الصين تصعد سلم القيمة خصما على ثراء الألمان

الصين تصعد سلم القيمة خصما على ثراء الألمان

لأكثر من 20 عاما، أنتج أوليفر بيتز أجهزة الاستشعار لصانعي المحركات الصينيين من قاعدته في ميونيخ. لكن في الأشهر الأخيرة تراجعت مبيعات سيستك أوتوموتيف للصين 75 في المائة.
"التوسع في الصين ليس موضوعا قيد الدراسة. إنه يتعلق بكيفية استطاعتنا الحد من الضرر"، حسبما قال بيتز، مضيفا أن 65 في المائة من صادرات شركته العام الماضي كانت للصين. وهو يلقي اللوم في الانخفاض على النمو البطيء، واستراتيجية بكين الخاصة بسياسة صفر كوفيد، وتفضيل متزايد للشراء من السوق المحلية في وقت تلحق فيه الشركات المصنعة الصينية بالعلامات التجارية الأجنبية.
تزداد تجربة بيتز شيوعا بين الشركات الألمانية الصغيرة والمتوسطة الحجم، التي تجد أن علاقاتها مع الشركاء الصينيين تخضع للاختبار بعد أعوام من المبيعات المرتفعة.
تدرك شركات "ميتلشتاند" "الشركات الألمانية الصغيرة والمتوسطة" بشكل متزايد أنها لا تستطيع الاعتماد على الأرباح الصينية، كما كانت من قبل، وفقا ليورج واتك، رئيس الغرفة التجارية للاتحاد الأوروبي في الصين، التي تعد جماعة ضغط تجاري مؤثرة. "إنها علاقة منتهية"، كما قال.
يهدد الانهيار بتفكيك ما أصبحت إحدى أكثر العلاقات التجارية ذات المنفعة المتبادلة في العالم، التي ازدهرت من خلالها ألمانيا عن طريق بيعها للمصدرين الصينيين الآلات التي مكنتهم من أن يصبحوا لاعبين أساسيين في سلاسل الإمداد العالمية.
منذ مطلع الألفية، انتقلت الصين من تشكيل ما يزيد قليلا على 1 في المائة من الصادرات الألمانية إلى حصة نسبتها 7.5 في المائة من المبيعات الألمانية في الخارج، ما يضعها في المركز الثاني بعد الولايات المتحدة. في 2021 بيع ما قيمته أكثر من 100 مليار يورو من السلع الألمانية في الصين.
وصف ثورستين بينر، مدير المعهد العالمي للسياسة العامة في برلين، العلاقات بأنها العامل الأساسي في "العصر الذهبي للنموذج الاقتصادي الألماني"، الذي شوهد أثناء آخر مراحل فترة أنجيلا ميركل في منصب المستشارية التي امتدت 16 عاما وانتهت العام الماضي.
قالت أليشا جارسيا هيريرو، كبيرة الاقتصاديين في مركز بروجل للأبحاث، إن ازدهار الروابط بين مركزي التصدير القويين قد استبدل بشعور محبط في برلين مع انخفاض الصادرات. "تخسر ألمانيا فائض تجارتها وجزءا من تنافسيتها، ويعود ذلك جزئيا إلى تحرك الصين بسرعة إلى أعلى سلم القيمة"، كما قالت.
يأتي ذلك في وقت حساس بالنسبة للعلاقة الأوسع بين الدولتين. حرب روسيا في أوكرانيا أعطت ذخيرة لمنتقدي بكين من الألمان، الذين يجادلون بأن روابط ألمانيا الاقتصادية مقدمة على أهداف السياسة الخارجية وأنها تقود إلى تعاون مع منافسين جيوسياسيين محتملين.
يستعد أولاف شولز، الذي سيسافر إلى بكين الأسبوع القادم لاجتماعه الأول مع القادة الصينيين بصفته المستشار الألماني، للكشف عن استراتيجيته الصينية الجديدة العام القادم. وهو تحت ضغط شركائه، حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، لتخفيف العلاقات.
أثار شولز جدلا عندما طلب من الوزارات دعم استثمار كوسكو، وهي شركة شحن مملوكة للحكومة الصينية، في محطة حاويات في ميناء هامبورج. تم اعتماد الصفقة الأسبوع الماضي، على الرغم من أن كوسكو أخذت حصة أقل مما كان مخططا لها، ما يحد من صلاحيتها في التأثير في القرارات.
أشارت برلين إلى أنها ستقدم ضمانات أقل لتأمين الشركات ضد المخاطر السياسية في الصين. قانونها الخاص بالعناية الواجبة الذي يدخل حيز التنفيذ في يناير، ويجعل الشركات الكبرى مسؤولة عن مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان لدى مورديها، قد يحد الاستثمار الألماني في الصين بدرجة أكبر. ويتركز الوجود الألماني بشكل متزايد بين شركات صناعة السيارات، "فولكسفاجن" و"بي إم دبليو" و"دايملر"، إضافة إلى عملاقة المواد الكيميائية "بي إيه إس إف".
أثرت ردود الفعل في أعمال فظيعة في سنجان، المنطقة الحدودية الغربية في الصين حيث تعيش أقلية مسلمة، على المبيعات بالفعل. عانت شركة تصنيع الملابس الرياضية أديداس انخفاض مبيعاتها في الصين الكبرى 15 في المائة في ربعين متتاليين العام الماضي، بعد مقاطعة من جانب الصينيين ردا على قرار الشركة عدم الحصول على القطن من المنطقة الحدودية.
ووجهت الحرب في أوكرانيا تفكير الشركات إلى مخاطر العقوبات إن غزت الصين تايوان. دفع انفصال الولايات المتحدة والصين كثيرا من الشركات إلى البحث عن موردين بديلين بالفعل. قال ما يزيد قليلا على ثلث الأعضاء الذين شملهم الاستطلاع في جمعية الآلات الألمانية "في دي إم إيه" في 2021، إن الانفصال دفعهم إلى إعادة التفكير في روابطهم التجارية.
ماجنيتيك، شركة تصنيع مكونات كهربائية مقرها في هسن وتدير مصنعا في الصين لمدة 13 عاما، قررت عدم بناء مصنع آخر هناك بسبب مخاطر العقوبات. قال مارك نيكولوديس، الرئيس التنفيذي: "عندما يطلب عملاؤنا منتجاتنا يضعون شرطا مسبقا ألا تكون صنعت في الصين". بدلا من ذلك ستتوسع الشركة في فيتنام.
قال نواه باركين، مدير التحرير في مجموعة روديوم للاستشارات، إن الاستثمار الألماني الأخير في الصين أصبح "دفاعيا أكثر"، وكان موجها إلى توطين الإنتاج وسلاسل الإمداد للحماية أمام خطر الرسوم الجمركية.
المنافسة إن لم تكن عادلة، فإنها تصبح مشكلة. قال أولريش أكيرمان، رئيس التجارة الخارجية في "في دي إم إيه": "يعلم أعضاؤنا أن كل تكنولوجيا يجلبونها إلى الصين ستكون، في وقت قصير نسبيا، جزءا من السوق الصينية"، مضيفا: "نحن نقول كن حذرا فقد تطرد في وقت قصير".
تحدث أكيرمان عن شركة ألمانية مصنعة لآلات البناء أرسلت منافستها الصينية الحكومية الآلات إلى العملاء عارضة عليهم استخدامها مجانا في العام الأول. "كيف يمكننا منافسة ذلك؟"، كما قال.
وسط هذا الجو المتوتر ضغط دبلوماسيون صينيون على قادة اتحادات الصناعة للامتناع عن انتقاد بكين. يروي أحد أعضاء جماعة الضغط أن مسؤولا حكوميا صينيا أخبره أن المستهلكين الصينيين يمكن أن يمارسوا تأثيرا كبيرا "إذا لم تتصرف الشركات الغربية".
على الرغم من كل التوترات، كثيرون ليسوا مستعدين للاستسلام. قال أندرياس ريد، المدير العام للحكومة والمجتمع في رابطة شركات صناعة السيارات الألمانية: "الصين سوق مهمة جدا لجميع أعضائنا. لا يمكن أن يكون الخروج هو الحل".
لكن بحسب باركين، أيام كون الصين "رهان في اتجاه واحد" للشركات الألمانية قد ولت. قال: "إنهم لم ينسحبوا بعد، لكنهم ينظرون إلى طرق لحماية عملياتهم من الرياح الجيوسياسية المعاكسة"، مضيفا: "بعضهم يستعدون الآن لليوم الذي قد يتعين عليهم فيه الرحيل".

الأكثر قراءة