تقرير: قطاع الاتصالات "معقل" المرونة ويملك حلولا لإخراج الاقتصاد العالمي من الأزمة
أظهرت دراسة جديدة أجرتها "بوز آند كومباني" أن انعدام الاستقرار في الأسواق الدولية دفع بالحكومات في العالم إلى البحث عن وسائل لتحقيق التعافي الاقتصادي. ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قد تتمكّن الحكومات من الاتكال على قطاع الاتصالات الذي لطالما أظهر مرونة مالية. كما يستطيع صانعو السياسات الذين يملكون نظر شمولية عن قطاع الاتصالات، والذين يتخذون إجراءات لإطلاق العنان لقدرات الاتصالات، خلق أثرا مُضاعفا يساهم في تحفيز اقتصاد الدولة بشكل عام.
ومن الضروري إعادة النظر في المعطيات الاستراتيجية، إذ من خلال اعتماد نهج محدد يستهدف القيام بتغيير تنظيمي وضخّ الأموال النقدية، يساعد قطاع الاتصالات في تعزيز الاقتصادات وإعادة الأمور إلى نِصابها. في هذا الإطار، شرح كريم صبّاغ، الرئيس العام لقطاع الاتصالات والإعلام والتكنولوجيا في شركة بوز آند كومباني: "في الوقت الذي تحتاج دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى الأمن المالي، تملك فرصة فريدة لتحويل اقتصادها إلى اقتصاد قائم على المعلومات يتمحور حول الاتصالات بشكل أساسي".
إعادة النظر في أنظمة الاتصالات
ويقول التقرير" لطالما شكّل قطاع الاتصالات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا محوراً من محاور مرونتها المالية، الأمر الذي قد يسمح له بتمهيد الطريق أمام التعافي الاقتصادي. وعليه، يتوجّب على صانعي السياسات والهيئات الناظمة للقطاع تعزيزه من خلال تعديل استراتيجياتهم".
ويفتح انعدام الاستقرار الحالي فرصة لتوسيع آفاق قطاع الاتصالات وتطوير نواحي الاقتصاد الأخرى. في هذا الإطار، شرح بهجت الدرويش، مدير أول في بوز آند كومباني: "تعوّل الشركات والأفراد على الاتصالات في العمليات اليومية، لذلك يتمتع المشغّلون بفرصة لتوسيع آفاق نشاطاتهم".
ويواجه مشغّلو الاتصالات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عدداً من التحديات الجديدة، منها التعامل مع نضج السوق وحاجات العميل وخياراته المتغيرة والتحول المستمر في التكنولوجيا والأعمال والنماذج التشغيلية. ولكن قد يؤدّي التباطؤ الاقتصادي إلى إعاقة قدرة القطاع على مواجهة هذه التحديات.
وربما يركز صانعو السياسات والهيئات الناظمة الضوء على تنسيق استراتيجيات قطاع الاتصالات بحسب الأهداف الاقتصادية المتغيّرة، مع التركيز على خلق المرونة على المدى الطويل واستدامة النمو. قد تحتاج الحكومات إلى قلب الأنماط السابقة ودراسة احتمال التدخل مجدداً في المجالات التي امتنعت عن الخوض فيها في السابق. إن التعاون بين مختلف الجهات المعنية في قطاع الاتصالات أساسي، ويفرض على الهيئات الناظمة وصانعي السياسات التطرّق إلى مجالات الضعف في قطاع الحوكمة والأنظمة، وتنفيذ عناصر من شأنها خلق قيمة مستدامة للقطاع.
في هذا الإطار، يجب أن يدرس صانعو السياسات والهيئات الناظمة في المنطقة الاستراتيجيات الستّ التالية: مراجعة جداول تخصيص القطاع وتحريره، تخفيف الموجبات المالية المباشرة المفروضة على المشغّلين، الاستثمار في البنية التحتية لشبكة وطنية عريضة النطاق، تحفيز لتشاطر البنية التحتية وجمع الحركة، تعزيز إلمام المستخدمين وقوى العمل بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الإسراع في إصلاحات الحوكمة والإصلاحات التنظيمية للقطاع
مراجعة جداول تخصيص القطاع وتحريره
قد لا تنطبق جداول تخصيص القطاع وتحريره التي تم وضعها قبل الأزمة الاقتصادية على الوضع الحالي. وفي حين يتيح القطاع بعض المجال أمام المنافسة، ينبغي أن تحتلّ المحافظة على مرونة اللاعبين الحاليين الأولوية المطلقة. وقد يكون من الضروري توخّي الحذر في استقطاب الاستثمارات القوية وطويلة الأمد وتحديد مواعيد التخصيص أو إصدار التراخيص الجديدة.
قد لا يحقق بيع الأصول الوطنية أفضل العائدات كما أنّ الترخيص لمشغّلي شبكات جدد قائمين سيترك أثراً سلبياً على حوافز الاستثمار التي يتمتع بها اللاعبون الحاليون. في هذا الإطار، أجّلت الحكومة العُمانية بيع 25 في المائة من حصة الدولة في الشركة العمانية للاتصالات (عُمانتل) في كانون الأول (ديسمبر) 2008 نظراً للتدهور الاقتصادي العالمي وتراجع أسواق الأسهم.
تخفيف الموجبات المالية المباشرة المفروضة على المشغّلين
ينبغي على صانعي السياسات والهيئات الناظمة دراسة توقيت إصدار التراخيص الجديدة لمشغّلي الشبكات على أن تستطيع الحكومات خلق القيمة باستقطاب لاعبين ماهرين للاستثمار في تراخيص مشغّلي الخدمات، على أن يبقى التحرير وارداً على جدول الأعمال عندما تكون البيئة الاقتصادية ملائمة. وعليه، قال كريم صباغ: "حقّق نهج التخصيص والتحرير الذي اعتمده صانعو السياسات والهيئات الناظمة النجاح حتى الآن. كما من شأن الخطوات المتخذة في الوقت المناسب أن تساهم في إعادة ثقة المستثمرين ودعم التعافي الاقتصادي".
وينبغي على صانعي السياسات والهيئات الناظمة التخفيف من الضغوط المالية التي يرزح تحتها مشغّلو الاتصالات. فمن شأن خفض رسوم الترخيص ورسوم الطيف الترددي والأتاوات على التراخيص، إضافة إلى الأرباح المرتفعة على المشغّلين المملوكين للحكومة، أن يساهم في ضمان استمرار المنافسة والاستثمار والتوظيف في القطاع، كما يضمن زيادة عائدات الحكومة على المدى الطويل. قد يشكّل ذلك حافزاً يدفع بالمشغّلين إلى زيادة الاستثمار في نشر الشبكة والابتكار في المنتجات والخدمات، ويترك أثراً مضاعفاً على الاقتصاد بشكل عام.
وفي الأزمات السابقة، اعتمدت بعض الهيئات الناظمة نهجاً داعماً تجاه بعض حاملي التراخيص، فخففت الموجبات المالية وسمحت لهم بمواجهة هذه الظروف الصعبة بسهولة. لذلك، ينبغي أن يتمتع مشغّلو الاتصالات بموجبات مالية قوية لدرجة تسمح لهم بتمويل نشاطات صانعي سياسات والهيئات الناظمة للقطاع، إضافة إلى برامج البحوث وصناديق تمويل الخدمة الشاملة. كما ينبغي أن تكون الموجبات المالية محدودة ليستقطب القطاع استثمارات مضاعفة.
وتفرض عديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا موجبات مالية مباشرة على مشغّلي الاتصالات منه على أندادهم في أسواق أكثر نضجاً، الأمر الذي يشكّل مصدراً أساسياً لإيرادات عديد من حكومات هذه الدول. في هذا الإطار، قال بهجت الدرويش: "إن السماح لمشغّلي الاتصالات بتوظيف جزء من عائداتهم في أعمالهم يساهم في المحافظة على ميزتهم التنافسية في بيئة تفتقر إلى السيولة، ويحسّن التوقعات الاقتصادية طويلة الأمد".
الاستثمار في البنية التحتية
اتجهت الدول الإقليمية نحو تخصيص مشغّلي الاتصالات والسماح للقطاع الخاص بالسيطرة على إطار الاستثمارات في البنية التحتية للاتصالات. على الرغم من ذلك، يواجه المشغّلون الفرديون مشاكل في ضمان الاستثمارات في البنية التحتية لشبكة وطنية عريضة النطاق، مثل الشبكات السريعة. وعليه، أكّد كريم صبّاغ، "قد تودّ الحكومات التدخّل وتأدية دور أكثر فعالية في هذه الاستثمارات، من أجل تحفيز استثمار المشغّلين في البنية التحتية لشبكة وطنية عريضة النطاق وتحسين قدرتهم على تحقيق الأرباح عندما يتعافى الاقتصاد".
وتأتي الاستثمارات بشكل مرافق مدعومة من الحكومة مثل شركات الشبكة الوطنية. قد تشمل المشغّلين الحاليين، غير أنها تحتاج إلى تعميم بنيتهم التحتية على جميع مشغّلي الاتصالات ومزوّدي خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. تؤدّي هذه الخطوة إلى مزايا محتملة، من تسهيل ولوج العملاء إلى الشبكة وزيادة عرض نطاق الشبكة وتحقيق اقتصادات النطاق، إلى تقديم تطبيقات جديدة من شأنها أن تفيد الاقتصاد.
وقد يأتي استثمار الحكومة في شكل مِنح تُعطى للمشغّلين، شرط أن يقدّموا حوافز وعروضا لتشجيع المستخدمين على تحديث اشتراكهم في شبكة الجيل الجديد. إضافة إلى ذلك، يحقق تحفيز القطاع أثراً جيداً ويطلق عجلة الاقتصاد. تُقدّر هذه المبادرات أنّ هذا الاستثمار سيؤدّي إلى استحداث فرص عمل مباشرة وسيسمح بتأسيس شركات جديدة تخلق منتجات وخدمات مبتكرة، باستخدام القدرات المتطوّرة لشبكة الاتصالات.
وتعتبر الحكومات البنية التحتية جزءاً أساسياً من أيّ اقتصاد وتتمتع برؤية تقدّمية حول دور الحكومة في هذه البنية التحتية. وهكذا، تضع الحكومات الأُسس التي تسمح للقطاع بالخروج أقوى من فترة الركود الاقتصادي وتعطي زخماً للاقتصاد في الوضع الراهن. لذلك، تُعتبر البنية التحتية لشبكة وطنية عريضة النطاق أساسية لضمان النموّ المستقبلي ونمو الاقتصاد الوطني بشكل عام.
تحفيز مشاركة البنية التحتية وجمع الحركة
نظراً للسيولة المحدودة التي تتمتع بها السوق، يجب أن يدرس صانعو السياسات والهيئات الناظمة إعطاء حوافز للمشغّلين للمشاركة في البنية التحتية سوياً من أجل تسهيل إدارة الموارد المالية المُتاحة لهم، من دون التخلّي عن ميزتهم التنافسية.
تستطيع الحكومات التخفيف من الأنظمة التي تختارها، مقابل التزام المشغّلين بمشاركة البنية التحتية. لذلك، قال بهجت الدرويش: "يتمحور الهدف حول خلق حوافز للمزيد من التعاون والاستفادة من مواطن الفعالية الاقتصادية وتحقيقها على أساس تجاري متوافق عليه".
وغالباً ما ينجم عن تشاطر البنية التحتية مشاكل بين الهيئات الناظمة والمشغّلين، لأنه يندرج في إطار الموجبات التنظيمية؛ غير أنه نجح في السابق لارتكازه على السوق. يمكن للتدخل التنظيمي أن يفرض مشاركة البنية التحتية في حالات إساءة استخدام قوى السيطرة أو فشل السوق. وسبق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن طبّقت اتفاقات تشاطر البنية التحتية القائمة على السوق بدعم من بعض صانعي السياسات والهيئات الناظمة.
وتستطيع الهيئات الناظمة التدخل لتعزيز نمو شركات جمع الحركة، شأن محاور التجوال الإقليمي أو نقاط تبادل الإنترنت. وعليه، تحقق الهيئات الناظمة منافع مثل توفير التكاليف وتحسين أداء الشبكة وزيادة موثوقية جميع اللاعبين في السوق، على حد تعبير بهجت الدرويش. ومع نضج المنافسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، برزت شركات مشاركة البنية التحتية وجمع الحركة. غير أن المشغّلين الحاليين، والذين يسيطرون على حصّة كبيرة من البنية التحتية، لم يبدوا حماسة لاتفاقات تشاطر البنية التحتية بسبب الضغوط التنظيمية أحياناً.
تعزيز إلمام المستخدمين وقوى العمل بالتقنية
يجب أن يتزامن تعزيز الإلمام بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات مع الاستثمار في البنية التحتية لشبكة وطنية عريضة النطاق لتحقيق النمو. ومن دون رأسمال البشري الضروري، لن يتم توظيف التطوّرات التكنولوجية في شبكات الاتصالات والخدمات بفعالية لتحقيق الابتكار والنمو الاقتصادي. إن الإلمام العام بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات أساسي لانتشار اعتماد الخدمات الرقمية. إذ تستطيع حكومات المنطقة الاستفادة من الركود الاقتصادي لتوسيع استثماراتها في مبادرات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تدعم وتطوّر المعرفة في هذا المجال واعتمادها بين الناس.
في هذا الإطار، أكّد كريم صباغ: "يجب أن تشجّع حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المواطنين على استخدام الخدمات الإلكترونية بولوج مناسب وبسعر معتدل، ومن خلال التركيز على ما تدرّه خدمات الحكومة الإلكترونية من توفير في الوقت والمال". ويعطي وضع إطار تعليم رسمي وتحديد دورات معايير الجودة أن تزيد نزاهة خصائص تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وتستطيع الحكومات تسهيل التفاعل بين البرامج الأكاديمية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات التابعة للقطاع الخاص. هذه هي الحالة بشكل خاص خلال الركود الاقتصادي الذي يسلّط الضوء على الحاجة إلى توظيف قوى عاملة قادرة على تلبية شروط المهارة التي يحددها القطاع الخاص، ولاسيما وأن معدلات الإلمام الإقليمي بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ما زالت متدنية نسبياً مقارنة بالدول الأخرى.
ومن شأن الاستثمار في زيادة الإلمام بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات أن يسرّع وتيرة اعتمادها ويشجّع تأسيس اقتصاد رقمي ويعزّز الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ويزيد الإنتاجية الفردية ويخلق قوى عاملة أكثر مهارة وكفاءة. إلى ذلك، يلعب الاستثمار في هذا القطاع دور الحافز الاقتصادي على المدى القصير، ويحتلّ موقعاً مهمّاً في نمو قطاع الاتصالات على المدى الطويل.
الإسراع في إصلاحات الحوكمة
تعتمد قدرة قطاع الاتصالات للعمل كمحرّك للتعافي الاقتصادي على ثلاثة عوامل: قدرة الهيئات الناظمة وصانعي السياسات على تلبية وظائفهم المختلفة بفعالية، ومستوى التكامل بين حوكمة قطاع الاتصالات وحوكمة وسائل الإعلام والتكنولوجيا ومستوى نضج الممارسات التنظيمية. ويجب الفصل بين صنع سياسات الاتصالات ونمو القطاع وبين النشاطات التنظيمية. إذ ينبغي اعتماد التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد بسرعة لمساعدة القطاع على التحوّل إلى محفز للنموّ الاقتصادي. في هذا الإطار، قال كريم صبّاغ: "يجب تطوير قدرات صياغة مبادرات لنمو القطاع بسرعة لدعم مبادرات الاستثمار الحكومي والشراكات بين القطاعين العام والخاص".
وفيما يتعلّق بالإصلاحات التنظيمية، يتطلّب تحسين مرونة القطاع ووضع أُسس النمو المستدام يتطلب شفافية الممارسات التنظيمية. في الواقع، يجب أن يساهم نشر خطط التطور التنظيمي والحصول على دعم الناس في بناء ثقة المستثمرين وتحفيز النمو. كما يجب أن تضاعف الهيئات الناظمة قدراتها على التقييم الاقتصادي وتقوم قراراتها على تحاليل معمّقة تضمن خلق القيمة والفعالية للجهات المعنية بالقطاع، أي العملاء والمشغّلين ومستثمري الحكومة.
في النهاية، يجب أن تولي الهيئات الناظمة انتباهاً أكبر في ملاحقة السلوك غير التنافسي وتدمير قيمة السوق، وإلاّ فلن يتمكن القطاع من جذب الاستثمارات وسيواجه المشغّلون صعوبة في اعتماد نماذج العمل الجديدة بعد التعافي الاقتصادي. من شأن التركيز على الإصلاحات أن يحوّل الموارد باتجاه تحقيق أقصى العائدات من المبادرات ويخلق بيئة تشجّع المبادرات الجديدة. وعندما تفقد مجالات النموّ جاذبيتها، يساهم اعتماد أفضل الممارسات في إصلاحات تنظيم وحوكمة القطاع في خلق أداء بمستوى عالمي بعد مرور الأزمة الاقتصادية.