مقر إقامة الأخضر السعودي .. أبعاد ثقافية وصور حضارية

مقر إقامة الأخضر السعودي .. أبعاد ثقافية وصور حضارية

استبشر الأمريكيون بقدوم الصيف، فالشتاء كان قارسا حقا هذاالعام، بعد أن ضرب لوس أنجلوس زلزال ثلجي عام 1994 خلف وراءه عدة ضحايا انتشرت صورهم في الصحف، وما إن ارتفعت درجة الحرارة قليلا حتى هرول السكان - وعلى رأسهم قاطنو نيوجيرسي - إلى الشاطئ للاستمتاع بالمياه الزرقاء، وسماع ألبوم "دوكي" أحدث إنتاجات فرقة جرين دي، التي وزعت أكثر من 20 مليون نسخة آنذاك، أما عشاق كرة قدم فكانوا ينتظرون مباريات كأس العالم، أو بالأحرى رؤية دييجو أرماندو مارادونا. وقتها نالت الولايات المتحدة شرف الظهور الأخير للنجم الأرجنتيني الراحل.
قبيل انطلاقة التظاهرة العالمية، كانت الرياض تجهز منتخبا لأول مشاركة مونديالية، وقد اختار عمرو علي، المنسق الإداري السابق للمنتخب السعودي، فندق ماريوت سيفيو، في أبسيكون بنيو جيرسي، مقرا لبعثة المنتخب السعودي، وأوضحت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في تقرير آنذاك، أن المكان المختار يعتبر "فندقا ملكيا"، يتماشى مع ضيوفه الذين ينتمون إلى طبقة الرؤساء ومشاهير الفن والموسيقى وأساطير الجولف، نظرا لمساحته الشاسعة التي تصل إلى نحو 670 فدانا، ذات مناظر خلابة على طول خليج ريدز، وعلى بعد دقائق من الإثارة في أتلانتيك سيتي وسحر العالم القديم في كيب ماي.
قاد خورخي سولاري المدرب الأرجنتيني وجهازه المعاون الحصص التدريبية في كلية ريتشارد ستوكتون، وقتها عمل الجيل الذهبي بجد بقيادة ماجد عبدالله والدعيع وسامي وحمزة إدريس وحمزة صالح والجبرين وعبدالجواد والهريفي وجميل وعبدالله سليمان والخليوي وفؤاد أنور والمهلل ومسعد والداود والطائفي وعواد العنزي. في البداية خسرت السعودية من هولندا 1 - 2، وبفضل الاستعداد الجيد عادت وانتصرت على المغرب وبلجيكا، وتأهلت إلى دور الـ16 في أفضل إنجاز كروي قبل أن تخسر من السويد 1 - 3 وتعود البعثة إلى الرياض.
بعد أربعة أعوام، الظهور الثاني في مونديال فرنسا 1998، اختار الأخضر فندق نوفيتيل مقرا للبعثة في جنوب العاصمة باريس، يقع الفندق على قارعة الطريق المؤدي إلى نورماندي، التي شهدت انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، هناك حيث الهدوء والطبيعة الخضراء، أزهار دوار الشمس، أما من الداخل فتجد مسطحات الجولف في المنتجع السياحي، وباقي الأبجديات في الفنادق الفاخرة، كالمسابح الدافئة المغلقة، شرفة الحمامات الشمسية، السيدات الأوروبيات يغتنمن أشعة الشمس الذهبية، لحظتها اغتنم كارلوس ألبرتو بيريرا مدرب المنتخب، متنزه أندريه تريمنت الخيالي لإقامة الحصص التدريبية، بيد أنه في نهاية المطاف، ودع الأخضر البطولة من الدور الأول، بالهزيمة في أول مباراتين أمام الدنمارك وفرنسا بتعادل إيجابي مع جنوب إفريقيا 2 - 2.
ومن أضواء باريس إلى جبال طوكيو، تصاعد مستوى الرفاهية والفخامة لدى المنتخب السعودي، بعد أن تأهل للمرة الثالثة في مونديال 2002، وبعد فترة إعداد استثنائية، اختار في العاصمة اليابانية فندق شيراتون سابور المتميز بالمناظر البانورامية للمدينة، تزينها أزهار الكرز المعروفة بالساكورا، وسلسلة الجبال المكونة من 511 غرفة، مطلة على محيط أضواء هوكايدو الصاخبة ليلا، بخلاف الجاكوزي وغرف التدليك وستة مطاعم توفر أشهر أطباق المطاعم العالمية. لكن بمجرد أن أطلق الحكم صافرة بداية اللقاء الافتتاحي أمام ألمانيا، تبخرت كل الأحلام أمام الهداف كلوزه وبالاك وأوليفر كان، الذين أتخموا الشباك بثمانية أهداف، أعقتبها الخسارة من الكاميرون بهدف صامويل إيتو ثم بثلاثية أيرلندية.
حافظ الأخضر على وجوده المونديالي في نسخة 2006، كما حافظ على اختيار مقار فريدة لبعثته، واستقر تلك المرة على بلدة باد ناوهايم الألمانية التي تبعد 35 كيلومترا عن شمال فرانكفورت، المشهورة بحمامات الاستشفاء، الممتد تاريخها إلى القرن الـ19، ووسط هذا المناخ الصحي، أقدم فندق دولتشي بادناوهايم - الذي أقام فيه المنتخب - على التماشي مع ما تطلبه إقامة الأخضر، فرفع الصور العارية من صالة الألعاب الرياضية، وحذف القنوات الإباحية من برامج التلفزيون واستبدلها بنحو 35 قناة ناطقة بلغة الضاد، مع سحب الخمور من الثلاجات الصغيرة - ميني بار - ونسخ الكتاب المقدس، وقاموا بتجهيز منطقة خاصة منفصلة لأداء الصلاة للأفراد الذين شغلوا 59 غرفة من أصل 159 في الفندق، لكن في النهاية تعادل مع تونس 2 - 2، وخسر من رفاق الأوكراني شيفشينكو برباعية، وإسبانيا بهدف وحيد.
غاب السعوديون عن مونديالي جنوب إفريقيا 2010 والبرازيل 2014، قبل أن يتجدد الموعد في جنة المشاهير، هناك في عاصمة روسيا الثقافية سان بطرسبرج، حيث أقام الأخضر معسكره في فندق جراند هوتيل أوروبا، الذي يعد واحدا من أغلى وأقدم فنادق المدينة، كواجهة مفضلة لعائلات الأمراء وكبار الدبلوماسيين ومشاهير العالم، بفضل غرفه الواسعة المصممة بطراز يجمع بين أناقة الماضي والحداثة، فيما وقع اختيار المدرب أنطونيو بيتزي على قاعدة تدريب نادي زينت لتجهيز اللاعبين وفق مخططه. كل شيء كان مثاليا في المدينة، أجواء لندن، تصاميم دبي المعمارية، أطباق الطعام اللذيذة تشبه مذاق مطاعم ساحة بيازا ديل بوبولو في روما، لكن الخروج المبكر لازم المنتخب بالخسارة الافتتاحية من روسيا 0 - 5، وكذلك بهدف من الأوروجواي، وفوز بشق الأنفس على الكتيبة المصرية من أمام صلاح 3 - 2.
اليوم اختار السعوديون منتجع سيلين، أقدم فنادق قطر، المعروف بلقب ملاذ الطبيعة، كونه محاطا بكثبان الرمل، ويقصده محبو البر والتطعيس خلال الشتاء، أما الفندق نفسه الواقع في مدينة مسيعيد فسيحتضن معسكر الأخضر في مونديال 2022، إذ يحتوي على 35 غرفة، 20 فيلا، 20 شاليها، كلها بإطلالة تسر الناظرين على شواطئ الخليج العربي، إضافة إلى أربعة مطاعم كبيرة، أشهرها وأكثرها رواجا "الإيطالي"، الذي يتهافت عليه محبو البيتزا والمعكرونة وجبنة البوراتا والأخطبوط المشوي، والأهم بالنسبة إلى المدرب هيرفي رينارد، جودة ملاعب التدريب وصالة الألعاب الرياضية المجهزة بمعدات احترافية، وبعد المران اليومي لا يمنع أن يسترخي القائد سلمان الفرج وسالم والعويس والعمري والمولد والعابد في حمامات الساونا داخل المنتجع، للراحة وطرد الطاقة السلبية، خاصة أنهم تنتظرهم مباريات صعبة أمام الأرجنتين والمكسيك وبولندا. يبقى أنه لا بد أن يستمع نجوم الأخضر لنصائح ولي العهد، الذي طالبهم قبل أيام بالاستمتاع واللعب دون ضغوط.

الأكثر قراءة