البنوك تعيد اكتشاف قيمة الاحتفاظ بالنقود
فجأة، الجميع يريد نقودك. في أواخر العام الماضي، كثير من البنوك الأمريكية والأوروبية كانت تحاول بنشاط التخلص من الاحتفاظ بأموال العملاء الجاهزة، لأنها كانت غارقة في الودائع.
كان الاتجاه متطرفا للغاية في أوروبا حيث ظلت أسعار الفائدة للبنوك المركزية سلبية لأعوام. كان بنكا يو بي إس وكريدي سويس، من بين بنوك أخرى، يتقاضيان رسوما تصل إلى 0.6 في المائة من عملاء إدارة الثروات لديهما لمجرد امتياز امتلاك رصيد كبير في حساباتهما. لكن البنوك الأمريكية استمرت هي الأخرى في خفض أسعار الفائدة التي تدفعها على ودائع الشركات، على أمل جعل العملاء يذهبون إلى مكان آخر.
في الأثناء، كانت صناديق سوق المال ومنتجات إدارة النقد المؤسسي تدفع عوائد تكاد تصل إلى لا شيء، ولا يزال مديرو الأصول العالميون مضطرون إلى دعمها من أجل استمرار العمل.
الآن انقلبت الحال. تتعاون شركة أبل وبنك جولدمان ساكس في إنشاء حساب توفير عالي العائد بدون رسوم. وتقدم بعض البنوك في المملكة المتحدة للعملاء المنتظمين حسابات توفير خاصة تدفع ما يصل إلى 5 في المائة. وألغى بنك يو بي إس أخيرا رسوم الرصيد النقدي، وأخبرني مديرو النقد المؤسسي أنهم يعملون بنشاط على تزويد أمناء الصناديق في الشركات بخدمات أخرى لجعل عروضهم أكثر جاذبية.
هذه، بالطبع، هي السياسة النقدية المعمول بها حاليا. يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة وإنهاء البنوك المركزية شراء السندات إلى إحياء ذكريات كئيبة عما يعنيه العيش بدون نقود مجانية.
يربح المقرضون عن طريق فرض رسوم على القروض وخطوط الائتمان أكثر مما يدفعونه للحصول على الودائع. لكن دخل "الفائدة الصافي" هذا تعرض للضغط بسبب أعوام من أسعار الفائدة المتدنية للغاية. لكنه الآن يتصاعد لأن البنوك تمرر على الفور معدلات أعلى لعملاء الرهن العقاري وقروض الشركات، بينما تتحرك ببطء أكبر لرفع أسعار الفائدة للمدخرين.
هذا الأسبوع أبلغت شركات وول ستريت العملاقة وشركات التكنولوجيا المالية المتعثرة عن قفزات كبيرة في الفائدة الصافية للربع المنتهي في 30 أيلول (سبتمبر)، ومن المتوقع أن تعلن البنوك البريطانية الرئيسة عن طفرة أرباح مشابهة. كان بنك نيويورك ميلون، القيم الذي يتحرك ببطء، من بين أكبر الرابحين، بزيادة بلغت 44 في المائة على أساس سنوي.
الآن وبعد أن أصبح الاحتفاظ بالنقد مربحا مرة أخرى، فإن مزيدا من المؤسسات المالية تريد ذلك بالطبع. لكن المنافسة تتزايد داخل الصناعة المصرفية ومن الوسطاء ومديري الأصول الذين يقدمون صناديق سوق المال وغيرها من المنتجات التي تدفع معدلات فائدة أفضل.
على الرغم من أن ودائع التجزئة تميل إلى أن تكون شائكة، إلا أن العملاء قرأوا العناوين الرئيسة وبدأوا في البحث عن صفقات أفضل. فقد شهدت صناديق سوق المال بالتجزئة في الولايات المتحدة ارتفاعا في الأصول بلغ 10 في المائة منذ بداية حزيران (يونيو) لتصل إلى 1.55 تريليون دولار، على الرغم من أن بعضا من ذلك يأتي من أسواق الأسهم المتقلبة، وفقا لمعهد إنفسمنت كمباني.
الشركات العميلة، التي لديها موظفون مكلفون بالتأكد من حصولهم على أفضل الأسعار، بدأت تسحب أموالها أيضا. انخفضت ودائع الشركات في "جيه بي مورجان"، و"سيتي بانك"، و"ويلز فارجو" نحو 120 مليار دولار خلال العام الماضي. لكن هنا، لا يتحول المال فقط إلى منتجات الأموال المؤسسية. تشير تقارير معهد إنفسمنت كمباني إلى أن صافي الأصول انخفض بشكل طفيف منذ حزيران (يونيو)، وأفادت وحدات إدارة النقد التابعة لشركات بلاك روك ومورجان ستانلي وجيه بي مورجان بتدفقات خارجة، مجتمعة، بلغت 110 مليارات دولار تقريبا في الربع الأخير.
تختار بعض الشركات شراء السندات للاستفادة من ارتفاع العوائد. لكن كثيرا منها تعيد التفكير في نهجها تجاه النقد في وقت رفع فيه التضخم تكلفة عدم القيام بأي شيء.
يقول مصرفي مخضرم في إدارة النقد "خلال الجائحة، تحرك الجميع وجمعوا كثيرا من المال. الآن يحسبون المبالغ التي ما زالوا يحتاجون إليها. هناك قدر أقل من النقود الخاملة في الميزانيات العامة للشركات".
يتفق خبراء ماليون آخرون على أن بعض السيولة التي تراكمت أثناء الجائحة بدأت في التلاشي. ألقى جاري شيدلين، كبير المسؤولين الماليين في شركة بلاك روك، باللوم على تدفقات النقد الخارجة من الجهات القائمة على إدارة "الانخفاض العام في مستويات السيولة النقدية للشركات". وجعلت الأسواق المتقلبة من الصعب على بعض الشركات استبدال الديون المستحقة بعدما انخفض إصدار السندات ذات العائد العالي بشكل حاد هذا العام.
يقول مصرفيون "إن كثيرا من الشركات تجد أن لديها استخداما أفضل لأموالها الزائدة. قد يكون ذلك تعزيزا لسلاسل التوريد وبناء المخزون، أو النفقات الرأسمالية، أو عمليات إعادة شراء الأسهم المفضلة الدائمة.
يكمن الأمر الأكثر إثارة للقلق في فكرة أن النقد بدأ ينفد لدى الشركات الخاسرة، خصوصا أن المستثمرين الآن أصبحوا انتقائيين وأكثر تدقيقا بشأن إمدادها بالمال. تنبأ جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورجان تشيس، بأن المستهلكين الأمريكيين لديهم في حساباتهم المصرفية ما يغطي الإنفاق خلال ستة إلى تسعة أشهر قبل أن يتراجعوا ويدفعوا الاقتصاد إلى الركود. كم عدد الشركات الناشئة في وضع مشابه؟