طائرة سي 919 الصينية تتحرك نحو مواجهة احتكار «بوينج» و«إيرباص»
بعد أكثر من عقد قضته في التطوير، حطت أخيرا أول طائرة ركاب صينية على المدرج. حصلت الطائرة من طراز سي 919 ذات الممر الواحد، التي بنتها شركة كوماك الرائدة في مجال الطيران والمدعومة من الدولة على موافقة الجهات التنظيمية أواخر الشهر الماضي، وهي خطوة عدها مسؤولون نقطة تحول مهمة.
لم تخف بكين رغبتها في كسر الاحتكار الذي تمتعت به شركتا "إيرباص" و"بوينج" لعقود عديدة، الأمر الذي ساعدها على تسهيل تطوير طائرة سي 919 بمساعدات مالية بلغت 72 مليار دولار من الدعم الذي قدمته الدولة، وفقا لتقديرات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وهو مركز أبحاث أمريكي.
قد تحصل الشركة الآن على الضوء الأخضر من الجهات التنظيمية، لكن لا يزال أمام طائرة سي 919 طريق طويل قبل أن تتمكن من تحقيق نجاح تجاري. حصولها على الشهادة الرسمية يعد علامة على انتهاء مرحلة اختبارات الطيران ويمهد الطريق أمام الشركة المصنعة لبدء عمليات تسليم الطائرة التي من المتوقع أن تبدأ في وقت لاحق من هذا العام.
تقول شركة كوماك إنها سجلت طلبات من 28 عميلا صينيا، بما في ذلك شركة تشاينا إيسترن إيرلاينز العميلة الأولى للشركة، بطلبات شراء 815 طائرة غير أن الأغلبية لم يتم تأكيدها حتى الآن. كما أن كثيرا من العملاء يتعاملون مع مؤجري الطائرات الذين لم يخصصوا الطائرة بعد لأحد عملاء شركة الطيران.
قال كلفن لاو، المحلل في دايوا كابيتال ماركيتس في هونج كونج، إن طائرة سي 919 هي "منتج رئيس" لها أيضا أهميتها بالنسبة للصين.
لكن على الصعيد العالمي، "يفضل الناس "بوينج" و"إيرباص"، لذا فإن حصة شركة كوماك في السوق لن تكون كبيرة"، كما أضاف لاو.
ما زال من غير الواضح متى سيصادق المنظمون في الولايات المتحدة أو أوروبا على طائرة سي 919، وهي خطوة من شأنها أن تفتح السوق الدولية أمامها. كما أن من غير المؤكد ما إذا كانت شركات الطيران الغربية ستقوم بشرائها.
تتوقع شركة سيريوم لاستشارات الطيران، أن طائرة سي 919 قد تحصل في النهاية على حصة 20 إلى 30 في المائة من مجمل عمليات التسليم لشركات الطيران الصينية من الطائرات ذات الهيكل الضيق.
قال ريتشارد إيفانز، كبير المستشارين: "قد تكون نسبة عمليات التسليم أعلى من ذلك، لكن هذا يعتمد على إثبات الموثوقية في الخدمة ومستويات التكلفة المنافسة". أضاف أن السيناريو المتوقع هو أن يتم تسليم ما بين ألف و1500 طائرة من طراز سي 919 للعملاء الصينيين على مدار الـ20 عاما المقبلة.
مع ذلك، فإن احتمال خسارة جزء من السوق الصينية سريعة النمو أمر لا تستخف به "بوينج" أو "إيرباص".
توقعت الشركة الأمريكية المصنعة للطائرات أن بحلول 2041، سيمثل السفر داخل الصين أكبر تدفق لحركة المرور في العالم من حيث الإيرادات من الكيلومترات التي يقطعها الركاب. ستحتاج شركات الطيران في البلاد إلى 8485 طائرة ركاب وطائرة شحن جديدة تقدر قيمتها بنحو 1.5 تريليون دولار.
من المتوقع أيضا أن ينمو حجم أسطول الطائرات في البلاد بشكل أسرع من المناطق الأخرى، بمتوسط معدل نمو سنوي يبلغ 4.2 في المائة مقابل 2.8 في المائة في العالم.
مع ذلك، قال بعض خبراء الصناعة إن أكثر ما يثير القلق بالنسبة للمصنعين الغربيين يجب أن يكون المعدل المنخفض للنمو في السوق الصينية بسبب الجائحة.
في حين أن جزءا كبيرا من صناعة الطيران العالمية استفادت من الطلب المتزايد من قبل الركاب مع استمرار تخفيف القيود، لكن الانتعاش كان أبطأ في الصين، حيث كان تكرار عمليات الإغلاق بسبب فيروس كوفيد - 19 سببا في إعاقته. منذ بداية العام حتى الآن، تراجعت سعة المقاعد في الصين عن مستوياتها قبل الجائحة، وفقا للأرقام المقدمة من شركة أوه أيه جي لبيانات الطيران، بينما كانت المستويات في معظم المناطق الأخرى تضاهيها أو حتى تجاوزتها.
قال ريتشارد أبوالعافية، مستشار الطيران في شركة أيرودايناميك الاستشارية: "لو كنت مكان شركة بوينج، لما كنت سأشعر بالقلق من طائرة سي 919، لكن سأشعر بالقلق من سوق الصين الأوسع التي هبطت من نمو قياسي إلى انهيار صادم. في النهاية، ستتعافى لكنها ستفضل شركة إيرباص لأسباب سياسية ما لم تتحسن العلاقات الصينية - الأمريكية بطريقة ما".
كما أن "بوينج" عانت توتر العلاقات بين واشنطن وبكين. الصين هي آخر سوق رئيسة حيث لا تزال طائرة ماكس 737 تنتظر الموافقة النهائية للطيران وذلك بعد وقوع حادثين مميتين تسببا في وقف حركة الطائرة في جميع أنحاء العالم. كانت "بوينج" قد أكدت في وقت سابق من هذا الأسبوع أنها تبحث عن مشترين جدد لعدد قليل من طائرات ماكس 737 التي صنعتها لحساب شركات الطيران الصينية.
قال ديفيد كالهون، الرئيس التنفيذي لشركة بوينج: "ما زلنا نرغب في تسليم الطائرات إلى الصين. لكننا أيضا على دراية بالمخاطر الجيوسياسية الحالية، لهذا فإننا لن نضع أي مخاطر جديدة على كاهل مستثمرينا".
أما التحدي الآخر الذي تواجهه شركة كوماك فهو أن طائرة سي 919 تعتمد كليا على التكنولوجيا الغربية في صناعة الطائرة، بما في ذلك المحركات وإلكترونيات الطيران. قد تسبب تشديد قوانين ترخيص التصدير الأمريكية إلى تأخير حصول الشركة على بعض أجزاء الطائرة.
قال أبوالعافية: "بالنسبة لطائرة سي 919، لا يعد لذلك صلة إلى حد ما، لأنها في الحقيقة ليست طائرة صينية. إن الطريقة المناسبة لإنجاحها تتمثل في إغلاق الحدود أمام الواردات، لكن هذا قد يعني على الأرجح قيام الدول الغربية بالقضاء على هذه الطائرة من خلال وقف تصدير الأنظمة والتكنولوجيا. كما أن إعادة اختراعها لتصبح طائرة صينية بالكامل سيستغرق أعواما كثيرة وكذلك مليارات الدولارات".