الهجوم ليس أفضل وسيلة للدفاع

يستخدم البعض مبدأ الهجوم لتشتيت الانتباه والحصول على ما يرغب في أماكن العمل. ولا أعتقد أن من يمارس هذه التصرفات قد قيم مواءمة هذا الأسلوب بناء على احتياج نابليون بونابرت في تكتيكات المعارك ـ إذ يقال إنه هو من أطلق هذه العبارة ـ ولا أعتقد كذلك أن ممارسي هذه الأساليب استخدموا هذا التكتيك نقلا عن كرة القدم، إذ تنجح الفرق عندما ـ تملك الإمكانات ـ بإشغال الفريق الآخر في الدفاع عن طريق السبق نحو الهجوم. التعامل في بيئة العمل يختلف كثيرا عن التعاملات الحياتية الأخرى، لا يخلو الأمر من التكتيك والترتيب والسياسة، لكن التواصل في المنظمات لا يصمم بالاعتماد على هذه الأساليب. ومن الأكيد أن التصرفات قد تخرج أحيانا عن الدوائر الأخلاقية المقبولة، لكن هذا لا يشرعها أو يجعلها صحيحة أو مقبولة.
يستخدم بعض الأفراد أسلوب الهجوم من مبدأ ـ خذوهم بالصوت ـ وقد يربط ذلك الانفعال بالتعبير عن الغضب والحاجة إلى إبراز أمر يستحق التفاعل المباشر والواضح. تختلف أساليب الهجوم في أماكن العمل وتتنوع، من التجاوزات السلوكية حتى الأساليب الملتوية. يقوم البعض على سبيل المثال بالمبالغة في ردة الفعل صوتيا وكتابيا، وقد يتهم الغير في النيات، أو يبرز نقاط الضعف من مبدأ التشكيك في القدرات والإمكانات. وهناك من يستخدم أساليب أكثر لؤما، تقوم على الإعداد المبكر لأجندة غير معلنة يتم فيها مثلا استخدام العروض والتقارير التي تشتت الانتباه نحو موضوعات معينة للابتعاد عن أخرى، أو بإشغال فريق عن موضوع حتى يخف الضغط على موضوع آخر. الشواهد كثيرة وكل من يتفاعل في بيئة سريعة عالية الحركة ـ وليس الأداء ـ يرى كثيرا من الأمثلة. التحدي في هذه المسائل أنها تدخل في محيط الأمور المشتبهة والرمادية، إذ يعدها البعض سياسة، وآخرون يرونها مجرد تكتيك، وهي مدمرة لثقافة المنظمة وبالتأكيد غير محفزة للأداء ولا تنشر الإيجابية.
يرى البعض أن الحياة تعج بهذه التجاوزات ولا تخلو أماكن العمل منها، وبالاستخدام الخاطئ لمبدأ "إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب" يستخدمها بشكل أساسي واعتيادي. هي مثل الوباء، الاستخدام الفردي لها يجعلها معدية داخل الفريق، واستخدام فريق لها يجعلها معدية داخل المنظمة. والحقيقة، تكثر هذه التجاوزات، هي طبيعية، لكنها ليست مقبولة. استخدام الأسلوب السياسي ضروري في أماكن العمل، الاضطرار إلى استخدام أساليب غير مباشرة وارد، اللجوء إلى تكتيكات مختلفة والتفاعل مع التحديات يتطلبان درجة كبيرة من الحنكة والذكاء. لكن الاعتماد على هذه الأساليب بشكل أساسي ودائم وقبولها في كل الحالات أمر مدمر.
هناك من كتب الكتب حول هذه الأساليب داعما لها، منتشيا بالأساليب الميكافيلية والمبررات والضغوط التي تحفز النفس نحو هذه الاتجاهات ومستندا إلى الواقع، وما يحدث فيه بشكل لا يمكن إنكاره. الخروج عن النص هنا ليس من ممارسين قلة وإنما كذلك من منظرين مشاهير. لكن من ينظر إلى القواعد الأساسية في ممارسات الإدارة والقيادة يجد أن الإيجابية تتفوق، والمعايير والقيم الأخلاقية هي الأساس في كل زمان ومكان. فقدان الاتجاه هنا نذير خطر على المنظمة، إذ إن أماكن العمل هي التي تتأثر بالثقافة الموجودة ويتأثر الموظفون فيها سلبا. الآثار التي تحصل تبدأ من النتائج الضحلة والمخادعة، ويتبع ذلك غياب الاستدامة واستمرارية النتائج الجيدة، لأن المظهر والشكل يصبح أولى من الجوهر. وينتشر الاحتقان وتزيد تحديات الإدارة العواطف والمشاعر. عندما تنتشر هذه السلوكيات ويحضر المهاجمون، يكثر المدافعون كذلك. إذا تحول الموظفون إلى الخانات الدفاعية قل الإبداع والابتكار وأصبح الهم هو الحماية الشخصية، تغلق الأبواب وتبدأ الفرق في عزل أنفسها. لا أعتقد أن هناك منظمة مستعدة لدعم هذه الأساليب وفتح الباب لها، لكن قل من يكتشف ذلك ويبدأ في محاربتها بشجاعة. من تحديات المعالجة هنا أن محاربة هذه الأساليب قد تنقل المنظمة إلى الطرف المعاكس، فتصبح الممارسات قائمة على المجاملة والمحاباة وهذه مشكلة أخرى تستحق النظر والتعليق كذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي