رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الاستشارات .. السعوديون أدرى بشعابهم

عرفت السعودية بالانفتاح على العالم والاستفادة من الخبرات الدولية لتطوير أساليب العمل في جميع المجالات ودخلت شركات عالمية كبرى سوق الاستشارات السعودية، ومنها مؤسسة فورد الاستشارية الأمريكية، التي تم التعاقد معها في أوائل السبعينيات الميلادية، حيث أنجزت عديدا من الدراسات، من أهمها إنشاء معهد الإدارة العامة الذي أسهم ولا يزال في تطوير الإدارة الحكومية. وأشرفت الإدارة المركزية للتنظيم والإدارة في وزارة المالية آنذاك على عمل مؤسسة فورد، وعملت الكفاءات السعودية في المجموعات الاستشارية التي شكلت للقيام بالدراسات المطلوبة وزادت الحاجة إلى الخدمات الاستشارية، في ظل الطفرة الاقتصادية التي شهدتها المملكة في مرحلة لاحقة، ما فتح الباب لدخول مزيد من الشركات الاستشارية من دول عديدة ولم يواكب ذلك تأسيس كيانات استشارية سعودية. ثم أُسست بعض الشركات والمكاتب، لكنها لم تمكن من المشاركة مع الشركات الأجنبية التي تمنح العقود الكبيرة دون اشتراط توظيف أو تدريب العناصر السعودية المهيأة للعمل في هذا المجال الحيوي المهم. وجاءت رؤية 2030 التي تضمنت برامج مهمة لتمكين المواطن السعودي في مختلف مجالات الأعمال، وصدر الأمر السامي عام 2019 بعدم تعاقد الجهات الحكومية مع الشركات الاستشارية الأجنبية إلا في أضيق الحدود.
وفي الأسبوع الماضي، أصدر المهندس أحمد بن سليمان الراجحي وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، قرارا بتوطين 35 في المائة من المهن الاستشارية والأعمال بدءا من 4 / 6 / 2023 في المرحلة الأولى، وسترتفع النسبة في المرحلة الثانية لتصل 40 في المائة بدءا من 24 / 3 / 2024. كما أصدر وزير المالية محمد الجدعان، قرارا بتعديل نموذج كراسة شروط ومواصفات "خدمات استشارية"، وإلزام الشركات الاستشارية بنسبة التوطين المحددة في الخدمات والمشتريات الحكومية. تأتي هذه الخطوات لتأكيد قاعدة ذهبية تقول "أهل مكة أدرى بشعابها"، فالخبراء الأجانب مهما كانت لديهم من الخبرة في دولهم لا يمكن أن تكون لديهم معرفة تامة بالظروف المحلية المحيطة بأي موضوع يقومون بدراسته. وأتذكر هنا قصة حدثت قبل نحو 30 عاما، حيث دخلت شركة طيران بريطانية "لم تعد موجودة الآن" إلى السوق السعودية، وصمم مستشارها الإعلاني في لندن حملة إعلانية حول خدمات الضيافة على طائراتها، فظهرت صورة ضمن الحملة للمضيف في الدرجة الأولى، وهو يقدم القهوة السعودية بيده اليسرى، ما يخالف تقاليد الضيافة السعودية الأصيلة وقوبل ذلك بانتقاد شديد، اضطرت الشركة معه إلى التعاقد مع وكالة سعودية للعلاقات العامة، وتمت إعادة تصميم الحملة الإعلانية، وكذلك تدريب طاقم الضيافة على تقديم الخدمات بأسلوب مقبول، وهذا يثبت أهمية دور المعرفة السعودية في إنجاح الدراسات المتعلقة بالسوق السعودية.
وأخيرا: بلغ حجم مبيعات قطاع الاستشارات في السعودية خلال 2019 سبعة مليارات ريال، كان نصيب الشركات والمكاتب الاستشارية السعودية منها متواضعا، والمؤمل أن يزداد نصيب الشركات السعودية الاستشارية عن طريق إلزام الشركات الاستشارية الأجنبية بمشاركة مكاتب وشركات سعودية في العقود بدلا من الاعتماد على نسب التوطين فقط، التي قد لا تكون دقيقة في بعض الأحيان وهذا سيوفر الخبرة للشباب السعودي رجالا ونساء للاستفادة من الخبرات الأجنبية مع تقديم المعرفة السعودية لكيلا تكون تقارير الشركات الأجنبية نسخة مكررة من دراسات سابقة في دول أخرى. وأكد مختصون في هذا المجال أن الشباب السعودي لديهم شغف بالعمل في الاستشارات، وثبت نجاحهم وتفوقهم في هذه المهنة.
والخلاصة، أن لا أحد يطالب بالاستغناء عن الخبرات الأجنبية في المرحلة الحالية، إنما المطلوب هو إتاحة الفرصة لتدريب الشباب والشابات المؤهلين في مجال الاستشارات لكي نحول هذا القطاع المهم مستقبلا، إلى قطاع يضيف إلى الاقتصاد الوطني ويوجد فرص عمل جاذبة، إضافة إلى عمله في تطوير المنظومة الاقتصادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي