مستثمرو التجزئة يحتمون بالنقد هربا من الأسهم
يعكف مستثمرو التجزئة على مراكمة النقد بعد عمليات بيع عنيفة في الأسواق المالية هذا العام تسببت في خسائر تقدر بمليارات الدولارات، ما قضى على الحماس للأصول الخطرة.
تم ضخ نحو 140 مليار دولار في صناديق الأسواق المالية بالتجزئة منذ بداية 2022 حتى الآن، وفقا لمعهد الشركات الاستثمارية، ما رفع حجم أدوات المضاربات هذه إلى 1.55 تريليون دولار بعد عشرة أسابيع متتالية من الاستثمار الجديد. وبلغ إجمالي التدفقات الداخلة نحو 36 مليار دولار في الأسابيع الثلاثة الماضية وحدها.
يأتي هذا الاندفاع إلى النقد في أعقاب عمليات بيع طويلة ومتقلبة في أسواق الأسهم الأمريكية هذا العام، قضت على نحو 15 تريليون دولار من تقييم الشركات المتداولة في الأسواق المالية. أنهى مؤشر ستاندرد آند بورز 500 القياسي في "وول ستريت" الشهر الماضي أطول سلسلة من الخسائر الفصلية منذ الأزمة المالية 2008.
اضطراب السوق- الذي يغذيه التضخم المرتفع وتكاليف الاقتراض المتزايدة وتشديد مجلس الاحتياطي الفيدرالي للسياسة النقدية- ألقى بثقله على ثقة المستثمرين والمستهلكين. ويحذر عدد متزايد من الاقتصاديين الآن من ركود في العام المقبل.
قال جو دانجيلو، مدير أصول أعمال الأسواق المالية في شركة بي جي آي إم: "لقد كانت واحدة من هذه الأعوام التي خسر بها الجميع وهي حقا بيئة تشعر فيها أنك لا تريد أن تخوض فيها".
كما أن العوائد المرتفعة المتاحة على صناديق الأسواق المالية - التي زادت بشكل مطرد منذ أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة في آذار (مارس)- تغري أيضا المستثمرين العاديين، خاصة أن أسعار الفائدة على حسابات التوفير في البنوك الكبرى، مثل جيه بي مورجان تشيس وبانك أوف أمريكا، تحوم بالقرب من الصفر.
تبلغ عوائد صندوق سوق المال الحكومي التابع لشركة فايديليتي، الذي يدير 240 مليار دولار، نحو 2.6 في المائة، بينما ارتفعت العوائد على صندوق سوق المال الفيدرالي التابع لشركة فانجارد، الذي يدير 218 مليار دولار، إلى 2.83 في المائة هذا الشهر.
يظهر مؤشر لأكبر 100 صندوق في سوق المال تديره شركة كرين ديتا، الذي يتتبع الصناعة، أن العوائد ارتفعت في المتوسط إلى 2.77 في المائة، صعودا من 0.02 في المائة في بداية العام.
قال ستيف سوسنيك، كبير الاستراتيجيين في شركة إنترآكتف بروكرز للوساطة المالية: "بالنسبة للأفراد، ولأول مرة منذ فترة طويلة، يمكنك الحصول على بعض العوائد. منذ أعوام ونحن نسمع أنه لا يوجد بديل، لكن الآن هناك بديل".
انضم أيضا إلى مستثمري التجزئة كبار مديري الأصول، الذين يحتفظون بالمال جانبا بشكل متزايد أثناء محاولتهم الانتظار حتى انتهاء الاضطرابات في كل من أسواق الأسهم وأسواق الدخل الثابت. أظهر استطلاع أجراه بانك أوف أمريكا هذا الأسبوع، تمت متابعته عن كثب، أن مديري الأصول كانوا يحتفظون في أكتوبر بنسبة 6.3 في المائة نقدا في محافظهم النقدية، وهو أعلى مستوى منذ أبريل 2001.
لكن حتى مع لجوء كثيرين إلى السيولة، لا تزال صناديق أسواق المال المؤسسية متضررة من عمليات استرداد بلغت 87.4 مليار دولار منذ أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي زيادة أسعار الفائدة هذا العام، ما أدى إلى زيادة التدفقات الخارجة في 2022 إلى أكثر من 250 مليار دولار.
كانت عمليات السحب مدفوعة جزئيا بإنفاق الشركات فائضا بنته لمواجهة وباء كوفيد. حذر محللون في بنك جولدمان ساكس الشهر الماضي من أن "الأرصدة النقدية عادت إلى معايير ما قبل الجائحة" لكل من الشركات الممتازة والشركات ذات المخاطر العالية، المصنفة غير مرغوب فيها.
قال مات جونز، رئيس توزيع السيولة في شركة ويسترن أسيت مانجمنت للاستثمار: "لقد تم استخدام أموال الشركات لسداد الديون، وتستخدم للاستثمار في أعمالهم، ومع التضخم تصبح الأمور أكثر تكلفة. تكاليف إدارة نشاط تجاري أعلى مما كانت عليه".
مع ذلك، قال مسؤولون تنفيذيون في ثلاثة صناديق للأسواق المالية، إن عمليات السحب من قبل كل من الشركات ومديري الأموال لا تشير إلى انخفاض الرغبة في النقد أو الاستثمارات الشبيهة بالنقد. بدلا من ذلك، لاحظوا منافسة شديدة من البنوك المحلية وغير الأمريكية التي تقدم معدلات فائدة عالية لعملاء الشركات في محاولة لجذب الودائع. اختار آخرون، من ضمنهم بعض مديري الأصول، أن يديروا تلك الأموال بأنفسهم.
قال جون توبين، كبير مسؤولي الاستثمارات في شركة دريفوس لإدارة الأصول: "لقد رأينا عملاء محنكين يذهبون مباشرة إلى الأسواق بأنفسهم"، مضيفا أن بعض العملاء استثمروا في أدوات قصيرة الأجل كالأوراق التجارية أو أذون الخزانة أو شهادات الإيداع المصرفية.
أضاف: "هذا النشاط لا ينجح دائما بالنسبة للمستثمرين، لأن الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة بشكل أسرع مما توقعه كثير من المستثمرين. لقد توقعوا أن يتم تسعير زيادات الاحتياطي الفيدرالي المستقبلية في الأسواق (...) معتقدين أنهم يمكن أن يتفوقوا على المنتجات التي اشتروها لأول مرة. في كثير من الحالات كانوا على خطأ لأن الناس لم يتوقعوا أن يكون الاحتياطي الفيدرالي حازما".
في كل من اجتماعاته الثلاثة الأخيرة، رفع البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة 0.75 نقطة مئوية، وهي زيادة كبيرة، ما وسع النطاق المستهدف إلى 3 ـ 3.25 في المائة.
على النقيض من ذلك، تحولت صناديق أسواق المال بشكل مطرد إلى استثمارات ذات آجال أقصر منذ بداية العام، حيث استفاد عديد من تسهيلات إعادة الاحتياطي الفيدرالي الشراء العكسي بين عشية وضحاها - وهو برنامج لا يستطيع الوصول إليه إلا بعض البنوك وشركات إدارة الأموال. يسمح ذلك للصناديق بالاستفادة من معدلات الفائدة المرتفعة عندما يرفع البنك المركزي تكاليف الإقراض.
أِشار المستثمرون إلى أن الرغبة في الحصول على النقد ستكون مرتبطة بسياسات الاحتياطي الفيدرالي، فضلا عن التقلبات الأوسع في الأسواق المالية. وحذر بعضهم من أن النقد قد يكون أقل إغراء، إذا سيطر الاحتياطي الفيدرالي على التضخم.
لاحظ جون كروك، مدير منتجات الدخل الثابت النشطة في فانجارد، أن صناديق أسواق المال لم تكن لها شعبية منذ فترة طويلة، لكن المديرين يتساءلون عما إذا كان من المتوقع أن يستمر تفوقهم.
قال: "إذا ظل التضخم مرتفعا، فإنه يضمن بقاء أسعار الفائدة إيجابية لفترة أطول، وستحتفظ صناديق الأسواق المالية بأهميتها لفترة أطول".