الشيخوخة تثقل كاهل الاقتصاد الصيني .. مخاوف من تراجع الاستهلاك وتزايد المدخرات

الشيخوخة تثقل كاهل الاقتصاد الصيني .. مخاوف من تراجع الاستهلاك وتزايد المدخرات
الشيخوخة تثقل كاهل الاقتصاد الصيني .. مخاوف من تراجع الاستهلاك وتزايد المدخرات
الشيخوخة تثقل كاهل الاقتصاد الصيني .. مخاوف من تراجع الاستهلاك وتزايد المدخرات
الشيخوخة تثقل كاهل الاقتصاد الصيني .. مخاوف من تراجع الاستهلاك وتزايد المدخرات
الشيخوخة تثقل كاهل الاقتصاد الصيني .. مخاوف من تراجع الاستهلاك وتزايد المدخرات

أسهمت آثار سياسة الطفل الواحد التي تبنتها الصين على مدار 37 عاما، إضافة إلى التحسينات الهائلة في مستويات الرعاية الصحية في زيادة متوسط العمر المتوقع وانخفاض معدل المواليد في البلاد في آن واحد.
ففي الأعوام التي كانت فيها سياسة الطفل الواحد سارية المفعول، ارتفع متوسط العمر المتوقع في الصين من 67 عاما إلى 75 عاما، لكن في المقابل انخفض معدل الخصوبة من 2.8 إلى 1.7، والآن تجد الصين أن التحولات السكانية الناجمة عن تلك السياسات التي تواصلت لعقود باتت توجد صعوبات اجتماعية واقتصادية تجعل بعض الخبراء يتساءلون عن انعكاساتها السلبية، ليس على الصين فحسب، بل على الاقتصاد العالمي.
تظهر المشكلة السكانية في الصين بشكل واضح من انخفاض عدد المواليد الجدد للعام الخامس على التوالي إلى أدنى مستوى له في تاريخ الصين الحديث، وعلى الرغم من تركيز بكين المتزايد على تشجيع المواليد، فإن المكتب الوطني للإحصاء أعلن في بداية العام أن عدد مواليد العام الماضي انخفض من 12.02 مليون مولود عام 2020 إلى 10.62 مليون مولود عام 2021، ما يجعل البعض يعتقد أن عدد سكان الصين قد بلغ ذروته، وأن الصين تتجه إلى مرحلة التقلص السكاني.
في نهاية العام الماضي، بلغ العدد الرسمي لسكان الصين 1.413 مليار نسمة، في الوقت ذاته تراجع معدل المواليد (عدد المواليد لكل ألف شخص) إلى مستوى منخفض فمن 8.52 عام 2020 إلى 7.52 العام الماضي، وفي دولة يرتبط تطورها الاقتصادي بمزاياها السكانية، حيث إن توافر القوى العاملة الشابة بأسعار رخيصة كان سببا وراء نهوضها الاقتصادي خاصة في مجال التصنيع، ومن ثم بروزها كقوة اقتصادية عالمية، فإن القضية السكانية تكون لها أبعاد خطيرة.
لكن مشكلة الصين السكانية لا تقف عند حدود انخفاض أعداد المواليد، وإنما تزداد تعقيدا مع ارتفاع أعداد المتقاعدين وكبار السن، فواحد من كل خمسة صينيين يبلغ من العمر 60 عاما أو أكبر، إذ قفزت نسبة هؤلاء من إجمالي السكان من 18.7 في المائة عام 2020 إلى 18.9 في المائة العام الماضي، بينما يبلغ الصينيون في سن العمل (الصينيون الذين تراوح أعمارهم بين 16 و59 عاما) 63 في المائة من إجمالي السكان.
لـ"الاقتصادية"، يعلق الدكتور إل. دي. زهيوي أستاذ الدراسات السكانية سابقا في عدد من الجامعات البريطانية قائلا: "الصين تمثل خمس سكان العالم، وربما يوجد فيها الآن ربع سكان العالم الذين تبلغ أعمارهم 60 عاما أو أكثر، وارتفاع أعداد المتقاعدين يطرح تساؤلات حول الاستعداد الحكومي لتمويل فاتورة الرعاية الصحية، كما أن سياسة الطفل الواحد أدت إلى اختلال في التوازن بين الجنسين، نتيجة التفضيل الثقافي والاجتماعي القوي للأطفال الذكور، وفي 2014 كان هناك ما يقرب من 41 مليون رجل أكثر من النساء في الصين، وبين الصينين الذين تراوح أعمارهم بين 20 و40 عاما، فإن عدد الرجال يفوق عدد النساء بمقدار 17.5 مليون رجل، وعلى الرغم من أن الفجوة على مستوى البلاد ضاقت في الأعوام الأخيرة، إلا أنها تسهم في عدم الاستقرار الاجتماعي كما ستكون له انعكاسات اقتصادية".
مارتن بلاك الباحث في الشأن الاقتصادي الصيني سميث يرى أن التحديات السكانية في الصين يمكن أن تغير من التوقعات بشأن موقعها الاقتصادي العالمي.
ويقول لـ"الاقتصادية": إن "هناك كثيرا من التقديرات بأن الصين ستصبح أكبر اقتصاد في العالم قريبا، لكن الاقتصاد الصيني الذي يعتمد بشكل كبير على الاستثمار في البنية التحتية والعقارات يقترب من حدوده القصوى، وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن يتفوق الاقتصاد الصيني على الولايات المتحدة في 2033، أي بعد أربعة أو خمسة أعوام من تقديرات سابقة كانت ترى أن ذلك سيحدث قبل ذلك التاريخ، فإنه بحلول 2050 يمكن أن تقلب الولايات المتحدة الطاولة، نتيجة الانكماش السكاني والشيخوخة التي تثقل كاهل الاقتصاد الصيني".
مع هذا، فإن المؤيدين للتجربة الصينية ومن بينهم الدكتورة إيفا أوليفر أستاذة التنمية الدولية في جامعة جلاسكو ترى أن كثيرين ينظرون إلى مشكلة الاعتماد على كبار السن في الصين باعتبارها أكثر إثارة للقلق من تلك الموجودة في الغرب، لكن الصين من وجهة نظرها ليست في وضع صعب على الإطلاق بفضل سن التقاعد المتأخر والتطور التكنولوجي وسكانها المسنين الأصحاء، فالرجل الصيني يتوقع أن يتمتع بحياة صحية لمدة سبعة أعوام بعد التقاعد. أما في الدول الغربية، فإن الأعوام الجيدة بعد التقاعد وقبل المرض أقصر بكثير، فهي أربعة أعوام للرجال وستة للنساء.
ولـ"الاقتصادية" تعلق قائلة "معدل شيخوخة السكان هذا القرن سيكون أكبر من أي قرن آخر، ووفقا لبيانات الأمم المتحدة، فإنه بحلول 2050 من المتوقع أن يكون هناك 83 دولة تزيد أعمار أكثر من 20 في المائة من سكانها على 65 عاما، ومن المتوقع أن يصل أولئك الذين تبلغ أعمارهم 80 عاما أو أكثر وهم المجموعة الأكثر احتمالا أن تطلب رعاية صحية إلى 430 مليون شخص بمنتصف القرن مقارنة بـ14 مليون فقط في منتصف القرن الماضي و125 مليون الآن".
وتضيف "من الواضح أن جميع دول العالم تقريبا يتقدم سكانها عمريا، ويرجع ذلك إلى انخفاض معدل الخصوبة وزيادة متوسط العمر المتوقع، وهذا نتيجة طبيعية للنمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية والتقدم التكنولوجي".
ولكن إذا كان الوضع هكذا، فلماذا تمثل الشيخوخة في الصين مصدر قلق؟ الأمر يبدو بسيطا.. الصين "مصنع العالم" تتقدم في العمر أسرع بكثير من معظم الدول الغربية التي توقفت عن أن تكون مصنع العالم منذ عقود، وإذا زادت الشيخوخة بين "عمال المصنع"، فكيف ستتحمل "الإدارة" معاشاتهم التقاعدية ونفقات الرعاية الصحية؟
باختصار، الصين تتقدم في السن قبل أن تكون ثرية، ولذلك تداعيات كبيرة على أنماط الإنتاج والاستهلاك والاستثمار وأسعار الفائدة في الصين والعالم، ما يجعل قضية شيخوخة الصين قضية عالمية بامتياز.
تشير الأمم المتحدة إلى أنه في 2020 وصلت نسبة إعالة كبار السن في الصين إلى 17 شخصا، ونسبة الإعالة تحسب على أساس السكان الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما أو أكثر لكل 100 شخص في سن العمل أي المرحلة العمرية من 15 إلى 65 عاما، بحلول 2060 سترتفع نسبة الإعالة في الصين إلى 53 شخصا وستبقى على هذا المنوال لمدة تراوح بين 50 و60 عاما، في المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا يستغرق الوصول إلى نسبة إعالة 53 شخصا كما الصين 140 و120 و90 عاما على التوالي، أما الولايات المتحدة فستصل إلى هذا المعدل في القرن المقبل.
مع هذا، فإن الصين في وضع أفضل من جيرانها الآسيويين، فالمقارنة تكشف أن الصين تشيخ بوتيرة أبطأ، وسيستغرق الأمر من 20 إلى 30 عاما فقط لتصل تايوان وكوريا الجنوبية إلى نسبة إعالة كبار السن، التي ستصل إليها الصين في 38 عاما من الآن، أما في اليابان فسيتطلب الأمر 40 عاما كما هو الحال في الصين، لكن اليابان ستكون في وضع أصعب، حيث سيواصل السكان التقدم في السن وستتجاوز نسبة إعالة كبار السن 70 عاما.
لكن، كيف تؤثر مشكلة شيخوخة الصين في الاقتصاد العالمي؟
يقول الدكتور أرتي تيموثي أستاذ الاقتصاد المقارن في جامعة ليدز: "في مراحل الشيخوخة تكون لديك نسبة أعلى من السكان مدعومة بالدخل التقاعدي بدلا من العمالة، من ثم فإن مزيج الاستهلاك في الصين سيتغير وسيكون أكثر تركيزا على الخدمات، وهذا بالطبع سيكون له تأثير في الطلب الصيني من السلع من الخارج، وأيضا في طلبها على الموارد الطبيعية".
ويضيف "كما تجب الإشارة أيضا إلى أن ارتفاع معدلات الشيخوخة في الصين يمكن أن يجعلها أكثر سيطرة على الأسواق المالية العالمية، إذ إن معدل الادخار المرتفع في الصين كان يدعم الأسواق العالمية، فالصين تتمتع بأحد أعلى معدلات الادخار في العالم بين الأفراد، ويستثمر عديد من مستثمري التجزئة أموالهم الإضافية أو يحتفظون بها في صناديق تقاعدية، ومع زيادة معدلات الشيخوخة ينخفض الاستهلاك وتزيد المدخرات".
خلال افتتاح المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي الصيني قبل أيام، تناول الرئيس شي جين بينج القضية السكانية في كلمته، ليكشف إدراك القيادة الصينية للتحديات الناجمة عن الملف السكاني، وبحثها عن استراتيجيات سياسية لإدارة هذا الملف بتعقيداته وتشابكاته المتداخلة، الذي ربما يقرر مصير التجربة الصينية بأكملها، فالصين تتقدم في العمر وتشيخ بسرعة في مرحلة مبكرة من تطورها، وتفتقر إلى عديد من قدرات الرفاهية التي ساعدت الدول المتقدمة خلال تحولها السكاني، ما يجعل من نقص المواليد وشيخوخة السكان قضية صينية لا يمكن تجاهلها أو التهاون فيها.

الأكثر قراءة