البحث عن بعبع لتفسير انهيار الاسترليني
عندما تغوص عملة في أزمة، من الشائع البحث عن جهة لإلقاء اللوم عليها. قبل ثمانية أعوام، في غانا، تم لوم "الأقزام" و"السحر الأسود" جزئيا في انهيار السيدي. وفي تركيا، انتقد الرئيس رجب طيب أردوغان مرارا "جماعة ضغط أسعار الفائدة" الخفية لجهودها المفترضة لضرب الليرة. في كلتا الحالتين، كان مزيج السياسات غير الودية للسوق من الجناة الأكثر وضوحا.
الآن يشعر الجنيه الاسترليني بلسعة الخزي في الأسواق المالية. مثل أي عملة رئيسة أخرى، يعرض لضغوط أمام الدولار الملك منذ شهور. "استقلالية الطاقة وبنك مركزي متشدد أمران رائعان لأولئك الذين يحبون القول المأثور القديم، اشتر الدولارات، وارتد الألماس" بمعنى أن "شراء السندات الأمريكية سيجعلك ثريا". لكن ميزانية الجمعة الماضي التي أطلق عليها بشكل محزن اسم "الميزانية المصغرة" أدت إلى معاناة الجنيه الاسترليني بقوة.
انخفض الجنيه 3.5 في المائة مقابل الدولار بعد أن خفض وزير المالية البريطاني الجديد، كواسي كوارتنج، الضرائب وزاد الاقتراض لتعزيز النمو الاقتصادي وتمويل استجابة البلاد لأزمة الطاقة.
التراجع السريع في العملة لمرة واحدة يعد شيئا، لكن بدء التداول في آسيا الإثنين أدى إلى انخفاض 4 في المائة، مقابل الدولار، دافعا الجنيه إلى مستوى قياسي منخفض أقل بقليل من 1.04 دولار. هذه ليست علامة جيدة كون السوق لم تتمكن من العثور على مشترين يريدون أن يتداولوا الجنيه حتى وصل إلى هذه النقطة. لقد ضربت الأزمة المالية وكوفيد والخروج من آلية سعر الصرف الأوروبية الجنيه الاسترليني بشدة، لكن لا شيء دفعه إلى مثل هذا الانخفاض من قبل.
ساعدت نفحة من احتمال قيام بنك إنجلترا، أو وزارة المالية بعمل شيء ما لإيقاف التدهور على رفع الجنيه في وقت لاحق الإثنين، لكن سرعان ما اتضح عدم وجود أي مساعدة فورية، ما ترك السعر دون 1.07 دولار ـ أضعف نقطة منذ 1985. أطلق عليها حي المال "أزمة عملة". وقال بنك جيه بي مورجان إن كل هذا يعكس "تآكل مصداقية" السياسة المالية في المملكة المتحدة. إذ يراهن المستثمرون على أن بنك إنجلترا سيضطر إلى رفع أسعار الفائدة بقوة لتغيير هذا الوضع، ربما يتضمن ذلك رفعها بين الاجتماعات المقررة، مع توقع أن تصل إلى 6 في المائة بحلول مايو.
بعض الجهود المستفيضة لتفسير هذا الانهيار في الجنيه الاسترليني لا تخضع لكثير من التدقيق. أحد تلك التفسيرات هو أن هذا بسبب الدولار. صحيح أنه حتى بعد التراجع غير العادي 20 في المائة هذا العام - وهو أسوأ من معظم عملات الأسواق الناشئة - لا يزال الجنيه ينخفض مقابل الدولار بشكل أقل حتى الآن في 2022، مقارنة بالكرونا السويدية أو الين الياباني. لكن لم يحدث أي شيء يحرك الدولار في يوم الميزانية المصغرة بحيث يجبر الاسترليني على هذه الحركة. جدير بالذكر أن الجنيه انخفض بدرجة قبيحة مشابهة مقابل اليورو، والليرة، والسيدي وهذا الأمر بالأهمية نفسها.
تفسير آخر هو أن بنك إنجلترا هو الملام كونه اختار أن يرفع أسعار الفائدة بمستوى أقل من بعض البنوك المركزية الكبيرة الأخرى. وهذا أمر يبدو من المستحيل إصلاحه. فقد بدأ بنك إنجلترا في رفع أسعار الفائدة في ديسمبر الماضي، قبل أشهر من نظرائه. نعم، ربما ينبغي له رفع أسعار الفائدة بشكل أسرع الآن، إذا كان يرغب في محاولة منع انخفاض الجنيه الناتج عن فرض مزيد من الضغط التصاعدي على التضخم الناجم عن السلع المستوردة. لكن لم يكن من الممكن معرفة هذا قبل يوم من الميزانية المصغرة - يوم هادئ للجنيه - ومن الصعب تصديق أن 0.25 نقطة مئوية إضافية الخميس كانت ستحدث أي فرق.
الآن، كما كتبت إلسا لينوس، من رويال بانك أوف كندا، بنك إنجلترا "معرض أكثر من أي وقت مضى لخطر تصوير الأمر على أنه سياسي ... إذا تجنبوا انهيار الجنيه الاسترليني بأسعار فائدة أعلى، لن يحصلوا على أي فضل كونهم تفادوا أزمة افتراضية، لكنهم سيجلبون على أنفسهم كثيرا من الازدراء لرفعهم تكاليف المقترضين".
بعبع آخر هو صناديق التحوط. بالنسبة لبعضهم، يقع اللوم عليها في جني الأرباح جراء انخفاض الجنيه. ومما لا شك فيه أنها كانت من كبار المشترين للدولار منذ أشهر، وكان عديد من المضاربين مذعورين من برنامج رئيسة الوزراء الجديدة، ليز تراس، الاقتصادي منذ ما قبل توليها المنصب. كان بعضها ليحظى بيوم جيد جدا الجمعة. لكن تحليلا أجراه بنك يو بي إس السويسري يشير بشكل عام، إلى أن الصناديق كان لديها مراكز دائنة في الجنيه الاسترليني وليس مراكز مكشوفة في الفترة، التي سبقت يوم الميزانية المصغرة. يقول جيمس مالكولم، رئيس استراتيجية الصرف الأجنبي في بنك يو بي إس: "إن ذلك يساعد في تفسير مدى التدافع" للخروج الجمعة.
سيصر المتفائلون على أن السوق فهمت كل هذا بشكل خاطئ، وربما يكونون على حق. بعض الكلمات المهدئة الصادرة من الحكومة لشرح أفضل لكيفية موازنة الدفاتر أو تحفيز النمو الاقتصادي ستساعد في هذا الصدد. ولا يمكن لأحد أن يستبعد حدوث ارتداد قصير المدى. كتب مالكولم: "أعطوا الجنيه الاسترليني فرصة". لكن من الواضح أن المستثمرين لا يحبون ما رأوه. إلقاء اللوم على الفروق الدقيقة والجوانب الفنية غير مقنع.