عمالقة وول ستريت كابوس يطارد البنوك البريطانية
في تشرين الأول (أكتوبر)، خلال اجتماع مشحون مع وزير الخزانة البريطاني آنذاك، كواسي كوارتنج، في مكتب الخزانة البريطانية في لندن، تحسر الرؤساء التنفيذيون لبنوك الشوارع التجارية في بريطانيا على حقيقة أن بنكي جولدمان ساكس وجيه بي مورجان تشيس كانا يستخدمان ودائع العملاء لتمويل عمليات تداول محفوفة بالمخاطر.
قوانين تحويط الأصول في المملكة المتحدة، التي فرضت في 2019، تسمح للبنوك بجمع ما يصل إلى 25 مليار جنيه استرليني من ودائع التجزئة قبل وجوب فصلها عن أذرعها المصرفية الاستثمارية. أخبرت البنوك المحلية كوارتنج أن هذا الحد يضعها في وضع غير مؤات بشكل واضح في معركة مع متمردي وول ستريت الذين يبتلعون مدخرات المملكة المتحدة.
وجد بنك جيه بي مورجان، الذي ينظر إلى المملكة المتحدة على أنها ساحة اختبار للخدمات المصرفية الرقمية منخفضة التكلفة، أن الشكوى سخيفة. أشار شخص مقرب من البنك الأمريكي إلى أن لديه بالفعل أكبر بنك استهلاكي في أمريكا لجمع الودائع. إذ إنه في الولايات المتحدة، تم إلغاء قانون غلاس-ستيغال لـ1933، الذي منع البنوك التي تقبل الودائع من التعامل في الأوراق المالية، في 1999.
أما بالنسبة إلى بنك جولدمان، فقد كان الأمر حساسا حيث دخل عملاق وول ستريت سوق التجزئة في المملكة المتحدة في 2018 جزئيا بحثا عن وسيلة رخيصة لتمويل الخدمات المصرفية الاستثمارية. حتى الآن، جمع مدخرات بقيمة 23 مليار جنيه استرليني، وظل مواظبا أقل من حد قانون تحويط الأصول بينما يضغط من أجل إلغائه أو زيادته.
الآن، يتوجب على البنوك الأمريكية، التي تواجه ضغوطا من المساهمين بشأن تكاليف عملياتها الخارجية، أن تستمر في تبرير مشاريعها في وقت بدأ فيه الركود يحكم قبضته. بالنسبة إلى البنوك البريطانية، التي يتجه بعضها إلى المنافسة بقوة على الودائع التي تزداد أهميتها مع ارتفاع أسعار الفائدة، فقد تم رسم خطوط المعركة بوضوح.
قال مسؤول تنفيذي كبير في أحد البنوك الأربعة الكبرى في المملكة المتحدة، "من الغريب أن تكون البنوك المحلية ضعيفة في بلدها مقارنة بالبنوك الدولية من حيث قوانين تحويط الأصول. هذه ودائع يمكننا استخدامها لدعم الشركات البريطانية لكننا نمول أنشطة أخرى".
عندما أطلق بنك جولدمان تطبيقه ماركوس - الذي تم إنشاؤه قبل ذلك بعامين وتمت تسميته على اسم أحد مؤسسي البنك، ماركوس جولدمان - في المملكة المتحدة، كانت هذه المرة الأولى منذ عقود التي انتقل فيها عملاق مصرفي استثماري أمريكي إلى سوق التمويل الشخصي التنافسي في بريطانيا.
بدأ تطبيق ماركوس كمنتج ادخاري يقدم فائدة تزيد على 1.5 في المائة على الرسم البياني لمدة عام، وقد أضاف خدمات بما في ذلك حساب توفير فردي نقدي وحساب توفير بسعر ثابت. قد نما بشكل متسارع في المملكة المتحدة، حيث جمع مدخرات بقيمة 23 مليار جنيه استرليني.
قال جون كرونين، محلل في بنك غودبودي الاستثماري، "عندما وصلوا لأول مرة قاموا ببناء دفتر إيداع بسرعة كبيرة وبسعر فائدة جذاب في ذلك الوقت عند نحو 1.5 في المائة. لكن منذ أن وصلوا إلى نحو 20 مليار جنيه استرليني، لم أعد أسمع كثيرا عنهم".
بعد ثلاثة أعوام من تطبيق بنك جولدمان، قام بنك جيه بي مورجان بأول دخول له في الخدمات المصرفية للأفراد خارج الولايات المتحدة باستخدام بنكه القائم على التطبيق، تشيس. لكنه اتبع نهجا مختلفا عن منافسه، حيث اختار التركيز على بناء علاقات العملاء بحساب جار مع استرداد نقدي بـ1 في المائة لمدة عام.
في آذار (مارس)، أتبع ذلك بحساب توفير مربوط يدفع 1.5 في المائة على المدخرات التي تصل إلى 250 ألف جنيه استرليني. في ذلك الوقت، كان تطبيق ماركوس يدفع ما بين 0.7 في المائة و6.0 في المائة.
استقطبت استراتيجيته بالفعل أكثر من مليون عميل، متجاوزا بذلك 750 ألف عميل لتطبيق ماركوس بعد عام واحد فقط. مع ذلك، لا يزال متخلفا عنه في الودائع عند عشرة مليارات جنيه استرليني.
قال رئيس تنفيذي لبنك منافس، "كان لدى تطبيق تشيس أذكى دخول إلى السوق. لقد أطلقوا هذا المعدل المذهل (...) الذي ساعدهم على تنمية حساباتهم الجارية".
على عكس البنوك الرقمية في المملكة المتحدة، مثل مونزو وستارلينج، يتمتع كل من بنكي ماركوس وتشيس بدعم مؤسسات ضخمة تتمتع بقوة استثمارية وميزانيات عمومية كبيرة.
قال كرونين، "لدى بنك تشيس -خصوصا- الميزانية العمومية اللازمة لجعل هذا العمل مشروعا لأعوام عديدة. من الواضح جدا أنهم اتخذوا نظرة بعيدة المدى. أعتقد أنهم الاسم الذي سأكون قلقا بشأنه بعض الشيء إذا كنت بنكا قائما".
لكن استراتيجيات البنوك الأمريكية تخضع للمراقبة. وقد قلص بنك جولدمان ساكس بالفعل بعض خططه، عندما أصبحت الظروف الاقتصادية قاتمة.
كان أحد الأهداف هو أن يتفرع ماركوس إلى إدارة الثروات ليصبح التطبيق المفضل للتمويل الشخصي. لكن ديس ماكديد، رئيس تطبيق ماركوس في المملكة المتحدة، قال إنه نظرا إلى أن "المستهلكين في المملكة المتحدة يتعرضون لضغط كبير في الوقت الحالي (...) قد نبحث في توقيت إطلاق المنتجات في المستقبل". تم تأجيل الخطط السابقة لحساب التوفير الفردي للأسهم والحصص في 2020.
رهان باهظ الثمن
انطلق كل من بنكي ماركوس وتشيس بأعلى معدلات الفائدة عندما كان المعدل الأساسي لبنك إنجلترا 0.75 في المائة فقط. لكن ارتفاع أسعار الفائدة إلى 3 في المائة عزز دخل جميع البنوك، ما سمح لهم بسداد المزيد للمودعين. أجبر ذلك تشيس وماركوس على زيادة عروضهما الخاصة للبقاء في قمة الرسوم البيانية.
وفقا لشركة موني فاكتس، يتصدر بنك الريان أفضل مخططات الشراء بسبب الحسابات سهلة الوصول بمعدل 2.81 في المائة. ارتفع حساب المدخر الخاص بتشيس إلى 2.1 في المائة في أكتوبر بينما زاد ماركوس معدل ادخاره إلى 2.5 في المائة، بما في ذلك 0.25 في المائة كمكافأة لمدة 12 شهرا.
قال ماكديد إن أولوية ماركوس هي "مواصلة تقديم معدلات ادخار تنافسية لعملائه". رفع البنك سعر الفائدة تسع مرات في 2022، أي عدد مرات تغييره للأسعار في الأعوام الثلاثة السابقة تقريبا.
كما يخضع التطبيقان للفحص من جانب المساهمين بسبب التكاليف. فعلى الرغم من أن تطبيق ماركوس في المملكة المتحدة مربح، إلا أن الأعمال المصرفية الاستهلاكية العالمية في بنك جولدمان هي القسم الوحيد الذي يتكبد خسائر في المجموعة، ويواجه تدقيقا من المستثمرين وعلى الصعيد الداخلي. كجزء من عملية إعادة هيكلة شاملة، سيندرج تطبيق ماركوس تحت قسم الأصول والثروة المشترك للبنك.
يتوقع تطبيق تشيس خسائر يبلغ مجموعها أكثر من مليار دولار على مدى الأعوام المقبلة ولا يتوقع أن يصل إلى نقطة التعادل حتى 2027.
دافع سانجيف سوماني، الرئيس التنفيذي لبنك تشيس في المملكة المتحدة، عن تكاليفه. حيث أخبر "فاينانشيال تايمز"، "لن أدعو ذلك ثمنا يجب دفعه - إنه استثمار استراتيجي في أعمال ذات إمكانات هائلة".
كما أعرب آخرون خارج البنوك عن شكوكهم بشأن الخطط الطموحة والمكلفة. حيث قال أحد كبار الموظفين في بنك أوروبي ضخم، "لقد سمعت عن هذه القصة لمدة 25 عاما ولم أشهد أي نجاح".
قال مسؤول تنفيذي في بنك في المملكة المتحدة إنه في حين شهد بعض التدفقات المالية إلى تشيس، إلا أنه توقع أن تكون مؤقتة. وأضاف أن اتجاها مشابها حدث عندما انطلق تطبيق ماركوس للمرة الأولى لكن كثيرا من هذه الأموال عادت.
كما قال نيل فيتش، مدير الاستثمار العالمي في "إس في إم أسيت مانجمنت"، "بالنسبة إلى البنوك الكبرى، فإن هذا أمر يراقبونه من كثب لكنهم ليسوا قلقين بشكل مفرط بشأنه. سيكونون أكثر قلقا إذا بدأوا يشعرون أن العملاء يدفعون أجورهم الشهرية في هذا النوع من الحسابات".
على الرغم من التحديات، فإن بنك تشيس عازم على التوسع على الأقل. قال سوماني إنه يهدف إلى زيادة دمج ذراع إدارة الثروات الرقمية نتميغ، التي اشتراها العام الماضي مقابل 700 مليون جنيه استرليني، مع تطبيق الخدمات المصرفية للأفراد الخاص به.
يخطط بنك تشيس أيضا لاستخدام المملكة المتحدة كنقطة انطلاق وقد يحذو بنك جولدمان في النهاية حذوه. في العام الماضي، استحوذ بنك تشيس على حصة أقلية في البنك الرقمي البرازيلي سي 6. وكان بنك ماركوس يأمل في التقدم إلى ألمانيا كأول سوق له في أوروبا القارية، على الرغم من أن شخصا مقربا من البنك قال إن هذه الخطط معلقة.
لكن التقدم إلى أبعد من ذلك يتطلب النجاح في المملكة المتحدة، حيث يقوم كلاهما ببناء أنفسهما إلى بنوك كاملة الأركان. يظل المتنافسون متشككين في إمكانية اتخاذهما الخطوة التالية.
قال مسؤول تنفيذي آخر في بنك منافس، "لا يمكنهما التظاهر بأنهما حديثا عهد في الساحة - كلاهما بنك استثماري راسخ منذ فترة طويلة ولديهما أذرع جديدة للخدمات المصرفية الفردية. سأفاجأ شخصيا إذا حققوا تقدما كبيرا، لكنني فوجئت من قبل".