رفع الإنتاجية .. العلة قد تكون في المدير

رفع الإنتاجية .. العلة قد تكون في المدير

العمال ذوو الياقات الزرقاء معتادون على أن يكونوا مراقبين على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. عادة ما يكون لدى منشآت التصنيع المرنة شاشات للإنتاجية عند محطات العمل مباشرة، لرؤية التقدم في الوقت الفعلي، وقياس إذا ما كان الموظفون يستحقون زيادة بسيطة في نهاية اليوم، أم حسما، لأنهم لم يعملوا بجد بما فيه الكفاية.
كما هي الحال مع موظفي الخدمة ذوي الأجور المنخفضة الذين يعملون في المطاعم أو سلاسل البيع بالتجزئة، عادة ما تقلب حياتهم رأسا على عقب بسبب برمجيات خوارزمية تنسق جداولهم بناء على طلب العملاء، ما يجعل من الصعب عليهم الاعتناء بأطفالهم أو التخطيط لشيء ما مسبقا. تمتع أصحاب الياقات البيضاء الأعلى مستوى تاريخيا بطرق تقييم أكثر إنسانية، لكن الآن بفضل رأسمالية المراقبة، فإن تقدمهم يتابع دقيقة بدقيقة أيضا.
تضاعف عدد أصحاب العمل الذين يستخدمون برمجيات مراقبة البيانات لمراقبة الموظفين منذ بداية الجائحة. يستخدم نحو ثلثي الشركات المتوسطة إلى الكبرى في الولايات المتحدة "وكثير في أماكن أخرى" الآن مثل هذه الأنظمة، التي تفعل كل شيء، بدءا من مراقبة البريد الإلكتروني وتصفح الإنترنت، إلى تتبع موقع العاملين وتحركاتهم، وتسجيل ضغطات لوحة المفاتيح، وتحركات أعينهم، أو عندما تصبح شاشاتهم مظلمة.
بطريقة ما، هذه هي الخطوة التالية بالنسبة إلى برمجيات مكان العمل الموجودة، مثل "جوجل ويركسبيس" أو "مايكروسوفت 365"، التي تجمع أنواعا محددة من البيانات ولا تتعقب ضغطات لوحة المفاتيح أو تأخذ لقطات للشاشة. تعد مثل هذه البرامج جزءا من اقتصاد المراقبة، بلا شك، لكنها قد تخفي هويات العاملين الفردية أو تضع حدا للفترة الزمنية التي يمكن فيها تتبع البيانات.
في كلتا الحالتين، ظهور مراقبة مكان العمل يمثل ما وصفه ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لـ"مايكروسوفت"، بأنه "جنون الإنتاجية" الجديد من جانب أصحاب العمل. من الواضح أن تيار العمل من المنزل وامتناع عديد من الموظفين عن التخلي عنه جعل المديرون يبحثون باستماتة عن مقاييس أداء جديدة. لكن التايلورية "الإدارة العلمية" الرقمية ليست الطريق إلى الأمام، لثلاثة أسباب.
أولا، يعد تتبع ضغطات لوحة المفاتيح مقياسا غير مثالي للإنتاجية كما هو الحضور في المكتب. تميل وظائف الياقات البيضاء، خاصة تلك التي لن تقوم بها التكنولوجيا في النهاية، إلى أن تكون متعلقة بالتفكير الإبداعي، والعلاقات، والعمل الجماعي، والمهارات الشخصية. في الواقع، الأمور المعززة للإنتاجية للغاية، التي يذكرها المديرون عند محاولتهم إقناع الناس بالعودة إلى المكتب، مثل تبادل الأفكار العرضية وبناء الثقة عند براد المياه، هي بالضبط النشاطات التي لا يمكن تتبعها ببرمجيات المراقبة.
ثانيا، بينما لا يوجد دليل على أن هذه المقاييس تبلي بلاء حسنا في قياس الإنتاجية، تظهر الأبحاث أنها تزيد التوتر والاستياء. ذكر منشور عن هذا الموضوع على مدونة "بروكنجز" حالة عاملة في متجر بيع بالتجزئة استخدمت حاسوب العمل لتفقد بريدها الإلكتروني الشخصي وحسابها البنكي من حين إلى آخر "من لم يفعل ذلك من قبل؟"، ثم اكتشفت لاحقا أن موظفا آخر اطلع على معلوماتها، وعندما أخطرت صاحب العمل فصلت.
قد تجادل بأنها أقدمت على قرار سيئ ببساطة باستخدامها حاسوب العمل لمهمة شخصية، إلا أن القصة تعكس شيئا أكبر هو أنه بالكاد توجد حدود بين حياة العمل والحياة الشخصية هذه الأيام. في فترة ما بعد الجائحة ـ مع تسجيل الموظفين الدخول إلى أنظمة الشركات من حواسيبهم الخاصة في المنزل عادة، أو عقدهم اجتماعات افتراضية في عطل نهاية الأسبوع، -لأن باستطاعتهم ذلك- هناك حاجة إلى حماية أقوى فيما يتعلق بكيف وأين يمكن مراقبة الموظفين.
يريد المدافعون عن الخصوصية والعمل رؤية إشعارات واضحة للموظفين عن الأوقات التي تستخدم فيها برمجيات المراقبة "لدى بعض الولايات الأمريكية مثل كونيتيكت، وديلاوير، وكاليفورنيا ذلك بالفعل". يفرض الاتحاد الأوروبي هذا عن طريق النظام الأوروبي العام لحماية البيانات، على الرغم من أنه من الناحية العملية، يقوم عدد من العاملين بباسطة بوضع علامة صح في جميع مربعات قواعد الموافقة لأنهم لا يستطيعون أداء وظائفهم إن لم يوافقوا على مراقبة البيانات. سأجادل بأن مراقبة الموظفين الذين يعملون من المنزل يجب أن تكون غير قانونية، وأن المراقبة في مكان العمل يجب أن تكون لفترات محددة من الزمن، بشفافية كاملة وغاية واضحة "قياس نجاح مشروع جديد، مثلا".
قد تكون أفضل طريقة بالنسبة إلى المديرين لتحسين الإنتاجية هي قلب عدسة البيانات نحو أنفسهم. تعد الاجتماعات الإدارية مناسبة للدراسة، فإذا أخذنا في الحسبان أن عدد الاجتماعات التي يحضرها الموظفون ارتفع 13.5 في المائة أثناء الجائحة، على الرغم من أن الأبحاث تظهر أن 70 في المائة من الاجتماعات تحول دون أداء الموظفين أعمالا أكثر إنتاجية. يوجه معظم اللوم إلى المديرين الجدد الذين - ربما بدافع رغبتهم في الظهور - يعقدون اجتماعات أكثر بواقع الثلث تقريبا مقارنة بأقرانهم الأقدم.
إلى جانب تقليص الاجتماعات، قد تفعل الشركات حسنا بتقليصها عدد المديرين. حيث وجدت ورقة بحثية حديثة لدارون أسيموجلو وأليكس هي ودانيال لو مير، من المكتب القومي للأبحاث الاقتصادية، أن مديري الشركات على وجه الخصوص "بمعنى أولئك الذين لديهم ماجستير في إدارة الأعمال، عوضا عن أولئك الذين لديهم خبرة قطاعية" يميلون إلى تخفيض أجور العاملين دون تحقيق زيادة في الإنتاج، أو الاستثمار، أو نمو التوظيف. استنتج المؤلفون أن هذا النوع من الرؤساء يفعلون ما تعلموه في كلية الأعمال تماما، وهو خفض العمالة، وخفض التكاليف، وزيادة سعر السهم إلى أقصى حد.
لكنهم وجدوا أيضا أنه بفعل ذلك، تخسر مثل هذه الشركات أمهر عامليها، الذين يغادرون إلى جهات أفضل "وربما أكثر لطفا". الدرس المستفاد هنا هو أن المديرين أنفسهم عادة ما يكونون الفارق الرئيس في إنتاجية الشركات. قد يكون عليهم التقليل من ممارسة المراقبة، وزيادة مراجعة الذات.

الأكثر قراءة