تجاهل النفايات الصلبة معضلة عالمية .. 3.4 مليار طن في 2050
توالت التقارير المحذرة من تحويل القارة الإفريقية إلى مطرح لنفايات العالم، مع الارتفاع المهول، كميا ونوعيا، في شحنات النفايات المرسلة من الدول المتقدمة في جميع أصقاع العالم نحو هذه القارة. ولا سيما بعد إعلان دول آسيوية مثل الصين توقفها نهائيا عن تلقي القمامة، واتجاه دول أخرى "ماليزيا، تايلاند، إندونيسيا..." نحو تشديد القيود على هذه التجارة الرائجة، حفاظا على صحة مواطنيها وصونا لمصالحها.
أواخر 2017، قررت الحكومة الصينية رسميا فرض حظر شمولي على استيراد النفايات الأجنبية، إذ صار لديها ما يكفي من النفايات المحلية القابلة للتدوير، فهي صاحبة أكبر مكب للنفايات في العالم. فاتجهت الأنظار نحو القارة السمراء لتكون المستقبل البديل لأزبال العالم المتقدم، علانية هذه المرة بعدما كانت الأمور تتم في غطاء من السرية والتكتم بين الحكومات، كما ذهب إلى ذلك عدد من التحقيقات الصحافية، وأكثر من تقرير لهيئات وشبكات مهتمة بقضايا وشؤون البيئة.
يذكر أن منظمة الوحدة الإفريقية - سابقا - لاحظت التزايد المفرط في دفن النفايات في دول القارة السمراء، حتى قبل تحفظ دول آسيا على الاستقبال المفتوح، فطرحت على الدول الأعضاء 1991 التوقيع على اتفاقية باماكو بشأن حظر استيراد النفايات الخطرة داخل القارة، التي دخلت حيز التنفيذ بعد سبعة أعوام، وجاءت بديلا عن اتفاقية بازل 1989، حيث وضعت قيودا أكثر تشددا بشأن استيراد وطرق دفن النفايات في القارة.
يؤكد تقرير للبنك الدولي أن النفايات الصلبة تمثل معضلة عالمية، ويتوقع لاستمرار سياسة التجاهل الحالية أن تصل إلى 3,4 مليار طن 2050، وتبقى مثالا آخر لفقدان العدالة في العالم، فالأرقام المسجلة تكشف البون الشاسع بين دول الشمال المتقدم والجنوب الفقير، حيث تنتج الدول مرتفعة الدخل 34 في المائة من نفايات العالم، رغم أنها تحتضن فقط 16 في المائة من سكان العالم. أما منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فتبقى الأقل إنتاجا للنفايات في العالم، بمجموع 129 مليون طن 2016.
وحتى في المستقبل، يفيد تقرير البنك الدولي بشأن توقعات 2030، أن نفايات منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط ومعها منطقة إفريقيا جنوب الصحراء "446 مليون طن"، ستظل أقل بكثير من عائد منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي من النفايات "602 مليون طن"، وكذا منطقة جنوب آسيا "466 مليون طن"، وقريب جدا من إجمالي ما ستنتجه منطقة أوروبا من نفايات "440 مليون طن".
لا يخضع تصريف النفايات على الصعيد العالمي لترتيب الإنتاج نفسه، فإفريقيا في الطريق لأن تصبح سلة قمامة للعالم بلا منازع، خاصة بعد ازدهار تجربة تدوير النفايات الإلكترونية التي باتت تمثل فرصة اقتصادية جديدة، داخل عدد من دول إفريقيا جنوب الصحراء، ما دفعها نحو مزيد من الاستيراد، فقيمة المواد الخام المستخرجة من هذه النفايات بلغت عام 2019 نحو 3,2 مليار دولار.
يتوقع أن تتحول النفايات الإلكترونية، المرتبطة بالتقادم المقصود أو المخطط له، أي نهاية العمر التشغيلي للآلة أو الجهاز، إلى واحدة من أسرع النفايات البشرية نموا على الصعيد العالمي، بعدما سجلت عام 2019 زيادة بلغت 21 في المائة عن 2014، فقد بلغت ما يفوق 53 مليون طن، وتفيد التوقعات باستمرار الارتفاع ليصل إلى 74 مليون طن مطلع العقد المقبل.
مع تزايد حجم هذه النفايات عالميا، ارتفعت - بشكل مطرد - الشحنات المرسلة نحو القارة الإفريقية، حتى إن بعض الأحياء أقيمت وتوسعت قرب مقالب قمامة العالم الأول، بعدما صارت مركزا لاستقطاب العمال، وأغلبيتهم نساء وأطفال ومراهقون، للنبش وتفكيك هذه الأجهزة، بحثا عن معادن نفيسة وعناصر قيمة.. وكل شيء يصلح للتدوير، يمكن أن تحتوي عليه هذه النفايات الإلكترونية.
يظل معدل تدوير هذه النفايات ضعيفا جدا في القارة الإفريقية "0,1 في المائة"، مقارنة بالقارتين الآسيوية "11,7 في المائة" والأمريكية "9,4 في المائة". كما أن الاهتمام بهذا الصنف من النفايات لا يعد ضعيفا، فمن أصل 43 دولة إفريقية غطاها استطلاع رأي حول الموضوع، فقط 13 دولة تتوافر على سياسة وطنية لإدارة وتدبير النفايات الإلكترونية. يبقى هذا من مفارقات إفريقيا العجيبة، إذ يعقل السماح باستيراد هذه النفايات دون بلورة رؤية شمولية، خاصة أن أحدث تقارير الأمم المتحدة برسم عام 2020 يصنف النفايات الإلكترونية ثاني آفة بيئية بعد النفايات البلاستيكية.
يكفي أن نشير هنا إلى مطرح أجبوجبلوسي، في ضواحي العاصمة الغانية أكرا، الذي أضحى واحدا من أكثر الأماكن تلوثا بالنفايات الإلكترونية في العالم. يوفر حاليا مورد عيش لأكثر من ستة آلاف عامل بشكل مباشر، ونحو 1500 بطريقة غير مباشرة. وتحقق غانا عائدات سنوية تراوح ما بين مائة و260 مليون دولار من النفايات الإلكترونية.
هكذا إذن تستورد حكومات إفريقيا الموت لشعوبها، بموجب اتفاقيات وقوانين، فعديد من الشركات الغربية الآن تتسابق بحثا عن مطرح لنفاياتها في إفريقيا، حيث تغيب الرقابة والشفافية وحتى أنصار البيئة. يفضل هؤلاء تصدير النفايات إلى إفريقيا، فتكلفة التخلص منها محليا تصل أحيانا إلى ثلاثة آلاف دولار للطن، بينما إرسالها نحو القارة السمراء قد لا يكلف سوى خمسة دولارات للطن.
أخيرا، نجحت شركة سيسكو الأمريكية في إبرام صفقة مع حكومة البينين، تسمح بنقل خمسة ملايين طن من النفايات الخطرة سنويا، نظير مبلغ تافه، لا يتعدى 2,5 دولار للطن. في المقابل كان على الشركة أن تدفع ألف دولار للطن، إن رغبت في التخلص من النفايات محليا. يكشف هذا الأمر حجم المغانم التي تكسبها الحكومات والشركات الغربية من وراء هذه التجارة.
هكذا إذن تستمر عنصرية الغرب ضد إفريقيا حتى بعد نهاية الاستعمار، فما تعيشه القارة اليوم يستحق وصف "العنصرية البيئية" ضد الأفارقة، فلا يعقل أن تتحمل الدول الإفريقية في القرن الـ21 تبعات رفاهية الدول الاستعمارية، كما تحملت في القرنين السابقين تكلفة تقدمها الصناعي والتقني.