التقاعد المبكر تحد جديد يواجه الاقتصاد البريطاني

التقاعد المبكر تحد جديد يواجه الاقتصاد البريطاني

أظهر تحليل جديد أن العمال الأكبر سنا يتركون القوى العاملة في المملكة المتحدة، لأنهم يختارون التقاعد مبكرا، وليس بسبب سوء الصحة، الأمر الذي قد يفرض إعادة تقييم التحديات التي تواجه الاقتصاد.
الارتفاع الحاد في الخمول الاقتصادي بعد الجائحة - الأشخاص الذين لا يعملون ولا يبحثون عن عمل - يعد مصدر قلق حاد لصانعي السياسة في المملكة المتحدة، لأنه أضاف ضغوطا إلى سوق عمل ضيقة، حيث يكافح كثير من أرباب العمل للتوظيف.
يخشى بنك إنجلترا أن يؤدي هذا إلى استمرار التضخم المرتفع لفترة أطول إذا انتهى الأمر بأصحاب العمل بدفع أجور أعلى ورفع الأسعار بشكل أكبر نتيجة لضيق المعروض من اليد العاملة.
جوناثان هاسكل، صانع سياسة في بنك إنجلترا، قال الشهر الماضي "إن التغييرات في المشاركة في سوق العمل تبرز كإرث اقتصادي رئيس من كوفيد في المملكة المتحدة، وستعوق النمو".
أشار كثير من المحللين إلى ارتفاع حاد يبلغ نحو 160 ألفا منذ نهاية 2019 في عدد الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 50 و64 عاما الذين قالوا "إنهم لا يعملون بسبب المرض المزمن، باعتباره تفسيرا محتملا".
قال هيو بيل، كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، الشهر الماضي "إن تأثير الجائحة في الصحة كان على الأرجح دافعا رئيسا للخمول"، مجادلا بأن كوفيد طويل الأجل، وقوائم انتظار هيئة الخدمات الصحية الوطنية التي تزيد سوءا، وارتفاع مشكلات الصحة العقلية، والحاجة إلى رعاية أفراد الأسرة في المنزل تؤثر جميعها في المعروض من العمالة.
مع ذلك، يتعارض تحليل جديد للبيانات الرسمية أجراه معهد الدراسات المالية مع هذه الرواية. وجد التحليل أن الارتفاع الأخير في الخمول المرتبط بالصحة يتركز بين الأشخاص الذين كانوا بالفعل خارج القوى العاملة لخمسة أعوام على الأقل.
تظهر الأرقام التي ينشرها مكتب الإحصاءات الوطنية شهريا عدد الأشخاص غير النشطين فقط، والأسباب التي يستشهدون بها لكونهم غير نشطين، في حين استخدم معهد الدراسات المالية البيانات التي تتعقب الأشخاص بمرور الوقت، ما سمح للباحثين بالتعمق أكثر في البحث.
قال معظم هؤلاء الأشخاص في الخمسينات وأوائل الستينات من العمر، الذين تركوا القوى العاملة أخيرا - وهي الفئة العمرية الرئيسة التي أدت إلى زيادة الخمول - "إنهم لا يعملون لأنهم تقاعدوا".
قال جوناثان كريب، المدير المساعد في معهد الدراسات المالية ومؤلف البحث "بشكل أساسي، يترك الناس العمل من أجل التقاعد بمعدل أكبر مما اعتادوا عليه. في الوقت نفسه، يبدو أن الأشخاص الخارجين بالفعل من القوى العاملة أكثر مرضا، ويقولون إنهم عاطلون عن العمل بسبب ذلك".
تتحدى النتائج الفكرة السائدة بأن سوء الصحة هو التفسير الرئيس لانكماش ما بعد الجائحة في القوى العاملة في المملكة المتحدة.
كما تشير إلى أن صانعي السياسات قد يحتاجون إلى أن يكونوا واقعيين بشأن المدى الذي من المرجح أن يعود إليه الذين تركوا العمل أخيرا، ما لم يضطروا إلى ذلك بسبب الضغوط المالية، حيث بلغ معدل التضخم 10.1 في المائة في أيلول (سبتمبر)، وهو أعلى مستوى له منذ 40 عاما.
حتى الآن، لا توجد هناك أدلة كثيرة على أن كبار السن "يعودون إلى القوى العاملة" على الرغم من ارتفاع التضخم. قال كريب "إن التجربة السابقة تشير إلى أن 5 إلى 10 في المائة فقط ممن تقاعدوا عادوا إلى القوى العاملة"، مشيرا إلى أن كثيرا منهم قد سددوا بالفعل قروضهم العقارية. لكنه أضاف أنه "من المستحيل التنبؤ بكيفية استجابة الناس لأزمة تكاليف المعيشة".
لكن نتيجة معهد الدراسات المالية لا تغير الحال بالنسبة إلى الحكومة وأرباب العمل لبذل مزيد لتلبية احتياجات القوى العاملة المسنة ومساعدة الذين يعانون أمراضا مزمنة على الاحتفاظ بوظائفهم.
حتى لو لم يكن سوء الصحة هو الدافع وراء الموجة الأخيرة من التقاعد المبكر، فإنه عامل متنام يمنع كثيرا من كبار السن من العمل بالقدر الذي يرغبون فيه.
جادل هاسكل بأن مسح مكتب الإحصاء الوطني يقلل من حجم المشكلة، لأنه يحدد فقط أولئك الذين يشيرون إلى المرض باعتباره السبب الرئيس لخمولهم الاقتصادي. كما أشار إلى وجود أعداد كبيرة من الناس ما زالوا يعملون لكنهم غير قادرين على العمل بدوام كامل بسبب سوء صحتهم.
أوضح تقرير صادر عن مركز أبحاث ديموس، الذي نشر الأسبوع الماضي، الطرائق التي يمكن من خلالها للظروف الصحية - إلى جانب عوامل أخرى، مثل ثقافة مكان العمل السيئة أو عدم مرونة المديرين - أن تدفع الناس إلى التقاعد المبكر.
قال أندرو فيليبس، باحث في "ديموس"، الذي تضمنت دراسته مقابلات مع موظفين سابقين في المكاتب وموظفي القطاع العام، ممن يعانون ظروفا صحية مختلفة من أمراض عقلية خطيرة إلى التهاب المفاصل أو مشكلات في القلب والأوعية الدموية أو أعراض انقطاع الطمث "من الواضح أن هناك كثيرا من الناس لم يختاروا ترك العمل، لكنهم شعروا بأنه يتعين عليهم ذلك".
دعا "ديموس" الحكومة إلى العمل مع أصحاب العمل لتعزيز الوصول إلى خدمات الصحة المهنية، ومعالجة ممارسات التوظيف القائمة على التفرقة العمرية، وإعادة تصميم الوظائف لتلبية احتياجات العمال بشكل أفضل.
قال خبراء سوق عمل آخرون "إن الحكومة يجب أن تبذل جهدا أقل في حث المطالبين بالمزايا على العمل أكثر، وبذل مزيد من الجهد لإعادة تصميم خدمات دعم التوظيف لمساعدة كبار السن الذين تركوا العمل، لكنهم لا يطالبون بالمزايا".
سيكون تسهيل العمل في ظروف صحية مزمنة أمرا مهما، بغض النظر عن سبب ترك الأشخاص وظائفهم في البداية، وفقا لتوني ويلسون، مدير معهد دراسات التوظيف، الذي أشار إلى أن الأشخاص الذين يعانون مشكلات صحية قد يقنعون صاحب العمل الحالي لمنحهم المرونة التي يحتاجون إليها، لكن ليس صاحب عمل جديد.
قال أمام لجنة من النواب الأسبوع الماضي "يعاني واحد من كل خمسة أشخاص إعاقة أو حالة صحية تحد من العمل. بمجرد أن تكون عاطلا عن العمل وتعاني حالة صحية، من الصعب أن تسترجع وظيفتك".

الأكثر قراءة