ضغط غربي لإرغام عمالقة التكنولوجيا على دعم شركات الاتصالات

ضغط غربي لإرغام عمالقة التكنولوجيا على دعم شركات الاتصالات
ضغط غربي لإرغام عمالقة التكنولوجيا على دعم شركات الاتصالات

في صباح 28 أيلول (سبتمبر)، التقت مارجريت فيستاجر رئيسة قسم مكافحة الاحتكار في المفوضية الأوروبية، أحد الأشخاص الذين يقودون حملة شرسة ساعية إلى الحد من هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى في جميع أنحاء العالم.
بريندان كار، كبير الجمهوريين في هيئة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية، كان يحاول حشد الدعم لحملته كي يدفع عمالقة التكنولوجيا، مثل "جوجل" و"نتفليكس"، لشركات الاتصالات التي تمر بصعوبات مالية على جانبي المحيط الأطلسي، مقابل الاستثمارات الضخمة التي تنفذها في شبكاتها.
مثل هذه الجهود الرامية إلى إجبار شركات التكنولوجيا على تقديم ما يسميه المؤيدون "مساهمة عادلة" في تكاليف الشبكة ليست حديثة على الإطلاق، فهي تردد صدى نقاش مضى عليه عقد.
لكن الآن هناك علامات على أن الهيئات المنظمة في كل من أوروبا والولايات المتحدة أصبحت أكثر تأييدا لهذه الحجة. ومع تزايد الزخم، يتسرب نقاش مرير بين المشغلين ومجموعات التكنولوجيا إلى الرأي العام.
في أوائل سبتمبر، أعلنت مفوضية الاتحاد الأوروبي أنها ستجري مراجعة بشأن إذا ما كان ينبغي لشركات التكنولوجيا أن تتحمل قدرا أكبر من تكاليف شبكات الاتصالات. قالت فيستاجر "إن القضية تحتاج إلى أن ينظر فيها بتركيز شديد".
من جهة أخرى، أرسلت حكومات فرنسا وإيطاليا وإسبانيا - التي تقدم دعما ماليا كبيرا لتحسين الشبكات باستخدام أموال دافعي الضرائب - ورقة مشتركة إلى المفوضية في أغسطس، تدعوها إلى التحرك بسرعة لاقتراح تشريع بهذا الخصوص.
"إنها قضية حان حسمها وهي في نقطة محورية"، حسبما قال كار لـ"فاينانشيال تايمز"، مضيفا "الزمان الذي كانت فيه شركات التكنولوجيا الكبيرة لا يمكن المساس بها قد ولى. نحن بحاجة إلى مئات المليارات من الدولارات لتمويل التحسينات على الشبكات العامة، لكن نماذج التمويل الحالية غير قادرة على تلبية الاحتياجات والالتزامات المالية. الفوائد تتجمع في أيدي شركات التكنولوجيا الكبرى هذه، وحان الأوان لإعادة التوازن".
وفقا لمحللين في بنك باركليز، إذا تغير القانون بفرضه على شركات التكنولوجيا دفع نصف تكاليف سعة الشبكة، يمكن أن يوفر بذلك مكاسب سنوية غير متوقعة للقطاع تراوح بين ثلاثة وأربعة مليارات يورو.
تنفق شركات الاتصالات عشرات المليارات على ترقية الشبكات النحاسية الحالية إلى الألياف الضوئية، حتى تواكب زيادة استخدام البيانات والتحول إلى شبكات الجيل الخامس.
من جانبها، تجادل مجموعات التكنولوجيا بأنها تسهم بالفعل بسخاء في البنية التحتية للإنترنت من خلال الاستثمار في مراكز البيانات والكابلات البحرية، إضافة إلى تطوير الخدمات التي يرغب العملاء في استخدامها على الهواتف الذكية وأجهزة الحاسب. تقول أيضا إن المقترح يقوض مبدأ "حيادية الشبكة"، الذي يحظر على مزودي خدمات النطاق العريض تقييد وصول أي مستخدم إلى الويب.
يأتي النقاش المحتدم وسط حملة أوسع على هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على السوق وحالات من سلوكيات الاحتكار في الولايات المتحدة وأوروبا. في 2018، فرضت فيستاجر غرامة قياسية على "جوجل" لإساءتها استخدام هيمنتها على نظام "أندرويد" للأجهزة الذكية. وتدرس الولايات المتحدة فرض قيود جديدة شاملة على أكبر شركات التكنولوجيا بموجب "قانون الابتكار والاختيار الأمريكي عبر الإنترنت"، وهي قيود تلقى دعما من الحزبين.
"يبدو الآن أن هناك بعض الدعم السياسي في بروكسل للنظر في هذه الفكرة"، بحسب كريستيان بورجرين، رئيس المكتب الأوروبي لجمعية صناعة الكمبيوتر والاتصالات، مجموعة ضغط لشركات التكنولوجيا.
يرتكز النقاش بصورة أساسية على الثروات المتباينة لمجموعات الاتصالات وبعض أكبر عمالقة التكنولوجيا والبث. شهدت المجموعة الأخيرة ارتفاعا في أسعار أسهمها خلال الجائحة، لزيادة اعتماد كثيرين على خدماتها.
"الآن بعد أن أصبحت وزيرا، أنظر إلى الوضع الأوروبي وأرى خللا كبيرا"، كما قال فيتوريو كولاو، وزير الابتكار التكنولوجي الإيطالي المنتهية ولايته، والرئيس التنفيذي السابق لشركة الاتصالات "فودافون"، متحدثا في حلقة نقاش نظمتها "فاينانشيال تايمز" الشهر الماضي.
في الحدث نفسه، اعترفت كريستل هايدمان، الرئيسة التنفيذية لشركة الاتصالات "أورانج"، بأن المشغلين عانوا كي يدفع العملاء أكثر مقابل كميات أكبر من حركة مرور الشبكة.
قالت "عندما تنظر إلى شبكات الجيل الثاني والثالث والرابع، ترى أننا لم نستطع رفع السعر الذي يدفعه المستهلكون، ما يعني أن لدينا سوقا تنافسية للغاية في أوروبا"، محتجة بأنه إذا لم تجد شركات الاتصالات طريقة لفرض رسوم على مجموعات التكنولوجيا الكبيرة مقابل البنية التحتية التي تستخدمها، فستضطر إلى تقليل استثماراتها.
يجادل المشغلون وبعض المشرعين بأن انفجار شعبية بث الفيديو، الذي زاد بشكل ملحوظ من عبء البيانات على شركات الاتصالات، جعل حل هذه القضية ملحا أكثر.
العام الماضي، 56 في المائة من حركة مرور الشبكة العالمية ولدتها ست شركات فقط - جوجل وميتا ونتفليكس وأبل وأمازون ومايكروسوفت - وفقا لتقرير نشرته مجموعة الضغط الأوروبية من أجل الاتصالات "إنتو" في وقت سابق من هذا العام.
لكن مات بريتين، رئيس الأعمال والعمليات في شركة جوجل في منطقة أوروبا، جادل بأن مجموعات التكنولوجيا استثمرت مبالغ كثيرة في البنية التحتية للإنترنت. قال لـ "فاينانشيال تايمز"، "إن جوجل أنفقت 12 مليار يورو على ستة مراكز بيانات كبيرة في أوروبا، وبنت 20 كابلا بحريا على مستوى العالم، منها خمسة في أوروبا، واستثمرت في مساعدة مشغلي الاتصالات على تخزين المحتوى محليا للتعامل مع الزيادة في حركة مرور الشبكة".
من ناحيتها، تجادل "نتفليكس" بأن الاستثمار في المحتوى والخدمات الإلكترونية عالية الجودة وتطويرها - مثل قائمتها الشهيرة للأفلام والتلفزيون - هو ما يحرك الطلب على خدمة الإنترنت في المقام الأول.
قال بورجرين "إن مشغلي الاتصالات يخبرون المستثمرين بأن ارتفاع طلب المستهلكين على البيانات هو محرك للنمو المستقبلي، لكن عندما يكونون في بروكسل، فإنهم يديرون ظهورهم ويخبرون المشرعين في الاتحاد الأوروبي بأن مزيدا من حركة البيانات يهدد استمرارية أعمالهم".
كذلك أشار بورجرين وآخرون إلى حقيقة أن شركات الاتصالات الأوروبية تدفع عموما أرباحا كبيرة لأنها ربما تختار تقليل إنفاقها على تحسينات البنية التحتية.
يجادل بعض المحللين بأن أي نوع من تدابير إعادة التوزيع قد يفشل في معالجة الأسباب الجذرية لمعاناة مجموعات الاتصالات الأوروبية في تسييل نفقاتها الرأسمالية.
كتب هوسوك لي ماكياما، مدير المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي، "إن إجبار مزودي المحتوى على الدفع مقابل شبكات الاتصالات دون عائد تجاري مباشر يعد ضريبة عقابية على الرقمنة نفسها التي يسعى صانعو السياسات إلى تعزيزها".
حذر هو وآخرون من أن فرض ضريبة من هذا النوع يمكن أن يقوض حوافز مجموعات التكنولوجيا للاستثمار في التكنولوجيات الجديدة. ويشير آخرون إلى خطر حقيقي متمثل في احتمال انتقال التكاليف الإضافية ليتحملها المستهلكون في صورة أسعار مرتفعة.
واحدة من أكثر النقاط الشائكة الملحة في النقاش أنه لم يقدم أحد مقترحا واضحا لكيفية مساهمة شركات التكنولوجيا.

الأكثر قراءة