المهارات.. أهم من أي وقت مضى

المهارات.. أهم من أي وقت مضى

من غير المرجح أن تتمكن من دخول سوق العمل اليوم من خلال مجموعة المهارات التي طورتها قبل عشرة أو 15 عاما، لأن التكنولوجيا الجديدة تقود التطورات فيما تحتاج إليه الشركات.
أشار منتدى الاقتصاد العالمي إلى أن مليار شخص بحاجة إلى التدريب على مهارات جديدة ومتقدمة بحلول 2030. لا تشمل أنواع المهارات المهنية التي يتوقع منتدى الاقتصاد العالمي ارتفاع الطلب عليها القدرات الفنية المتخصصة للتعامل مع التكنولوجيات الجديدة مثل، الذكاء الاصطناعي والخدمات السحابية والحوسبة فحسب، بل أيضا المهارات الشخصية الضرورية للتعاون مع الآخرين والتفاعل معهم، مثل بناء فريق العمل وتطوير ثقافة قوية للشركة.
تظهر البيانات الأخيرة من منصة "لينكد إن" مدى سرعة تحول هذا المشهد. وفقا لمنصة التواصل المهني، تغيرت مجموعات المهارات للوظائف 25 في المائة منذ 2015. من المتوقع أن تتضاعف هذه النسبة بحلول 2027. نتيجة لذلك، بدأت بعض الممارسات المتبعة في التوظيف بالتركيز على المهارات بشكل أكبر، ارتفع عدد مسؤولي التوظيف ممن يستخدمون بيانات مهارات "لينكد إن" لملء المناصب الوظيفية 20 في المائة مقارنة بالعام الماضي - الذين يتبعون هذه الطريقة هم أكثر نجاحا في الحصول على وظيفة.
مع ذلك، لا يزال كثير من الشركات متأخرا في ذلك. وفقا لدراسة أجرتها كلية الأعمال في جامعة هارفرد، قال 80 في المائة من قادة الأعمال إن أنظمة متابعة طلبات المتقدمين لديهم تستبعد نصف عدد المرشحين المؤهلين من أصحاب المهارات العالية بسبب المعايير التي يتبعها النظام مثل الفجوات الزمنية في تاريخ العمل أو عدم وجود شهادات.
في الشكل الحالي لسوق العمل، يقول روهان راجيف، مدير المنتجات في منصة لينكد إن، "سوق العمل تصبح أفضل بكثير إذا التحقت بالكلية المناسبة وحصلت على مسمى وظيفي معين من شركة مرموقة. لكن التحدي هو، ماذا لو لم يكن لديك ذلك؟".
في محاولة لإيجاد نتائج أكثر إنصافا، يبني راجيف وفريقه ميزات لمنصة التواصل المهني، مثل الأدوات التي تساعد الشركات على البحث عن المرشحين للوظائف بناء على مهاراتهم التي تساعد على إدراجها بشكل واضح في إعلانات الوظائف، إضافة إلى السماح للباحثين عن العمل بإجراء مقارنة واضحة حول مدى توافق مهاراتهم مع متطلبات الوظيفة.
مثلا، إعطاء الأولوية للكفاءة على سيرة ذاتية مليئة بخبرات لدى شركات لامعة وشهادة علمية، يمكن أن يساعد على تخفيف ضيق سوق العمل. هذا النهج في التوظيف الذي يعتمد أساسا على المهارات من شأنه أن يقلل من أهمية التفاصيل الأخرى مثل الدرجة العلمية وعدد أعوام الخبرة والمسميات الوظيفية السابقة، ويركز بدلا من ذلك على قدرة المرشح على إثبات أن مهاراته المهنية تتوافق جيدا مع متطلبات الوظيفة التي يتقدم لها.
يعد تخفيف متطلبات الدرجة العلمية أمرا مهما خصوصا لكثير من العاملين الذين لم يلتحقوا بمؤسسات التعليم العالي التقليدي أبدا. ذكر تقرير حديث نشرته منظمة "أبورتونيتي آت ورك"، التي تساعد الأشخاص الذين لا يملكون الشهادات للعثور على وظائف، أن هناك أكثر من 70 مليون عامل أمريكي، كثير منهم من ذوي البشرة السوداء، قد طوروا مهاراتهم دون الحصول على درجة البكالوريوس مطلقا.
النهج القائم على المهارات يمكن أن يساعد الشركات على تقييم إمكانات المرشحين بشكل أفضل، لأن "الإمكانات تتفوق على كل شيء"، كما تقول جيل تشابمان، استشارية أولى في الأداء المتخصصة في التوظيف والإعداد الوظيفي. "في اقتصاد التوظيف اليوم، يلتزم صاحب العمل الذي يعين الموظفين بناء على إمكاناتهم باختيار المرشحين الذين قد لا يمتلكون خبرات سابقة أو التعليم المطلوب عند بدئهم العمل، لكنهم يمتلكون من السمات ما يجعلهم مناسبين للمؤسسة الآن ومن الناجحين في المستقبل".
بينما تقع على عاتق أصحاب العمل مسؤولية تقييم الإمكانات وتعزيزها، يحتاج العاملون اليوم أيضا إلى الاستمرار في تطوير المهارات بنشاط دائم ليبقوا مهمين في مجالهم. كان التعليم هو الأساس لكل من نشأ في فترة التسعينيات. قالت لي والدتي إنه يجب أن أحصل على درجة البكالوريوس - وحبذا الماجستير والدكتوراه بعدها - وستفتح أمامك حياة مهنية فيها كثير مع إمكانية تحقيق دخل كبير جدا. لا يزال صحيحا أن الدرجات العلمية تترجم إلى مداخيل أعلى مدى الحياة، لكن هذا غير كاف.
حتى إذا كنت لا تود تغيير وظيفتك، فإن راجيف ينصح أنك تستطيع مواكبة مجال عملك من خلال تصفح قوائم الوظائف وتدوين المهارات المدرجة في وصفها. استخدم هذا لتحديد الثغرات في سيرتك الذاتية، وعالجها من خلال الحصول على الشهادات أو حضور المؤتمرات أو الدورات عبر الإنترنت أو غيرها من فرص التعليم أو التواصل، كما يقول.
وفقا لتقرير مستقبل المهارات الذي تنشره منصة لينكد إن، تعد الخبرة في التنوع والمساواة والشمول والعملات المشفرة من أكثر المهارات التي يتم الحديث عنها التي نما الطلب عليها. لكن "فيسبوك" في الوقت نفسه كانت خارج الصورة، حيث أدى فشلها في السعي نحو "التحول إلى الفيديو"، من بين الموضوعات الأخرى المختلف عليها منذ 2015، إلى جعلها أقل موثوقية، وبالتالي أصبحت أداة أقل قوة لاستراتيجيات التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
هناك اتجاه آخر أشار إليه التقرير وهو أن تعريف أنواع المهارات أصبح أكثر دقة مقارنة بـ2015. مثلا، قد يدرج الأشخاص معرفتهم ببرمجية معينة على أنها مهارة، أو تحديد مهارة "تصوير البورتريه الفوتوغرافي" بدلا من مجرد "التصوير الفوتوغرافي". يقول راجيف إن هذا التحديد ممارسة سليمة.
"قبل عشرة أعوام، كان بإمكانك أن تكتب التصوير الفوتوغرافي وسيكون ذلك لا بأس به، ولكن اليوم، قد يكتب مسؤول التوظيف التصوير الفوتوغرافي وسيحصل حينها على مجموعة كبيرة من الخيارات". من خلال استخدام لغة أكثر تطورا عند الحديث عن المهارات، يبرز الموظفون للفرص التي تناسبهم بشكل أفضل.
ربما نتجه نحو سوق أكثر مرونة يستفيد فيها العمال من مجموعات مهاراتهم المحددة، بدلا من تركيزهم على مسار خطي للألقاب العليا المتزايدة في الوظائف. هذا يعني أن أرباب العمل يغيرون فكرهم حول التوظيف والتقدم الوظيفي وأنهم أصبحوا أكثر انفتاحا لتقييم المهارات القابلة للتحويل حتى يتمكن العمال من تغيير اتجاههم الوظيفي وتجربة أشياء جديدة.
تشاندرا تيرنر هي من المدربين المهنيين الذين يقدمون المشورة لعملائهم حول كيفية تغيير مهنهم من خلال التسويق الناجح للمهارات التي اكتسبوها في صناعة الإعلام. وفقا لتجربة تشاندرا، فإن مديري التوظيف "منفتحون جدا" على الأشخاص الذين يحولون مسارهم المهني، ولا سيما عند التوظيف في الصناعات الجديدة مثل التسويق بالنشر الذي تمارسه العلامات التجارية أو التسويق بالعمولة، نظرا إلى عدم وجود عدد كاف من الأشخاص الذين لديهم خلفيات وخبرات في تلك المجالات تحديدا حتى الآن.
قد تكون سوق العمل في المستقبل متساهلة مع "التغييرات المهنية" و"التحولات" والسير الذاتية غير التقليدية، حيث يقيم العاملون خطواتهم التالية بحرية أكبر بناء على المكان الذي تشتد الحاجة فيه إلى مهاراتهم - ويحصلون على مكافآت عالية.
تقر شاندرا إن وجود اسم الشركات أو المؤسسات التعليمية الشهرة في السيرة الذاتية لا يزال مفيدا، لكنه لم يعد الطريق الوحيد للنجاح. "إن أعيننا تنجذب إلى الأشياء التي نعرفها في السيرة الذاتية لشخص ما، لكن لدينا سوق عمل رائعة، ولا يزال هناك مكان ينتظرك فيها".
إن ذلك ليس ممكنا فحسب، بل ضروري. تقول تشاندرا، "يجد بعض عملائي الأكبر سنا أنه من المرهق المواظبة على التغيير والتطور باستمرار. لكن علينا أن نتحلى بالمرونة. عندما تبدأ في الشعور بالاستقرار، حينها يجب أن تبدأ بالشعور بالتوتر، لأنك لا تتغير - بينما الجميع يتغيرون".

الأكثر قراءة