أحداث السوق العنيفة تضع المنظمين على المحك
مع تراجع المد عن حقبة طويلة من أسعار الفائدة المنخفضة، أصبح من غير الممكن لأحد أن يتوقع بثقة من أين ستنبثق موجة اضطراب الأسواق المالية التالية. مقولة "توقع غير المتوقع" تثير أسئلة مربكة عن مسألة التنظيم المالي الحديث.
من هذه الأسئلة، مثلا، ما حجم المسؤولية التي تتحملها الهيئات التنظيمية فعلا عن تداعيات هذه الأحداث الاستثنائية، وإذا أمكن إلقاء المسؤولية عليها، جزئيا على الأقل، فهل ينبغي لها بذل مزيد من الجهد للاطلاع بها؟
الاضطراب الأخير في أسواق معاشات التقاعد والسندات في المملكة المتحدة لا يبشر بالخير عما ينتظر الأسواق والنظام المالي.
بدأت القصة التي أدت إلى تدخل طارئ من بنك إنجلترا، بما وصف عن جدارة بأنه تحركات "غير مسبوقة"، في أسعار السندات الحكومية، عقب الإعلان عن كارثة الميزانية "المصغرة" لكواسي كوارتنج وزير المالية السابق. تأرجح العائد على سندات الخزانة لأجل 30 عاما بواقع 1.6 نقطة مئوية خلال أيام قليلة، واعتبرت تلك حركة غير مسبوقة.
وكما يعلم المتحمسون من متابعي القطاع المالي، فإن اختبار الإجهاد يقبع في صميم ثقافة إدارة المخاطر التي برزت بعد الأزمة المالية.
عادة يمكن أن يتخيل المرء سيناريو كئيبا، حدوث ركود أو انهيار في أسعار المنازل، ثم يتأمل كيف سيؤثر ذلك في البنوك، أو شركات التأمين، أو أي شيء آخر يهمك. إذا كان ذلك سيجعلهم يفتقرون إلى السيولة، أو رأس المال، أو القدرة التشغيلية، أو أي شيء آخر، فأنت، بصفتك المنظم، ستأمرهم بسد الفجوة.
يجب على الاختبارات أن تسير بالعكس، لكن على ذلك أن يتم بصورة معقولة أيضا. إن وضع السيناريوهات يعتبر فنا أكثر من كونه علما، لكن هناك أمرا واحدا مؤكدا، أيا كان ما سيأتي به المنظمون فإنهم سيفشلون بشكل كبير في توقع ما لا يمكن توقعه. مثلا، تأرجحا غير مسبوق في أسعار السندات.
بنك إنجلترا، الذي يتحمل المسؤولية عن الاستقرار المالي في المملكة المتحدة، أجرى اختبارا لاستراتيجيات الاستثمار المدفوع بالالتزامات، التي كانت في قلب مشكلات صناديق معاشات التقاعد الأخيرة، في 2018. اختبر البنك هذه الاستراتيجيات مقابل زيادات فورية في أسعار الفائدة بنسبة 0.25 و0.5 و0.25 و0.5 و0.25 ونقطة مئوية لجميع العملات وآجال الاستحقاق. لكن الحركة الفعلية للسندات كانت أكبر، وبالتالي تصدع النظام المالي.
ربما لم تكن للاختبارات الأخيرة أي فائدة تذكر. وكما قال جون كونليف نائب محافظ بنك إنجلترا، في رسالة وجهها أخيرا إلى لجنة اختيار وزارة المالية البريطانية "إن نطاق وسرعة إعادة التسعير تجاوزا التحركات التاريخية حتى الأربعاء 28 أيلول (سبتمبر)، بالتالي تجاوز تحركات الأسعار التي من المحتمل أن تكون جزءا من ممارسات إدارة المخاطر أو اختبارات الإجهاد التنظيمية".
قضية التعريف - أن اختبار التحمل قوي دائما بقدر الضغط المتخيل - كانت مجرد واحدة من نقاط الضعف في العمل عام 2018. لقد فشل اختبار الإجهاد الذي تم تطبيقه على الاستثمار المدفوع بالالتزامات أيضا في تخيل نوع السلوكيات التي قد يدفعها الانخفاض الحاد في أسعار سوق السندات، ما دفع مديري الصناديق إلى البيع قبل أن تأتي أسوأ الضغوط. كما أنه لم ينتزع المشكلات التشغيلية التي من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الوضع، ما أدى إلى مضاعفة مسوغ تدخل بنك إنجلترا فيما يشبه قاطع الدائرة الكهربائية.
منظم المعاشات التقاعدية في المملكة المتحدة، وكذلك بنك إنجلترا وهيئة السلوك المالي، تعمل جميعا الآن مع صناديق التقاعد للتأكد من أن لديها احتياطيات تسمح لها بالتعامل مع تحول في أسعار الفائدة أكبر من الذي شهدناه حتى الآن. لكن ماذا لو حصل تحول أكبر من ذلك؟
يقول أندرياس دومبريت، الذي كان عضوا في المجالس الإشرافية للبنك المركزي الأوروبي والمركزي الألماني "بوندسبانك" في الفترة من 2010 حتى 2018، "إنه لحماية نظام ما ضد المخاطر المستقبلية عليك أن تجتهد في التفكير الإبداعي (...) عليك أن تفكر فيما لا يخطر على البال". هذا هو بالضبط ما لا يسمح النهج الحديث لاختبار الإجهاد للمنظمين بأن يفعلوه.
أقر مسؤول في بنك مركزي في منطقة اليورو بأن "هناك كثيرا مما يمكن قوله حول حدود النمذجة". ولا تزال البدائل قيد التطوير.
بينما يبحث المنظمون عن طرق لتعزيز اختبار الإجهاد حتى يتمكنوا من الاستعداد بشكل أفضل لأحداث "البجعة السوداء"، كالتي حدثت أخيرا في المملكة المتحدة. وهذا يتطلب طريقة جديدة للتفكير في العالم ومخاطره. ويتطلب أيضا بيانات أفضل حول الجوانب الرئيسة لكيفية قيام صناديق أسواق المال وصناديق التحوط وغيرها بتنفيذ أعمالها في عالم "مصرفية الظل" بتعريفها الواسع.
ستظهر أول ثمار جهودهم مبكرا في الأشهر المقبلة. وفي النهاية، سيحكم التاريخ فيما إذا كانت كافية.