الصناعة السعودية .. رؤية 2030 وقودها
ظهر الاهتمام الكبير للتنمية الصناعية في المملكة مع إنشاء صندوق التنمية الصناعية السعودي 1974، الذي عمل طوال تاريخه على تقديم قروض حسنة متوسطة أو طويلة الأجل من أجل تأسيس المصانع الجديدة، أو تطويرها أو توسعتها، مع تقديم دراسات الجدوى والمشورة في المجالات الإدارية والمالية والفنية والتسويقية للمنشآت الصناعية، وفي 1975 تم إنشاء الهيئة الملكية للجبيل، التي نبع عنها إنشاء شركة سابك في 1976، وكانت الرحلة الصناعية طويلة زاخرة بالخبرات، أضافت أكثر من 340 مليار ريال إلى الناتج المحلي الإجمالي. وتعد السعودية اليوم رابع أكبر مصنع للمنتجات البتروكيماوية على مستوى العالم، فيما تسهم مخرجاتها الصناعية في تزويد سلاسل الإمداد والتصنيع العالمية، التي تدخل في إنتاج عديد من الصناعات، لكن الطموح يظل أكبر والهمم أعلى بكثير، خاصة مع هذا العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وما يحظى به القطاع الصناعي من اهتمام مباشر من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ما جعل تطوير الصناعة ضمن أولويات رؤية المملكة 2030.
وهنا وفي 2016، بدأت رحلة التحول الوطني في هذا القطاع مع ضم قطاع الصناعة إلى الطاقة والثروة المعدنية، حيث صدر أمر ملكي بتعديل اسم وزارة البترول والثروة المعدنية ليصبح "وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية"، ثم أنشئت وزارة مستقلة باسم "وزارة الصناعة والثروة المعدنية"، لتمكين كلا القطاعين "الطاقة والصناعة" من العمل بمرونة أكبر، وتم إطلاق برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية كأحد برامج "الرؤية" لتحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية دولية في عدد من المجالات الواعدة، وفي 2020 وافق مجلس الوزراء على الاستراتيجية الوطنية للصناعة بشعار "صناعة منافسة واقتصاد قائم على المعرفة"، وخلال تلك المرحلة من "الرؤية" تمت مضاعفة عدد المنشآت الصناعية التي لم يكن يتجاوز عددها 7،206 مصانع أنشئت خلال 42 عاما، ليقفز عددها بعد انطلاق "الرؤية" بأكثر من 50 في المائة ليصل إلى 10،640 منشأة صناعية في 2022، وتوصلت دراسة للبنك المركزي السعودي إلى أن نشاط الصناعات التحويلية قام بدور مهم في توفير السلع للسوق المحلية، حيث أصبحت تشكل قيمة السلع المبيعة في السوق المحلية نحو 62.9 في المائة من إجمالي المبيعات، كما أسهم في توفير السلع الاستهلاكية، مثل، الأغذية والمشروبات، التي تشكل نحو 12.4 في المائة من إجمالي المبيعات محليا، كما أن نشاط الصناعة التحويلية في المملكة يشكل نحو 54.2 في المائة من إجمالي الصناعات التحويلية الخليجية، وهو ما يجعلها رائدة إقليميا في هذا المجال.
لكن قطار المنافسة في الصناعة العالمية لا يقف عند حد، ولا بد من استمرار التطوير كجزء من العمل ولا بد من الطموح المستدام للحفاظ على المكتسبات وتعظيم الأثر. لذا أطلق الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، بالأمس الاستراتيجية الوطنية للصناعة، الهادفة للوصول إلى اقتصاد صناعي جاذب للاستثمار، يسهم في تحقيق التنوع الاقتصادي، وتنمية الناتج المحلي والصادرات غير النفطية، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية، ذلك أن التطورات العالمية التي ظهرت بوضوح مع تصاعد مفهوم الثورة الصناعية الرابعة التي تشمل الذكاء الاصطناعي، واستخدام البيانات الكبيرة، وتنامي الآثار الكبيرة لتعطل سلاسل الإمداد في الآونة الأخيرة، تجعل الفرص الاقتصادية من تطوير الصناعة المحلية تتزايد. وفي هذا قال ولي العهد، "إن لدينا جميع الممكنات للوصول إلى اقتصاد صناعي تنافسي ومستدام، من مواهب شابة طموحة، وموقع جغرافي متميز، وموارد طبيعية غنية، وشركات صناعية وطنية رائدة، ومن خلال الاستراتيجية الوطنية للصناعة وبالشراكة مع القطاع الخاص، ستصبح المملكة قوة صناعية رائدة تسهم في تأمين سلاسل الإمداد العالمية، وتصدر المنتجات عالية التقنية إلى العالم".
ومن هنا جاء الدور الجديد لهذه المرحلة، فالاستراتيجية الجديدة ستسهم في دفع عجلة النمو في القطاع لتصل أعداد المصانع إلى نحو 36 ألف مصنع بحلول 2035، من خلال تنويع القاعدة الصناعية لتشمل 12 قطاعا فرعيا مع تحديد أكثر من 800 فرصة استثمارية بقيمة تريليون ريال، وسيصل مجموع قيمة الاستثمارات الإضافية في القطاع الصناعي إلى 1.3 تريليون ريال، وزيادة صادرات المنتجات التقنية المتقدمة بنحو ستة أضعاف، ومضاعفة قيمة الصادرات الصناعية بذلك لتصل إلى 557 مليار ريال، وكل هذا سيسهم في مضاعفة الناتج المحلي الصناعي بنحو ثلاث مرات. ومن أجل ضمان أفضل الإنجازات في الوقت المحدد، فقد تمت حوكمة القطاع الصناعي من خلال تشكيل اللجنة العليا للصناعة، برئاسة ولي العهد ليشرف على تطوير القطاع، إضافة إلى تشكيل المجلس الصناعي بمشاركة القطاع الخاص، لضمان إشراك المستثمرين الصناعيين في صنع القرار وتطوير السياسات.
ومن هذه التحركات والتغييرات في الخطط سينتج تحول كبير في القطاع الصناعي، سيكون له دور ريادي في دعم الناتج المحلي، ويحقق أرقاما تختلف عما تحقق خلال الفترة السابقة، كما يعد ذلك إضافة جديدة وقوية للتنمية الاقتصادية في ظل مشاركة القطاع الخاص.