التراجع .. الحل الوحيد لخروج بريطانيا من أزمتها المالية

التراجع .. الحل الوحيد لخروج بريطانيا من أزمتها المالية

مقولة وارين بافيت إن الأمر يستغرق 20 عاما لبناء السمعة بينما يستغرق تدميرها خمس دقائق ليست صحيحة دائما خاصة عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد.
في بعض الأحيان، قد تكتسب السمعة السليمة للإدارة الاقتصادية في بضع دقائق، كما كان الحال مع جوردون براون عندما جعل بنك إنجلترا مستقلا في 1997. انخفضت تكاليف الاقتراض في المملكة المتحدة بنحو 0.5 نقطة مئوية وبقيت منخفضة. منذ ذلك الحين أخذت الأمور تسوء بشكل بطيء.
لكن ليز تراس وكواسي كوارتينج أثبتا أن بافيت كان محقا هذه المرة. لم تكن هناك حاجة إلى الاستفادة من الإدراك المتأخر لمعرفة أن تنفيذ أكبر تخفيضات ضريبية غير ممولة منذ 50 عاما، الذي قوض استقلال بنك إنجلترا، وإقالة رئيس الخزانة المحترم، والسخرية من المعتقدات الاقتصادية، وتهميش مكتب مسؤولية الميزانية سيكون أمرا محفوفا بالمخاطر.
بينما أكتب هذا المقال وأنا في واشنطن، تراجعت مصداقية بريطانيا الاقتصادية على المسرح الدولي بشكل ملحوظ. سئلت بدهشة ورعب وشفقة كيف أمكن للمملكة المتحدة أن تنحدر بهذه السرعة.
وفقا لحلفاء وزير المالية، كان كل ما جرى غير عادل البتة. قالوا "باستخدام تعريف سخيف" إن بريطانيا تتحمل ثاني أقل عبء دين عام بين أعضاء مجموعة السبع. لكن صحيح أن المالية العامة للمملكة المتحدة أقوى بشكل عام منها في إيطاليا واليابان والولايات المتحدة وفرنسا، حيث تزداد أعباء الديون فيها سنويا، ولا يبدو أن الأسواق المالية تبالي بذلك.
هذه الحجة التي قدمها الليبراليون اليمينيون غريبة جدا. بدلا من الشكوى وطلب المساعدة من الأسواق المالية، يجب أن يتحملوا مسؤولية أزمتهم. تكمن المشكلة في أنه يصعب للغاية أن نرى الحل السليم في رغبة حكومة المملكة المتحدة في الدمج بين تخفيضات ضريبية كبيرة وانخفاض الديون كحصة من الدخل القومي في غضون ثلاثة إلى خمسة أعوام.
يمكنك إلقاء نظرة على التحليل الموثوق به دائما من معهد الدراسات المالية أو أن ترى حساباتي الخاصة وستحصل على النتيجة نفسها. في آذار (مارس)، كان من الممكن أن تقترض الحكومة ما يقرب من 30 مليار جنيه استرليني إضافية، وسيكون حينها عبء الدين مستمرا في الانخفاض. منذ ذلك الحين، تدهورت التطلعات الاقتصادية، بسبب ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم بشكل حاد، ما أدى إلى زيادة تكلفة خدمة الدين الحكومي والرفاهية والمعاشات التقاعدية.
هذه التأثيرات تقضي على أكثر من سقف الـ30 مليار جنيه استرليني. لكن علاوة على ذلك، أضاف كوارتينج وتراس ما لا يقل عن 43 مليار جنيه استرليني سنويا من التخفيضات الضريبية غير الممولة. أضف عليها القليل من الإنفاق الدفاعي الإضافي، سيصبح حينها من الصعب جدا ألا يتسبب ذلك بحدوث فجوة مستمرة في المالية العامة تقارب 60 مليار جنيه استرليني سنويا، أو 2.5 في المائة من الدخل القومي.
ما الذي يمكن أن يفعله الوزراء لاستعادة مصداقية المملكة المتحدة؟ لا يعقل لمكتب مسؤولية الميزانية أن يقول إن الاقتصاد سينمو بشكل أسرع أثناء فترة صدمة في أسعار الطاقة، لأنه نشر محاكاة لسيناريو مشابه في تموز (يوليو) دون أن يتضمن ذلك تعزيز الاقتصاد. يمكن للحكومة أن تأمر بنك إنجلترا باستهداف 5 في المائة من نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي سنويا، الأمر الذي من شأنه أن يحل مشكلة المالية العامة على الورق. لكن هذا أقرب إلى المطالبة بنحو 1.5 نقطة مئوية من التضخم الإضافي ومن شأنه أن يفجر سوق السندات الحكومية ويؤدي إلى انهيار الجنيه الاسترليني.
يمكن للوزراء أن يعدوا بخفض الإنفاق بعد الانتخابات المقبلة، لكن لن يصدقهم أحد. يمكنهم رفع المزايا بأقل من التضخم، لكنهم لن يحصلوا على موافقة البرلمان. في الوقت الذي كانوا يتمتعون فيه بقدر أكبر من المصداقية، كان بإمكانهم الاختلاف مع توقعات مكتب الميزانية العمومية والاستمرار في العمل، لكنهم أهدروا فرصتهم وذهب هذا الخيار الآن إدراج الرياح. وكانت الأسواق لتصاب بالذعر.
هناك شيئان فقط من شأنهما إنقاذ المصداقية الاقتصادية لتراس وكوارتينج. أولا، كثير من الحظ، وهو أمر لا يمكن الاعتماد عليه. ثانيا، التراجع عن جميع التخفيضات الضريبية غير الممولة التي تم إعلانها في البيان المالي للشهر الماضي. هذا هو الخيار الوحيد، والآن فقدت الأسواق المالية الثقة في رئيسة الوزراء ووزير المالية. بالنسبة إليهم، فإن الثمن السياسي الذي يترتب على هذا التحول سيكون هائلا. لكن بالنسبة إلى البلاد، هناك فقط ارتفاع الأسعار.

الأكثر قراءة