الكويكبات ليست الخطر الوحيد في قائمة مخاوف البشر
لقد كان، حرفيا، إنجازا مذهلا. في أوائل ساعات الثلاثاء اصطدمت مركبة فضائية تابعة لوكالة ناسا بكويكب صغير يبعد 11 مليون كيلو متر عن الأرض، والتقطت الكاميرا رحلتها الشيقة، ثانية بثانية، وتم بثها إلى جمهور عالمي.
كان الغرض من الاصطدام تحويل الصخرة تسمى "ديمورفوس" – وهي أحد نصفي نظام ثنائي مكون من كويكبين – إلى مدار أضيق حول شريكها الأكبر المسمى "ديديموس". لم يتم تأكيد التعديل المداري بعد، لكن إن نجح سيثبت، من حيث المبدأ على الأقل، أن البشر لديهم المعرفة اللازمة لتحويل مسار الكويكبات القادمة نحونا.
"ما أبهرني وأبهجني كان أن كل شيء سار على ما يرام"، حسبما قال البروفيسور ألان فيتزسيمونز، عالم الفيزياء الفلكية في جامعة كوينز في بيلفاست، الذي سيحلل الآن صور الاصطدام التي تم جمعها من تلسكوبات في جنوب إفريقيا، وتشيلي، وهاواي، وسيشارك في مهمة متابعة للكويكب نفسه في 2027، تتولاها وكالة الفضاء الأوروبية.
في حين قد يستغرق الأمر شهورا لمعرفة ما إذا كانت عملية التحويل قد استغرقت ثواني أو دقائق، يقول فيتزسيمونز: "إنني أكثر ثقة اليوم مما كنت عليه قبل 24 ساعة بأنه إذا كان هناك كويكب صغير في مسار تصادم مع الأرض، فإننا نستطيع التصرف حيال ذلك".
إذن، الأخبار الجيدة هي أنه من الواضح أننا نستطيع الآن الاحتراز من التهديد الذي قضى على الديناصورات قبل 66 مليون عام. أما الأخبار غير السارة هي أن المخاطر الوجودية الأكبر للبشرية تقبع قريبا منا.
الكويكبات أجرام صخرية، أصغر من الكواكب، تدور حول الشمس "على عكس المذنبات المكونة من الثلج والصخور والغاز". تقع معظم العينات المعروفة، التي يزيد عددها على مليون في حزام الكويكبات الرئيس بين المريخ والمشتري. مصدر القلق الأكبر هي الكويكبات التي يحتمل أن تكون خطرة، التي يبلغ عرضها 140 مترا على الأقل ولها مدارات تقع ضمن 7.5 مليون كيلو متر من الأرض – كبيرة وقريبة بما يكفي لضرب اليابسة، لكن صغيرة بما يكفي لتفادي الاكتشاف المبكر. وجعل ذلك ديمورفوس الهدف المثالي: الحجم مناسب تقريبا "160 مترا"، وبعيدا جدا بحيث لا يشكل خطرا.
أحد الأسباب التي جعلت من "اختبار إعادة توجيه الكويكب المزدوج" "دارت" مهمة اجتذبت اهتمام العامة، هو ما تضمنته من عرض مبهر للجرأة التكنولوجية. بينما تكون معظم الرحلات الفضائية معدة لتفادي مواجهات كارثية مع الكويكبات، أو الكواكب، أو الحطام المنتشر في الفضاء، فإن هندسة عملية تدمير متعمد بين جرمين متسارعين في الفراغ الشاسع للفضاء كانت تتطلب دقة متناهية.
كانت مركبة دارت الفضائية، التي تزن 570 كيلو جراما، التي تم إطلاقها العام الماضي وجرى توجيهها بنظام الملاحة الذاتية، تسير بسرعة ستة كيلو مترات في الثانية، ما يعادل 14 ألف ميل في الساعة، وهي مصممة بحيث تتبع هدفها قبل أقل من ساعة من الاصطدام. في تلك الأثناء، كان مركز الهدف "الكويكب" يطير في الفضاء بأكثر من ضعف تلك السرعة. وكان من المذهل رؤية سطح ديمورفوس المليء بالصخور بتفاصيل حادة للغاية، بينما اصطدمت به دارت وانتهت إلى مصيرها.
كانت دارت أول محاولة بشرية لتحريك جسم سماوي عمدا. لا يعني نجاحها أن في إمكاننا الآن لعب البلياردو بصخور الفضاء، لكنه يشير إلى وجود خط دفاع كوكبي قابل للتطبيق.
على الرغم من ذلك، الراحة الناتجة عن القدرة على تجنب كارثة تسببها الكويكبات تتناقض مع نهجنا المتفائل نسبيا تجاه التهديدات الأخرى. قد تحدث كارثة ناجمة عن اصطدام كويكب مرة كل مليون سنة، كما يشير لورد ريس، فلكي بريطانيا الملكي، والشريك المؤسس لمركز دراسة المخاطر الوجودية في جامعة كامبريدج، ومؤلف كتاب "إذا كان العلم سينقذنا". لكن "هناك تهديدات كبيرة أخرى يمكن أن تحدث هذا القرن".
بينما يعد تكنولوجيا تحويل مسار الكويكبات حكيمة، يشعر ريس بالقلق أكثر من إساءة استخدام التكنولوجيا الحيوية "خاصة التجارب التي تنتج فيروسات سامة"، والذكاء الاصطناعي، والأوبئة، والعدوان النووي. يعترف بأن أسوأ كابوس يزعجه يتمثل في متعصب وحيد يتمكن من التسلل عبر شبكة ما: "التكنولوجيا تمنح حتى مجموعات صغيرة من الناس القدرة على إحداث كارثة عالمية، مثل إطلاق فيروس، أو هجمات إلكترونية على شبكات الطاقة، أو انهيار في الذكاء الاصطناعي. الحمقى القرويون لديهم الآن نطاق عالمي".
عندما لخص "إتش جي ويلز" المخاطر، التي تتعرض لها الحضارة، أخذ في الحسبان احتمال اندفاع "كتلة كبيرة غير متوقعة علينا آتية من الفضاء". لكن أيضا "قد تظهر بعض الأوبئة في الوقت الحاضر (...) قد تظهر بعض العقاقير، أو جنون مدمر يصيب عقول الرجال". إن قدرتنا على إيجاد طريقنا للخروج من ضربة كويكب لن تكون ذات أهمية تذكر إذا لم نتمكن من كبح جماح جنوننا المدمر أولا.