المستثمرون الأثرياء يبحثون عن القيمة في الأسواق المضطربة

المستثمرون الأثرياء يبحثون عن القيمة في الأسواق المضطربة

بددت أرقام التضخم المرتفعة في الولايات المتحدة الآمال في أن الاحتياطي الفيدرالي سيخفف قريبا من زيادات أسعار الفائدة - ما دفع كثيرا من مستثمري الأسهم والسندات للإسراع إلى بوابة الخروج.
كان مديرو صناديق التحوط أصحاب المليارات وغيرهم من الأثرياء من بين الذين يبيعون بسرعة. لكن ليس الجميع، بالطبع. يتطلع بعض الأثرياء إلى القيم المنخفضة باعتبارها فرصا للشراء، ولا سيما في قطاع التكنولوجيا الأكثر تضررا.
بينما يمكنهم مثل أي شخص رؤية المخاطر الاقتصادية المتعددة التي تواجه الولايات المتحدة والعالم، فإنهم يأملون في شراء أسهم نمو طويل الأجل بأسعار منخفضة، انخفض مؤشر ناسداك كومبوزيت الذي يركز على شركات التكنولوجيا 32 في المائة في العام حتى أيلول (سبتمبر)، مع تراجع أسهم شركتي التكنولوجيا القويتين "ألفابيت" و"مايكروسوفت" 30 في المائة.
في الوقت الحالي، يشكل هؤلاء المستثمرون الجريئون أقلية. في حين تتغير المعنويات أسبوعيا، في مسح أجري في آب (أغسطس) للأفراد ذوي الثروات الصافية الفائقة "الذين تزيد ثرواتهم على 50 مليون دولار"، قال 4 في المائة فقط من المستجيبين إنهم يستثمرون في أسهم التكنولوجيا، وفقا لـ"تايجر 21"، نادي أصحاب الملايين في الولايات المتحدة. قال نحو 13 في المائة من المستجيبين إنهم باعوا أسهم التكنولوجيا هذا العام. مقارنة، قال 23 في المائة إنهم يضخون الأموال في العقارات.
يقول مايكل سونينفيلدت، مؤسس نادي تايجر 21، "هناك بالتأكيد شعور بالقلق والحذر في مجموعتنا". يقول إنه من بين أصول الملاذ الآمن التي ناقشها أعضاؤه، "لا تزال العقارات السكنية استراتيجية أساسية".
عدد سكان الولايات المتحدة من أصحاب الثروات الهائلة كبير ومتنوع، يتجاوز عددهم 140 ألف فرد، وفقا لمصرف كريدي سويس - من مؤسسي الشركات إلى الورثة في كثير من القطاعات المختلفة. لذلك ليس من المستغرب أن تكون شهيتهم للمخاطرة متباينة بالقدر نفسه. لا يوجد مكان يصدق فيه هذا المنطق أكثر من قطاع التكنولوجيا. مع انحسار جائحة كوفيد- 19، ارتفعت قيمة شركات التكنولوجيا - وبلغت ذروتها في أوائل 2022 عندما أصبحت شركة أبل أول شركة تصل قيمتها السوقية إلى ثلاثة تريليونات دولار.
ثم دخل القطاع في حالة من السقوط الحر. في أيار (مايو)، أعلن صندوق فيجين التابع لسوفت بانك، واحد من أكبر مستثمري التكنولوجيا في العالم، خسارة سنوية قدرها 27 مليار دولار، وسجل "تايجر جلوبال"، صندوق تحوط معروف بالاستثمار في الشركات الناشئة، خسارة قدرها 17 مليار دولار. في أواخر الصيف، حاولت "كلارنا"، وهي شركة سويدية تعمل في نظام اشتر الآن وادفع لاحقا، التي كانت حينها أقل من نصف ذروة قيمتها البالغة 46 مليار دولار، أن تجمع أموالا جديدة. تؤدي التخفيضات المشابهة إلى الضغط على أصحاب رؤوس الأموال المغامرة الذين يكافحون من أجل جمع الأموال لشركات التكنولوجيا الناشئة.
ظل المستثمرون الأثرياء الحذرون بعيدين تماما عن التداعيات. بدلا من ذلك، احتفظوا بأموالهم نقدا أو اتجهوا إلى المعقل التقليدي لفاحشي الثراء، العقارات. الآن، بعد أن خفت حدة الجائحة، تمتعت نيويورك "بواحد من أبرز التحولات في تاريخ العقارات"، كما يقول سونينفيلدت. بلغ متوسط أسعار العقارات في مانهاتن قيمة قياسية قدرها 1.25 مليون دولار هذا الصيف، بزيادة 10.6 في المائة على العام السابق، وفقا للخبير العقاري، ميلر صموئيل، والوسيط، دوجلاس إليمان. في تموز (يوليو)، مثلت شركة إليمان شخصا اشترى شقة علوية بقيمة 74 مليون دولار في فيفث أفينيو، وهي أغلى صفقة في العام حتى الآن. كما ازدهرت الأسعار في المراكز الثرية الأخرى، بداية من بوسطن إلى لندن، هذا العام.
تثبت أصول الطاقة بدورها شعبيتها بين الأثرياء. يأخذ المستثمرون في الحسبان استمرار انخفاض الاستثمار في تطوير النفط والغاز في العقد الماضي والتأثير المدمر للأزمة بين روسيا وأوكرانيا. أشاروا إلى أنه اعتبارا من نهاية سبتمبر، كان قطاع الطاقة الفئة الوحيدة لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 في المنطقة الإيجابية هذا العام، بارتفاع 30 في المائة.
على الرغم من تفضيل إدارة بايدن الطاقة النظيفة والقلق العالمي بشأن تغيرات المناخ، إلا أن الأثرياء لم ينفروا من الاستثمار، خاصة في تكساس، التي تعيش في خضم طفرة نفطية جديدة. يقول ريتشارد وار، أستاذ المالية في جامعة ولاية كارولينا الشمالية والمتخصص في دراسة سوق الأوراق المالية، "بينما كان أداء قطاع الطاقة جيدا، إلا أنه يرجع جزئيا إلى حالة عدم اليقين الهائلة بشأن قطاع الطاقة مع الوضع في أوكرانيا. هناك بلا شك فرص لجني المال في هذا القطاع، لكن المخاطر عالية".
بالنسبة إلى المستثمرين الأكثر جرأة، هذه لحظة للشراء في قطاع التكنولوجيا. بل إنهم يرون أوجه تشابه مع بداية الازدهار التكنولوجي الذي دام عقدا من الزمن الذي بدأ في الفترة ما بين 2011 و2012. يقول جيسون إنجل، الشريك المؤسس والشريك العام في "كلوزد لوب كابيتال"، شركة رأس مال مغامر ناشئة، "كان 2022 عام تصفية حسابات. لكن اليوم هناك بعض الأشياء نفسها التي رأيتها في 2011 و2012، التي كانت فرصا هائلة عبر عدد من القطاعات، دون المبالغة في التقييم".
لكن حتى إنجل المتحمس، حفيد حفيد هنري فورد ومن المستثمرين الأوائل في "بيوند ميت"، شركة تصنيع اللحوم النباتية البديلة، يحذر من أن كثيرا من الأموال لا تزال تتحرك في أنحاء القطاع، ما أدى إلى بعض الاستثمارات الضعيفة. يقارن ظروف اليوم بأوقات سابقة في الطفرة التكنولوجية، عندما "كان لديك رأس مال متدفق في ذلك ربما لم يكن من المفترض أن يكون، والآن لديك ذلك مع كثير من أموال صناديق التحوط".
يخشى مستثمرون آخرون من أصحاب الثروات العالية أيضا من أن التقييمات التكنولوجية ربما لا زالت مرتفعة للغاية. يقول ماثيو سالوي، الذي يدير شركة عائلية وشركة لرأس المال الاستثماري، إنه في الصيف، اتصلت به شركة تكنولوجيا بحثا عن مستثمر رئيس. يقول، "انخفض التقييم أكثر من 60 في المائة عما كان مقترحا في البداية. في النهاية، لم نقم بذلك لأننا شعرنا أن التقييم كان لا يزال مرتفعا للغاية".
مع ذلك، ظهرت فرص، بما في ذلك بالنسبة إلى سالوي الحذر. مثلا، استثمر في "لايت ماتر"، شركة مقرها بوسطن تعمل على تطوير رقاقات دقيقة تعمل بالضوء لتسريع حوسبة الذكاء الاصطناعي. تستخدم هذه الرقائق نصف طاقة تلك الموجودة في المعيار، وفقا لسالوي. يقول، "إذا كان بإمكانك الحصول على معالجة أكثر قوة لكن أقل استخداما للطاقة، فإنك توجد حقا فرصة تجارية بل أيضا تأثير صفريا صافيا لانبعاثات الكربون".
إشارة سالوي إلى صافي الانبعاثات الصفري تؤكد مدى أهمية المخاوف البيئية والاجتماعية والمتعلقة بالحوكمة لكثير من الأمريكيين الأثرياء، على الرغم من عودة الاستثمارات في الوقود الأحفوري في تكساس والحذر العام الناجم عن عمليات البيع الشاملة في سوق الأوراق المالية.
تقول ليزل بريتزكر سيمونز، التي تدير مع زوجها إيان سيمونز، مبادرة بلو هيفن في الولايات المتحدة، وهي مكتب عائلي يركز على الاستثمار، إنها تواصل الاستثمار في أحد الأماكن المفضلة لديها في سوق التكنولوجيا العالمية، التكنولوجيا المالية الإفريقية. إحدى رهانات بلو هيفن الإفريقية كانت "باي ستاك"، شركة معالجة معاملات غير نقدية. في 2020، تم شراء "باي ستاك" بوساطة "سترايب"، أيضا شركة معالجة مدفوعات وحاليا واحدة من أكبر الشركات الناشئة التي تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار في العالم.
باعتبارها عضوا في مجموعة شركات بريتزكر في شيكاغو، لا تزال "بريتزكر سيمونز" ملتزمة بالتكنولوجيا المالية الإفريقية في مراحلها المبكرة عبر "بلو هيفن". مع ذلك، تقول إنها بدأت في تحويل محفظتها من أسهم النمو إلى أسهم القيمة العام الماضي. تقول، "نظرا إلى الاضطرابات التي تشهدها الأسواق الآن، كنا نقوم بإعادة توازن تكتيكي نحو امتلاك أسهم قيمة أكثر من أسهم النمو وهذا يعني الابتعاد بعض الشيء عن التكنولوجيا".
لكن هذا لا يعني تجنب كل أنواع التكنولوجيا. في الجزء الاستثماري المغامر من محفظتها، تتطلع "بريتزكر سيمونز" إلى فرص في تكنولوجيا المناخ المبتكرة. تقول، "لطالما كان المناخ موضوعا موجودا في محفظتنا الاستثمارية، لكننا نتقدم في هذا المجال".
مثل كثير من المستثمرين الأثرياء الآخرين، تشيد بريتزكر سيمونز بقانون جو بايدن للمناخ، قانون خفض التضخم، باعتباره "مغيرا لقواعد اللعبة" ومن شأنه أن يبتكر آفاقا استثمارية في مواجهة تغير المناخ بالتكنولوجيا - فرصة سوقية تبلغ 370 مليار دولار، كما يقول محللون. تقول، "عموما، إننا ننظر إلى البنية التحتية المناخية، لكن ما زلنا نضيق ذلك".
كما أن حالة عدم اليقين في السوق العالمية تمنع المستثمرين الأمريكيين الأثرياء من الاستثمار المؤثر، أو الاستثمار مع التركيز على تحقيق الأهداف البيئية والاجتماعية والحوكمة إضافة إلى جني الأموال. وجد تقرير صدر في كانون الثاني (يناير) من مصرف وادي السيليكون أن 79 في المائة من المكاتب العائلية كانت تقوم باستثمارات في رأس المال الاستثماري مع استراتيجيات الاستثمار المؤثر أو الاستراتيجيات البيئية والاجتماعية والحوكمة المعمول بها. في 2020، كان أقل من نصف المكاتب العائلية التي شملها الاستطلاع من قبل المصرف تبحث عن عوائد الاستثمار والأثر الاجتماعي أو البيئي لاستثمارات رأس المال المغامر التي تقوم بها.
يرى الأفراد الأثرياء الآن إمكانات في الاستثمارات المؤثرة. مثلا، جمعت شركة كيه كيه أر الاستثمارية في وول ستريت صندوق تأثير عالمي ثانيا بلغ إجماليه 1.3 مليار دولار. سجل صندوق التأثير الأول، الذي تبلغ قيمته مليار دولار، زيادة 29 في المائة في العوائد "بما في ذلك الرسوم والفوائد المحملة" للعام المنتهي في 30 حزيران (يونيو)، وفقا لعمليات التسجيل التنظيمية.
في 2017، أسس لوكاس والتون، حفيد سام والتون، ومؤسس إمبراطورية وول مارت للبيع بالتجزئة، "بلدرز فيجين"، مؤسسة استثمار مؤثر مع قسم خيري، مبادرة بلدرز. في سبتمبر من هذا العام، قال القسم إنه بصدد تحويل نحو 900 مليون دولار، أو 90 في المائة من أصول الوقف، إلى استثمار مؤثر من العمل الخيري التقليدي. على الرغم من ظروف السوق القاتمة، "بالطبع لن نتوقف" عن الاستثمار المؤثر، كما تقول نويل لينج، كبيرة مسؤولي الاستثمار في مبادرة بلدرز. "أتفق بالتأكيد مع فكرة أنها فرصة للشراء".
في أيامه الأولى، تجنب بعض المستثمرين الاستثمار المؤثر، حيث قالوا إن الناس سيضحون بالعائدات لتحقيق أهداف جديرة بالثناء. لكن تلك الانطباعات آخذة في التلاشي، بحسب "باثستون"، وهو مكتب عائلي أمريكي. في نظرة عامة على 2022، قال، "إن فكرة التضحية بالعوائد للاستثمار بشكل مدروس يمكن مناقشتها مع الحقائق والنتائج".
يوافق سالوي على ذلك. يقول، "حقا، حركة إزالة الكربون هذه التي نراها نعتقد أنها حقا فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في الجيل للتأثير حقا في العالم بأسره. لكنها تنطوي أيضا على فرصة قوية لتحقيق مكاسب اقتصادية".
وسط قلق السوق من المخاوف الأكثر إلحاحا - بما في ذلك أسعار الفائدة والتضخم ونمو الناتج المحلي الإجمالي - فإن هذه الثقة ليست شائعة بين الأمريكيين الأثرياء في الوقت الحالي. لكنها موجودة.

الأكثر قراءة