نظرة قصيرة النظر
لا شك أن الحكومات الغربية عموما، سارت بسرعة شديدة ومفرطة في طريق حماية المناخ، دون أن تأخذ في الحسبان ما هو موجود على الأرض، وبعض الحقائق التي تجعل من حماية المناخ على المدى القصير صعبة، بل مستحيلة في أحيان كثيرة.
فعندما يحدد هدف تخفيض الانبعاثات الكربونية عبر خفض الاعتماد على الطاقة الأحفورية، تبرز مشكلة كبيرة تحاول الحكومات أن تقفز عليها، وأن 80 في المائة من الطاقة حول العالم في الواقع أحفورية، رغم كل المشاريع والاستثمارات التي تمت في العقدين الماضيين خصوصا، لرفع مستوى الطاقة المتجددة بأنواعها. هذا لا يعني أن الطاقة المتجددة لا تشكل فرقا، لكنها تبقى متواضعة إلى حين استكمال بناء القاعدة الأساسية لها على المستوى العالمي، ومعها نشر الثقافة المكملة لها.
من هنا، يمكن فهم ما قاله مايك ويرث الرئيس التنفيذي لشركة شيفرون النفطية الأمريكية، الذي حمل الحكومات الغربية مسؤولية أزمة الطاقة الراهنة. وهذه الأخيرة لم تضغط فقط على الحياة العامة من خلال رفع معدلات التضخم، لكنها طرحت سلسلة من الأسئلة عن الجهات المسؤولة عن ارتفاع أسعارها، فضلا عن طبيعة استراتيجية الطاقة الغربية ذاتها، إضافة إلى تسببها في تقلبات سياسية محلية هنا وهناك. الحرب في أوكرانيا أظهرت حقا، مدى محدودية استراتيجية الطاقة الغربية عموما والأوروبية خصوصا. لماذا؟ لأن هذه الجهات اعتمدت طاقة رخيصة وقريبة منها يمكن الحصول عليها، دون أن تضع في الحسبان الخلافات بل المواجهات الجيوسياسية على حدود الاتحاد الأوروبي. هذه النقطة أسهمت في تفاقم أزمة الطاقة الأوروبية، التي لا يبدو أنها ستنتهي قريبا.
تعيش الحكومات الغربية بالفعل حالة انعدام وزن أمن في إمدادات الطاقة، مرة أخرى أوروبا في المقدمة. ولهذا السبب تضخ هذه الحكومات أموالا ذات أرقام عالية لدعم مواطنيها للوصول إلى الطاقة بمستويات سعرية يقدرون عليها. هذا الدعم تسبب بالطبع في ارتفاع حجم الثغرات في الميزانيات العامة، وزيادات كبيرة في حجم الديون الحكومية، التي بلغت في بلد كبريطانيا أكثر من حجم الناتج المحلي الإجمالي. ويبدو واضحا أن الحل الأمثل لهذه الأزمة المتفاقمة يتمثل في فتح حوارات جديدة على المستوى العالمي، حول مستوى التحديات على صعيد الطاقة.
وهذا يطرح مجموعة من المحاور، في مقدمتها، حقيقة التطور الراهن في مشاريع الطاقة البديلة المتجددة، وهل بلغت حدا يمكن الاعتماد عليه لتعزيز أمن الطاقة، إن وجد الأمن أصلا؟ دون أن ننسى، أن تكاليف مشاريع الطاقة البديلة لا تزال مرتفعة إلى حد بعيد، وستواصل على هذا المستوى لعقود مقبلة.
ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن ارتفاع أسعار الوقود في الدول الغربية عموما، لا يرتبط فقط بزيادة أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية، بل يشمل الضرائب الكبيرة التي تفرضها الحكومات على المستهلكين، التي تبلغ في المتوسط 50 في المائة. والضرائب الفلكية فرضت أساسا في سياق مسيرة الحفاظ على المناخ، أي إن المسألة مع أهميتها للإنسانية، ليست واقعية في ظل الأدوات الراهنة، وتحتاج إلى أعوام عديدة، قبل أن يشهد العالم العوائد المرجوة منها. الكل يعرف أنه لا يمكن الاعتماد إلا على الوقود الأحفوري في العقدين المقبلين على الأقل، وهناك تقديرات بأنه سيكون المحور الرئيس حتى ما بعد منتصف القرن الحالي. ومن هذه الزاوية فلا بد من إعادة النظر في استراتيجية الطاقة في الغرب، لتأخذ في الحسبان التطورات الراهنة والمؤثرات المتلاحقة، والأهم أن تكون واقعية أكثر مما هي حالمة.