التحوط ضد العملات يزيد المخاطر على النظام المالي
ارتفعت قيمة الدولار نحو 20 في المائة العام الماضي، ويعزو الخبراء هذا الأداء عموما إلى ارتفاع أسعار الفائدة وإلى عمليات شراء الدولار، بوصفه "ملاذا آمنا" في أوقات الاضطراب.
السبب الأول يبدو أكثر صوابا، إلا أن القناة الرئيسة التي تؤثر من خلالها أسعار الفائدة الأمريكية المرتفعة في الدولار لا تزال غير مفهومة، على الرغم من تداعياتها الهائلة على النظام النقدي الدولي الحالي.
غالبا ما يتم تفسير ارتفاع قيمة الدولار في الأزمات على أنه رحلة إلى ملاذ تم تصوره من قبل، لكن في الواقع جزءا كبيرا منه يرجع إلى حاجة المستثمرين غير الأمريكيين لشراء الدولارات لتغطية الخسائر في الأصول الدولارية، أو تقليل عمليات التحوط عليها.
بعد عقود من حالات العجز المزمنة في الحساب الجاري، اجتذبت الولايات المتحدة مبالغ هائلة من رأس المال الأجنبي لتمويل هذه العجوزات، وراكمت بذلك عجزا في الأصول المالية الخارجية مقارنة بالتزاماتها التي تزيد على 18.5 تريليون دولار. يمتلك الأجانب حاليا أكثر من 14 تريليون دولار من السندات المقومة بالدولار. نصفها تقريبا محفوظ على شكل احتياطيات رسمية، وما تبقى يوجد غالبا في حوزة المستثمرين في الدول ذات الفوائض المزمنة في الحساب الجاري.
من المرجح أن يقوم المستثمرون المؤسسيون الأجانب بالتحوط ضد مخاطر صرف العملات على سنداتهم المقومة بالدولار. وبالنسبة إلى أي مستثمر لديه ميزانية مخاطر، أو خاضع لقوانين تنظيمية قائمة على المخاطر، فإن امتلاك سندات أجنبية بدون تحوطات لا يعد أمرا جذابا نظرا إلى تقلب العملات.
بدعم من الدراسات الأكاديمية، طور المستثمرون أيضا قناعة بشأن اتجاه أسعار الفائدة وأسواق الأسهم أكثر من قناعتهم بالعملات. لذا هم يفضلون في الغالب أن يراهنوا على الأوليين، لكنهم يتحوطون من الأخيرة. وعادة ما يقومون بالتحوط من انكشافهم عن طريق بيع الدولار والموافقة على شراء عملتهم المحلية لأجل مسمى.
خلال العام الماضي عانى المستثمرون خسائر فادحة نتيجة انخفاض أسعار السندات في جميع أنحاء العالم بسبب ارتفاع أسعار الفائدة. ونظرا لانخفاض قيمة محافظ السندات الدولارية، اضطر المستثمرون الأجانب إلى تعديل تحوطاتهم خفضا بشراء الدولارات مرة أخرى وبيع عملاتهم المحلية.
عادة يتم تنفيذ هذا النشاط من قبل المكاتب الخلفية التي تعدل حجم التحوطات ضد صرف عملتها قياسا بقيمة المحفظة، على أساس ربع سنوي على الأقل. غير أن البيانات الدقيقة لا تتوافر حول مقدار الحيازات الأجنبية من السندات الدولارية التي تم التحوط لها بالفعل. لكن ما يقارب نصف السندات المقومة بالدولار، البالغة 14 تريليون دولار التي يحتفظ بها على شكل احتياطيات رسمية، ليست محمية. لكن يمكننا أن نفترض أن نحو نصف مبلغ سبعة التريليونات دولار المتبقية، أي 3.5 تريليون، قد تم التحوط لها. هذا العام بلغت الخسائر في محافظ السندات الأمريكية نحو 20 في المائة، لذلك نسبة عمليات التحوط التي يتم فكها كانت تدور حول هذا الفلك.
هذا يعني أن المستثمرين الأجانب كانوا سيعيدون شراء نحو 700 مليار دولار، وهو مبلغ من المرجح أن يكون أكبر بكثير من تدفقات المضاربة التي تطارد الدولار لأي سبب آخر.
ومن ثم فإن تعديل التحوط هو عامل حاسم يفسر قوة الدولار خلال العام الماضي. وقد شهدنا أنماطا مشابهة في الأزمات الأخيرة. أما التفسير البديل لشراء الدولار باعتباره ملاذا آمنا فلم يكن مقنعا أبدا في حالات مثل الأزمة المالية، عندما كانت الولايات المتحدة تعاني فشل البنوك وسط أزمة العقارات.
إذا كانت فرضيتي صحيحة، فهناك آثار عميقة تترتب على نظامنا لأسعار الصرف العائمة. إحدى الطرق الرئيسة التي كان من المتوقع أن تظل الاختلالات الدولية محتواة بها هي أن دولة تعاني عجزا مزمنا في الحساب الجاري مثل الولايات المتحدة ستعاني في مرحلة ما انخفاضا في قيمة عملتها، لأن المستثمرين الأجانب سيصبحون مشبعين بمخاطر الأصول المقومة بالدولار. ومن شأن هذا الانخفاض في قيمة العملة أن يساعد الولايات المتحدة على إعادة التوازن لحسابها الجاري.
لكن صندوق تقاعد هولنديا، مثلا، يمتلك سندات الخزانة على أساس التحوط من غير المرجح أن يكون مشبعا بالمخاطر الأمريكية. ذلك لأن وزارة الخزانة لن تتخلف عن الوفاء بالتزاماتها، لأنها يمكن أن تطبع دولارات لسدادها، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، خطر أن تؤدي الطباعة الزائدة للدولارات إلى تخفيض قيمة العملة، مأخوذ في الحسبان من خلال التحوط ضد مخاطر الصرف. وبهذه الطريقة، الدول ذات الفائض مستعدة لمراكمة مزيد من ديون الدول التي تعاني العجز.
عند حدوث ذلك سيضيف تمويل الاختلالات إلى التدفقات المالية العابرة للحدود، التي تستمر في النمو. وبينما تزداد ديون الولايات المتحدة للأجانب، تزداد مطالباتهم على الولايات المتحدة. النظام المالي مطالب بتقليص هذه الأرصدة المتزايدة باستمرار، ما يؤدي إلى إجهاد الميزانيات العمومية للبنوك.
والأهم من ذلك، أن الاختلالات المزمنة تزيد من مقاييس عدم الاستقرار المالي المحتمل، مثل نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. نحن بحاجة إلى مواجهة هذه الديناميكيات الجديدة غير المعترف بها كثيرا قبل أن تتراكم على النظام المالي الدولي مخاطر أكثر مما يمكنه أن يحتمل.
*مديرة شركة بلجريف كابيتال مانيجمنت وبنك بانكا ديل سيريسيو.