هل ستصبح «تويتر» مسرحا للسياسة والتهور؟

هل ستصبح «تويتر» مسرحا للسياسة والتهور؟

كانت أولى الإجراءات التي قام بها إيلون ماسك بعد استحواذه على "تويتر"، إنشاء "غرفة حرب" سرية في مقر الشركة الواقع في سان فرانسيسكو، حيث أحاط نفسه بمجموعة من المساعدين الموثوقين ووضع خططا لتحويل أعمال الشركة الراكدة إلى شركة مربحة.
على مدى أيام قليلة فقط، المناقشات في غرفة الحرب دفعت ماسك إلى إصدار أوامر بتخفيضات جماعية للوظائف والمضي قدما في تنفيذ خطط لمنتجات جديدة، مع سعيه لطمأنة الشركات المعلنة بأن المنصة لن تتحول إلى "ساحة بغيضة لحرية التعبير".
إن رواية البداية المدمرة لإدارة ماسك لـ"تويتر" تستند إلى مقابلات أجريت مع موظفين حاليين وسابقين في "تويتر"، وأشخاص على دراية بتفكير ماسك ومراسلاته، وسيل التغريدات العامة التي أدلى بها الرئيس التنفيذي لشركة تسلا وفريقه بعد إبرام صفقة الاستحواذ على شركة التواصل الاجتماعي بقيمة 44 مليار دولار في 27 تشرين الأول (أكتوبر).
لم يحصل أغلب موظفي "تويتر" سوى على قليل من التفاعل المباشر مع ماسك أو دائرته الداخلية، ما أدى إلى حدوث حالة من الارتباك الداخلي. بدلا من ذلك، أجبر الموظفون على المشاهدة من شاشاتهم بينما كان الملياردير متقلب المزاج يستخدم المنصة من أجل تبادل الأفكار حول استراتيجيات مستقبلها علنا والتهكم على المنتقدين لخططه، الأمر الذي أثار جدل مستخدميها وسخريتهم.
كتب ماسك هذا الأسبوع: "تويتر هو ببساطة المكان الأكثر إثارة للاهتمام على الإنترنت. لهذا السبب أنت تقرأ هذه التغريدة الآن".

الدائرة الداخلية
كانت خطوة ماسك الأولى بعد توليه زمام الأمور هي إقالة عديد من كبار القادة في "تويتر"، بمن فيهم باراج أجراوال الرئيس التنفيذي. ووفقا للإيداعات التنظيمية، يشغل ماسك الآن منصب الرئيس التنفيذي للشركة، لهذا قام بحل مجلس الإدارة وهي خطوة أصر على أنها مؤقتة. كما قام بتغيير لقبه في ملفه الشخصي على المنصة إلى "تشيف تويت".
كان ذلك إيذانا بمرحلة جديدة لتويتر، تتميز بتعاون المالك الجديد لها مع شركاء ومساعدين مخلصين له.
من بين أبرز الشخصيات في غرفة الحرب المستثمران ومقدما برامج البودكاست جيسون كالاكانيس وديفيد ساكس، اللذان يشاركان ماسك هوسه لحرية التعبير، حيث قام كلاهما بتكوين قاعدة كبيرة من المتابعين على تويتر. تم تصنيف هذين الشخصين الآن في دليل الموظفين على تويتر كمتعاقدين، وفقا لشخص مطلع على الوضع.
قال كالاكانيس، الذي صنع اسمه من خلال مجموعة سيكويا لرأس المال الاستثماري ولاحقا كمستثمر ملاك يدعم شركات مثل "روبين هود" و"أوبر" و"تريلو"، قال سابقا لماسك في الرسائل التي تم نشرها في سجلات المحكمة: "عضو مجلس الإدارة، أو المستشار، أو أيا كان. سيحارب سيفي لأجلك (...) أدخلني في اللعبة أيها المدرب! إن منصب الرئيس التنفيذي لشركة تويتر هي الوظيفة التي أحلم بها".
إلا أنه قام هذا الأسبوع، بتغيير ملفه الشخصي على تويتر ليصبح كبير مسؤولي الصور الساخرة (الميمز)، ثم غيرها ليصبح "أعظم مشرف في العالم"، ثم بدأ بكل ثقة ممكنة بنشر التغريدات حول الاستراتيجيات المحتملة للشركة، مروجا لمنتج محتمل مثل "حسابات تويتر للشركات". لكن ليس من الواضح بعد ما إذا كان كالاكانيس سينضم رسميا إلى فريق ماسك لإدارة تويتر في وقت لاحق.
فيما انضم ساكس مؤقتا لتقديم المشورة بشأن تطوير المنتجات، وفقا لأشخاص على دراية بهذه الخطوة. مثل ماسك، فهو عضو فيما يسمى بـ "مافيا باي بال"، إذ كان أحد المؤسسين لمجموعة المدفوعات التي كسب ماسك من خلالها ثروته الأولى، وهو حاليا صاحب رأسمال مغامر في "كرافتس فينتشورز".
أما سريرام كريشنان، فهو العضو الأكثر هدوءا في فريق ماسك المختار، وهو شريك عام في شركة أندريسن هوروويتز، وأحد مستثمري الأسهم في الصفقة، وكان موظفا سابقا في تويتر ومسؤولا سابقا عن المنتجات في كل من شركتي ميتا وسناب.
يقوم فريق ماسك باستكشاف عدد من التغييرات في المنتجات، بدءا من إعادة تشغيل منصة فاين للفيديو، وفرض الرسوم على الرسائل المباشرة والتخلص من الحسابات غير النشطة.
يقوم أليكس سبيرو، المحامي المشهور والشجاع الذي قاد معركة ماسك القانونية الفوضوية ضد شركة تويتر نفسها، بمعالجة استراتيجية ماسك القانونية والسياسية. أنطونيو جراسياس، المدير السابق لشركة تسلا الذي أسس مجموعة فارول إكويتي بارتنرز للأسهم الخاصة، يقوم بتقديم المشورة له أيضا في النواحي المالية، إلى جانب جاريد بيرشال، الذي يدير مكتب عائلة ماسك.
قال إريك تالي، أستاذ في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا: "عليه أن يجلب الأشخاص الذين يثق بهم. لكن قد يكون لذلك أثر أنه ضحى ببعض الخبرة في مجال منصات وسائل التواصل الاجتماعي". أضاف: "يعد هذا نموذج حوكمة مغلقا للغاية، وهو أكثر انغلاقا من الشركات ذات الحجم المماثل بكثير".
في بريد إلكتروني إلى المعلنين هذا الأسبوع، اطلعت عليه "فاينانشيال تايمز"، كتبت تويتر: "لقد بدأ الفريق الانتقالي للتو عملية تعلم خصوصيات وعموميات الشركة والطريقة التي نعمل بها". وأضافت أن فريق القيادة في تويتر كان "يعمل عن كثب" مع الفريق الانتقالي، حيث أصروا على "أنهم يريدون أن يكونوا داعمين لفريقنا وما هو ضروري لتقديم الدعم لكم جميعا".

صدمة ثقافية
أما داخل الشركة، فقلة كانوا على اتصال بالدائرة المقربة من ماسك هذا الأسبوع. بدلا من ذلك، كان الفريق الذي جلبه ماسك من موظفي شركة تسلا هو من طلب في البداية من المديرين وضع قوائم بمن يجب فصلهم من الشركة وبدأوا في الإشراف على الاختبارات البرمجية.
فيما طلب من بعض الفرق العمل على مدار الساعة من أجل تنفيذ رؤية ماسك الجديدة للمنتجات، بما في ذلك خطط لإطلاق خدمة اشتراك للحسابات المتميزة مقابل ثمانية دولارات. هزت هذه المطالب ثقافة العمل المريحة والديمقراطية التي تتسم بها شركة تويتر، حيث نشر أحد الموظفين صورة وهم نائمون على أرضية المكتب داخل كيس نوم مرتدين قناعا لتغطية الأعين.
لكن هذا التغيير تسبب في حدوث توترات، وفقا لشخصين مطلعين، مع تزايد الانقسام بين الموظفين الذين يتنافسون للحصول على نفوذ في النظام الجديد والآخرين الذين يعتقدون أنه يجب تحدي القادة الجدد.
قالت آن ليبتون، أستاذة قانون الشركات في جامعة تولين: "أصبحت الشركة الآن تشبه الشركات العائلية تقريبا، حيث قد لا تكون هناك حاجة ماسة إلى الجمود كما في الشركات العامة". أضافت: "لذا، أتخيل أن هناك صدمة ثقافية قوية يشعر بها موظفو تويتر، الذين ربما اعتادوا على التعامل مع سلسلة أوامر أكثر تحديدا، وعلينا أن نرى مدى تأثير ذلك مع المعلنين الذين قد يتوقعون أيضا التعامل مع هيكلية عمل أكثر رسمية".
مع اقتراب الموعد المصيري الذي ستجري فيه عمليات الفصل، يتهيأ كثيرون للصدمة. حيث وصف أحد كبار الموظفين شعوره المتزايد "بالخدر" مع مرور أيام الأسبوع. قال آخر كثيرون الآن يخافون التحدث علنا، واصفا القنوات على برنامج سلاك لمحادثات العمل التي كانت تنبض بالحياة في السابق بأنها أصبحت كالمقبرة.
لكن في وقت متأخر من الخميس تغير كل ذلك بعد إرسال بريد إلكتروني على مستوى الشركة إلى الموظفين لإخبارهم أن التخفيضات الجماعية في الوظائف باتت وشيكة، وأنهم سيعلمون وضعهم الوظيفي الجديد بحلول صباح اليوم التالي عبر البريد الإلكتروني. قام الموظفون بإغراق إحدى القنوات الاجتماعية على تطبيق سلاك برموز تعبيرية تلقي التحية في إشارة للتضامن، فيما بدأ آخرون يجدون أنهم ممنوعون من الدخول إلى بريدهم الإلكتروني وتطبيق سلاك فقاموا بمشاركة الأخبار على منصة تويتر نفسها.
أعرب آخرون عن غضبهم. كتب كوشال ديف، مدير الهندسة على منصة تويتر، وفقا لملفه الشخصي على موقع لينكد إن: "أنا بصراحة سعيد بقرار التسريح لكن ستار ماسك أصبح مكشوفا. نظرا للفوضى التي كان عليها موقع تويتر قبل إيلون، إلا أنه أصبح الآن مسرحا حقيقيا للسياسة والتهور والانتهاكات النفسية".

المخاوف المتعلقة بالإعلان
وسط المخاوف بشأن خطط ماسك للتخفيف من قوانين الإشراف على المحتوى والسماح للمستخدمين المحظورين بشكل دائم بالعودة إلى المنصة، سعى فريق ماسك أولا إلى طمأنة الجهات المعلنة التي تعد المصدر الرئيس لإيرادات تويتر.
أخبر ماسك الأربعاء عديدا من كبار المنفقين على الإعلانات على تويتر أنه يعتزم التركيز على التكنولوجيا والهندسة، وتعزيز الأمن على منصة تويتر. وقال إنه يعتزم تقديم مستويات مختلفة من الإشراف على المحتوى، على غرار نظام تصنيف الأفلام، وفقا لثلاثة أشخاص مطلعين على المحادثة، وأنه سيعين مجلسا للإشراف على المحتوى قبل إجراء أي تغييرات على السياسات المتعلقة به.
مع ذلك، أعلنت أعداد متزايدة من العلامات التجارية، مثل جنرال موتورز وفولكس فاجن وكارلسبرج وجنرال ميلز، توقف الإنفاق على المنصة بشكل مؤقت نظرا لمخاوفهم حول مسألة الإشراف.
فيما بدا ماسك كأنه يتجاهل مخاوف المسوقين يوم الأربعاء، حيث غرد على تويتر باستطلاع للرأي يسأل عما إذا كان يجب على المعلنين دعم حرية التعبير أو دعم "الصدق" السياسي.
حذر ماسك يوم الجمعة من أن شركة تويتر قد شهدت "انخفاضا هائلا في الإيرادات، بسبب الضغط الذي مارسته مجموعات النشطاء على المعلنين، رغم عدم تغيير أي شيء يتعلق بالإشراف على المحتوى وأننا فعلنا كل ما بوسعنا لإرضاء النشطاء".
أضاف: "هذا الأمر فوضوي للغاية! إنهم يحاولون تدمير حرية التعبير في أمريكا".
قال كيسي ماتوكس، الزميل الأول في معهد تشارلز كوخ: "لقد أصبح بمنزلة كيس الملاكمة على الفور، وهذا هو الجانب السلبي الذي يترتب على الدخول في مثل هذا المنصب".
يبدو أن ماسك يستمتع بهذا التحدي. حيث كتب ماسك، الذي غير ملفه الشخصي على تويتر من "تشيف تويت" إلى "مشغل الخط الساخن للشكاوى على تويتر": "إن التعرض للهجوم من اليمين واليسار في آن واحد هو إشارة جيدة".

الأكثر قراءة