستثناء الإيمان الأعمى"، لأن الميزانيات العمومية غامضة غالبا. كانت "إف تي إكس" و"ألاميدا" تعدان رأسي مال جيدين، لكن الأسبوع الماضي أشار تقرير إلى أن ميزانيتيهما العموميتين كانتا مبطنتين بحيازات ضخمة من رمز رقمي يسمى إف تي تي FTT، التي لم تصدره سوى "إف تي إكس" ذاتها.
لم تؤكد "إف تي إكس" ذلك. لكن ما هو واضح أن تشانجبينج تشاو رئيس "باينانس"، (المعروف بـ"سي زي")، غرد في وقت لاحق حول خططه للتخلص من حيازاته من "إف تي تي"، ما أدى إلى انهيار سعر الرمز المميز، وإثارة دوامة هبوطية لبانكمان فرايد. عدم الإفصاح مكلف.
القضية الثانية هي الإشراف. كانت الممارسات لفترة طويلة فوضى خطيرة "كما حذرت أخيرا". إمبراطورية بانكمان فرايد كانت تعمل وسيطة، ومتداولة خاصة، ومقرضة، ووصية على عالم التشفير في الوقت نفسه، ويقال "إنها أعادت رهن الأصول على نطاق واسع". أوجد هذا تركيزات من السلطة "التي، في مفارقة أخرى، تسخر من تعويذة التشفير اللامركزية". كما تعني أنه ربما لا يسترد العملاء أموالهم. من هنا جاء الذعر، نظرا إلى عدم وجود أي شبكة أمان للمستثمرين - أو كيان يمثل ملاذا أخيرا للإقراض - في عالم التشفير.
من الناحية النظرية، يمكن حل هذه المشكلات إذا أجبرت العملات المشفرة على تبني مبادئ الإشراف والشفافية التنظيمية نفسها التي يتبناها التمويل القائم على الأوراق المالية قديمة الطراز. إذا تبنتها، ربما يبقى المستثمرون الرئيسون مشاركين. مشاريع قوانين الكونجرس من الحزبين تدعو بالفعل إلى محاولة تطبيق ذلك. ومن الناحية العملية، وجهة نظر لاعبي العملات المشفرة تجاه التنظيم - في أحسن الأحوال - متباينة.
انظر إلى "باينانس". أعلن تشانجبينج تشاو الأسبوع الماضي موجة من مبادرات الشفافية، وانتقد "إف تي إكس" لاستخدامها رمزها الخاص ضمانا وإقراضا دون احتياطيات مناسبة. لكن "باينانس" تدير أعمالها في الغالب في الخارج، ويقول تشانجبينج تشاو "إنه تخلص من رموز إف تي تي"، لأننا "لن ندعم الذين يمارسون ضغوطا ضد اللاعبين الآخرين في الصناعة".
مع ذلك، من الخطأ افتراض أن ذلك يعني أن جميع العملات المشفرة قد انتهت. أحد الأسباب أنه لا تزال هناك مجموعة كبيرة من اللاعبين الذين يستخدمون الأصول الرقمية للتهرب من الضوابط الحكومية، سواء بسبب الأيديولوجيات التحررية، أو للانخراط في أنشطة شائنة، أو لنقل الأموال خارج نطاق الولايات القضائية.
من غير المرجح أن يؤدي انهيار "إف تي إكس" إلى تغيير هذا. فقبل كل شيء، لا تزال "تيثر" أكبر عملة مستقرة اليوم، رغم انتقاد المنظمين الأمريكيين لها مرارا وتكرارا بسبب بيانات الميزانية العمومية المضللة.
ثانيا، حتى مع تقلص قيمة الأصول المشفرة التابعة للقطاع الخاص، تعمل الحكومات على نسخ بعض التكنولوجيات الأساسية. على وجه الخصوص، تجارب العملة الرقمية للبنوك المركزية، سي بي دي سي CBDC، تتزايد لأسباب ليس أقلها، كما قيل لي الشهر الماضي، أن حكومة الصين "وإلى حد أقل أوروبا" تريد من عملات البنك المركزي الرقمية أن تحل محل الأصول الرقمية الخاصة.
يبدو من غير المرجح أن تحقق نسخة تعاملات التجزئة من عملات البنوك المركزية الرقمية نجاحا عما قريب. لكن كثيرا من مصرفي البنوك المركزية الأوروبية والآسيوية يرون أنها يمكن أن تكون مفيدة في تسوية التعاملات بين البنوك. ومع أن الاحتياطي الفيدرالي أقل حماسا، إلا أن جيروم باول رئيسه، أشار أخيرا إلى أنه قد يقبل العملات المستقرة بالدولار من القطاع الخاص، إذا "وفقط إذا" كانت خاضعة لتنظيم الاحتياطي الفيدرالي.
لذا قد يكون مستقبل العملات المشفرة منقسما: مجال من النشاط المشبوه والخارجي، وآخر من تجارب البنوك المركزية الرصينة الخاضعة لرقابة صارمة. هذا بالتأكيد ليس ما توقعه التحرريون الذين أطلقوا حلم التشفير أول مرة. لكن يبدو أنه الرهان الأكثر ترجيحا، ما لم تكن هناك حاجة ماسة إلى إصلاح تنظيمي. في كلتا الحالتين، تأهبوا لمزيد من التحولات.

الأكثر قراءة